https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

جو بايدن أعلن خلال انتخابات الرئاسة معارضته خروج أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران بقرارٍ من منافسه دونالد ترامب. كرّر الموقف ذاته بعد تسلّمه مقاليد الرئاسة.. أكده مسؤولو إدارته الجديدة مقروناً برغبته في عقد مفاوضات مع إيران للتفاهم على متطلبات العودة.

طهران رحبت بعودة أمريكا إلى الاتفاق النووي إنما من دون شروط. واشنطن استمرت في البحث عن وسائل كفيلة بجرّ طهران إلى طاولة المفاوضات. يبدو أنها عثرت على وسائل مناسبة، أو ظنّت أنها فعلت. ففي فجر يوم الجمعة الماضي، قصفت تجمعاتٍ لفصائل من «الحشد الشعبي» العراقي، تعتبرها حليفةً لمحور المقاومة، في مواقع لها على الجانب السوري من الحدود مع العراق. المعارضون العراقيون كشفوا أن الضربة تمّت بتنسيقٍ بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

إدارة بايدن لم تكتفِ بما فعلته بالمقاومة العراقية في شرق سوريا.. تغاضت عن تهديد بنيامين نتنياهو، ووزير حربه بني غانتس لبنان بأن «إسرائيل» لن تتوانى عن تدمير ما تملكه المقاومة من صواريخ دقيقة قام «حزب الله» بتخزينها ـ حسب زعمها ـ بين منازل المدنيين في مختلف أنحاء البلاد. قائد المقاومة السيد حسن نصرالله، كان قد استبق تهديدات «إسرائيل» بالإعلان، قبل عشرة أيام، أن المقاومة ستردّ على قصف أي موقع مدني لبناني بقصف منشآت عسكرية إسرائيلية قائمة بين أحياء ومواقع مدنية داخل فلسطين المحتلة. إنذاره جرى تعزيزه ببثّ صورٍ لهذه القواعد والمنشآت في مختلف أقنية التلفزيون. من الواضح أن إدارة بايدن تبتغي من وراء هذه الاعتداءات والتهديدات، مباشرةً أو مداورةً، تحقيق جملة أغراض:

أولها، تجميع أوراق تهديدٍ بالنار في يديها، تظن أنها تشكّل وسائل ضغط على إيران لحملها على الرضوخ لمطلب المفاوضات.

ثانيها، استرضاء «إسرائيل» التي تعارض عودتها إلى الاتفاق النووي بالإيحاء لها بأن لا مضاعفات تمسّ بأمنها القومي، إذا ما عادت أمريكا إلى ذلك الاتفاق طالما أن في وسعها، كما «إسرائيل» الحدّ من خطر إيران بضربِ حلفائها في العراق وسوريا ولبنان.

ثالثها، تحذير أعداء أمريكا و»إسرائيل» في المنطقة من مغبة مهادنة إيران وحلفائها في مرحلةٍ تتميز بظاهرتين لافتتين: استشراء حالات من الاضطراب والعسر الاقتصادي، والفوضى في بلدان غرب آسيا، والعمل في سياق إعادة تشكيل المنطقة لاحتواء الأخطاء المميتة التي ارتكبتها إدارة ترامب الذاوية.

