“رونين بيرغمان” المؤلف:
يبحث الكتاب تفصيلات اغتيال مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين فتحي الشقاقي على يد اسرائيل .
جاء في الكتاب ، إن الشقافي يُعتبر “مرجعية روحية وتنفيذية في فلسطين”، وأنه كان من أوائل من قام بتنفيذ هجمات ضد المستوطنين والجنود الإسرائيليين، ومن هنا أصبحت حركة الجهاد الإسلامي من أهم التنظيمات “الإرهابية” التي تعمل ضد إسرائيل على حد قوله.
درس الشقاقي طب الأطفال في جامعة الزقازيق في مصر، وانضم خلال تلك الفترة إلى جماعة الإخوان المسلمين هناك، لكنه سرعان ما انفك عنها لاختلاف الرؤى في طريقة العمل الإسلامي وأسلوبه، حيث كان يتطلع إلى بناء تنظيم إسلامي في فلسطين مستقل عن جماعات الإخوان المسلمين.
وفي أوائل الثمانينيات كانت قواعد اللعبة السياسية آخذة في التغير خاصة في طوق فلسطين، وباتت خيارات المقاومة الفلسطينية محدودة جدا، لذا كان على المعركة أن تُنقل فورا إلى داخل فلسطين، وعندها استطاعت التنظيمات الإسلامية أن تدخل على خط المقاومة، حيث كان الظرف مواتيا لظهور أول تنظيم إسلامي مقاوم في فلسطين، وهو حركة “الجهاد الإسلامي”.
من قطاع غزة وفي ظروف صعبة جدا انطلقت شرارة أول تنظيم إسلامي يقود المواجهة من داخل فلسطين ضد إسرائيل، حيث سُميت الخلايا الأولى للتنظيم بـ”سرايا الجهاد”، ثم تطور التنظيم لاحقا إلى حركة الجهاد الإسلامي بقيادة الشقاقي.
وقال نافذ عزام عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي إن الإسلاميين كانوا غائبين عن ساحة الصراع الأهم في تلك الفترة، وأن ما جاء به الشقاقي هو ملامسة الإسلام للواقع، وتفعيل الإسلام بخصوص القضايا التي يعيشها الناس، وأهمها القضية الفلسطينية. وأضاف الكاتب الفلسطيني ماجد عزام أن الشقاقي استطاع أن ينحت مصطلحات جديدة لدى الشباب الفلسطيني بأن فلسطين هي القضية المركزية للأمة الإسلامية التي هدفها تحرير البلاد، ومنها عبارة أن فلسطين هي نقطة التماس بين تمام الحق وتمام الباطل.
ويمضي الكتاب :استُدعي الشقاقي للتحقيق أكثر من مرّة من قبل إسرائيل، وذلك في محاولة لتفكيك التنظيم قبل انتشاره، لكنه عام 1986 أدخل السجن وحكم عليه بتسع سنوات بتهمة حيازة سلاح وتأسيس تنظيم مُناهض لإسرائيل. إلا أن الشقاقي نضجت فكرة التنظيم لديه أُكثر داخل السجن، واستمر في تجنيد تنظيمه في الداخل والخارج، مُعتبرا أن الفرصة مواتية جدا لمواجهة إسرائيل.
وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1987 جُنّ جنون إسرائيل بعد هروب ستة أشخاص من حركة الجهاد الإسلامي من داخل سجن السرايا في غزة، إلا أن إسرائيل تمكنت من الوصول إلى المجموعة التي تحصنت في منطقة الشجاعية وسط قطاع غزة، حيث حصلت مواجهة عنيفة بين الطرفين أدت إلى مقتل قائد الشرطة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، وعلى إثرها استُدعي الشقاقي مرة أخرى للتحقيق، حيث اعتبرت هذه الحادثة هي البداية الحقيقة لما عُرف لاحقا باسم الانتفاضة الفلسطينية.
في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 1987 اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى وسط قطاع غزة، وسرعان ما دحرج الجهاد الإسلامي صخرة الانتفاضة بتوجيهات من الشقاقي في الداخل، وفي 14 كانون الأول/ ديسمبر 1987 ظهرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” كتنظيم إسلامي له جولاته ضد إسرائيل.
قررت إسرائيل التخلص من خطر فتحي الشقاقي بإبعاده عن فلسطين عام 1988، إلا أن إبعاده كان خطأ إستراتيجيا في نظر الكاتب “رونين بيرغمان”، الذي قال إن “الخطر الذي أرادت إسرائيل تلافيه تضاعف بذهاب الشقاقي إلى لبنان التي كانت أرضا مناسبة للتمويل والتدريب على يد الحرس الثوري الإيراني”.
انتقل الشقاقي للعيش في دمشق، حيث رحّب به النظام السوري هناك، وغدت سوريا حليفا قويا للشقاقي وحركته، وقدمت له دعما باعتباره حليفا قويا وإستراتيجيا لها، حيث افتتح مكتبا له في مخيم اليرموك، واستمر في إدارة التنظيم بالطريقة ذاتها من العمل العسكري المُناهض لإسرائيل، لكن القضية الفلسطينية في تلك الفترة كانت على أبواب مرحلة جديدة عُرفت بـ”اتفاقية أوسلو”.
في 13 سبتمبر/أيلول 1993 وقعت منظمة التحرير الفلسطينية معاهدة سلام مع إسرائيل، لكنها ووجهت بمعارضة كبيرة من قبل العديد من المنظمات الفلسطينية التي وقعت على عريضة جمعت عشر فصائل فلسطينية عُرفت “بائتلاف الفصائل العشر” لمعارضة تسوية القضية الفلسطينية.
وقف الشقاقي في وجه أوسلو محاولا إفشالها بأيّ طريقة، حيث قامت حركة الجهاد بتنفيذ عدة عمليات ضد الاحتلال في محاولة للضغط على سلطة أوسلو وتثبيت المقاومة المسلحة نهجا لها، وذلك قبل المفاجأة الكبرى التي اُعلن عنها عام 1995 بعملية تفجير مزدوجة حصلت في نتانيا في الداخل الفلسطيني عام 1948، وقد عُرفت بعملية “بيت ليد الفدائية”، وقُتل فيها أكثر من عشرين جنديا إسرائيليا، فكانت أكبر عملية بعد أوسلو، لكنها الأخطر منذ تأسيس إسرائيل.
قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين بعد استدعاء رئيس الموساد “شبتاي شافيت” باغتيال الشقاقي فورا، وذلك بعد أن وقع على ما يُعرف بـ”الورقة الحمراء” بلغة الموساد، والتي تعني قرارا بالاغتيال كما ذكر الكاتب “رونين بيرغمان”.
كُلفت وحدة “كيدون” الأمنية التابعة لجهاز الموساد بتنفيذ عملية الاغتيال، وهي وحدة العمليات المتخصصة بتنفيذ الاغتيالات الخارجية دون ترك أي أثر خلفها، وكان اقتراحها أن يكون تنفيذ الاغتيال في دمشق بتفجير سيارة الشقاقي أو دسّ السُمّ له، إلا أن رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أوري ساغي” عارض تنفيذ أي عملية في سوريا.
استطاع الموساد أن يُجنّد أحد عملائه الذين كانت مهمتهم رصد أنشطة الطلبة الفلسطينيين المنتمين لمنظمة التحرير الفلسطينية في قبرص ليجلبه إلى دمشق، ويصبح أحد المقربين الحاصلين على ثقة الشقاقي، إنه العميل “عبد القادر صالح” الذي زوّد الموساد بكافة تحركات الشقاقي، ابتداء بدمشق وإلى طهران ثم بيروت وأحيانا إلى طرابلس. وتعرّض الشقاقي حينها لمحاولة اغتيال لم يُفصح الموساد عن تفاصيلها، ولم يعرف الشقاقي نفسه أنه كان هدفا للعملاء من حوله
وجّه الرئيس الليبي معمر القذافي دعوة رسمية لوفد فلسطيني لزيارة طرابلس، جاء ذلك بعد أن قام القذافي بطرد 300 ألف لاجئ فلسطيني في ليبيا نحو الحدود المصرية الليبية، وكان الشقاقي على رأس هذا الوفد الذي ساهم في نهاية المطاف بإعادة الفلسطينيين إلى ليبيا بعد شهور طويلة من المعاناة.
وبسبب الحظر الجوي المفروض على ليبيا حينها، سافر الشقاقي من دمشق إلى مالطا، ثم ركب البحر إلى ليبيا فمكث فيها ثلاثة أسابيع للقاء القذافي الذي كانت تجمعه علاقة صداقة معه، وفي طريق العودة قرر الشقاقي أن يعود بالطريقة ذاتها، بعد تحذيرات وتنبيهات من أصدقائه بعدم الرجوع إلى مالطا باعتبارها مكانا مفتوحا ومكانا نشطا أيضا للموساد الإسرائيلي هناك، إلا أنه لم يكن لديه خيار آخر
في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1995 كان اليوم الموعود، حيث وصل الشقاقي إلى مالطا وعيون الموساد تملأ المكان، إلا أنهم عرفوه بصعوبة لأنه كان يحمل جواز سفر ليبي باسم مستعار هو إبراهيم الشاويش.
من الفندق الذي حجزه للمبيت فيه قبل الانطلاق إلى دمشق في اليوم التالي، ذهب لشراء تذكرة طيران، وفي طريق العودة كان عميلا الموساد الإسرائيلي بانتظار الشقاقي على دراجة نارية، حيث قاما بإطلاق النيران عليه من مسافة قريبة جدا أردته شهيدا بخمس رصاصات في الرأس، ولاذا هما بالفرار على متن غواصة إسرائيلية كانت بانتظارهم للذهاب إلى إسرائيل.
وقال مسؤول الطب الشرعي في الشرطة المالطية “أنطوني بيلا” بأنهم لا يستبعدون دور المخابرات السرية الليبية بتقديم تسهيلات ومعلومات تفصيلية عن الشقاقي