إلى ذلك، ثمة نظرية تعتمدها الدولة العميقة في الولايات المتحدة، وتنعكس سلباً على دول متعددة في منطقة غرب آسيا. إنها نظرية هنري كيسنجر في مقاربة الأزمات المستعصية والمتطاولة، التي تأخذ احياناً بخناق بعض الدول. كيسنجر كان ركّز أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه على مسألة موازين القوى في العلاقات الدولية، واعتمدها دليل عمل أثناء اضطلاعه بوظيفته مستشاراً للأمن القومي في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، ثم وزيراً للخارجية. لكنه، بعد انتهاء خدمته العامة وفي ضوء تجربته الغنية خلالها، عدّل قناعاته بشأن هذه النظرية، مستنتجاً في مقابلةٍ صحافية ودراسات لاحقة، أن أزماتٍ معقدة قد تنشأ في بعض الدول، فتتطور وتتطاول ولا تبدو قابلة للحل. مثل هذه الأزمات يجب، في نظره، عدم الاهتمام بحلّها، بل يجب تركها والاكتفاء تالياً بإدارتها لمصلحة الدولة التي تحتاج إلى مواردها وأسواقها، أو لموقعها الاستراتيجي. يبدو أن الدولة العميقة في الولايات المتحدة تعتمد نظرية كيسنجر هذه في بلدان غرب آسيا، التي تعاني أزمات عميقة ومتطاولة كلبنان وسوريا والعراق، وقبلها جميعاً فلسطين المحتلة. أليس واضحاً للمراقب المتابع أن أمريكا تقوم منذ ثلاثة عقود، على الأقل، بإدارة الأزمات المعقدة والمتطاولة التي تعانيها هذه البلدان، ولا تقوم بأعمال جدّية لحلها أو تسويتها؟ إن إدارة الأزمة تتيح لأمريكا هامشاً واسعاً من حرية العمل والمناورة، من حيث توفيرها فرصاً لتلعب وتتلاعب بالأطراف المحليين الواحد ضد الآخر، أو ضدهم جميعاً، ما يمنحها القدرة على تحقيق أغراضها. ما أغراضها في لبنان؟ لديها و»إسرائيل» أولوية رئيسة هي استبعاد حزب الله من السلطة، وتعطيل تحالفه مع أطراف محور المقاومة، ومن ثم تعزيز مكانة ودور حلفائها المحليين الموالين في حكم البلاد. في سوريا، تدير أمريكا الأزمة بإضعاف الحكومة المركزية، ودعم تنظيمات إرهابية وأخرى ذات نزعة انفصالية، أو معادية في الوقت نفسه للتحالف القائم بين سوريا وإيران من جهة، والتعاون الجاري بينهما وبين روسيا من جهةٍ أخرى، ذلك كله يصبّ في خدمة مصالح أمريكا و»إسرائيل». في العراق، تدير أمريكا الأزمة بالإيقاع بين الأطراف السياسية المتصارعة على السلطة والموارد والنفوذ، كما بالتركيز على ضرب فصائل «الحشد الشعبي» المتحالفة مع إيران ضد «إسرائيل» والداعية إلى تعزيز التعاون مع سوريا دعماً لأطراف محور المقاومة. في فلسطين المحتلة، تلتزم أمريكا دعم «إسرائيل» سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتتظاهر بتأييد بعض المشروعات التسووية كـ»حل الدولتين» من دون أن تتخذ تدابير جدية لتحقيق ايٍّ منها، بل تتمسك بالتأييد اللفظي لهذه المشروعات الصوَرية لتتغاضى عن مشروعات «إسرائيل» الاستيطانية المتواصلة بل لتقوم، أثناء ولاية ترامب، بالاعترف بضم القدس للكيان الصهيوني واعتبارها عاصمة له.

هكذا باختصار تدير الولايات المتحدة أزمات بلدان المنطقة، وهي إدارة مرشحة لأن تدوم وتستمر إلى أن تعي الأطراف العربية المعنية أن المخرج الوحيد من هذه المحنة المرّة والمتطاولة، يكمن في اعتماد قاعدة تقديم الأهم على المهم، فتقوم القوى والقيادات الوطنية بتسوية خلافاتها بقصد بناء تحالف وطني عريض في الداخل، وتعزيز الاتجاه الرامي إلى إنجاز تحالف قومي مقاوم بين لبنان وسوريا والعراق (والاردن بعد تحرره من معاهدة الصلح مع «إسرائيل») وقوى المقاومة في فلسطين المحتلة لمواجهة «إسرائيل» وحلفائها. تنبّهوا واستفيقوا ايها العرب  .القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × اثنان =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube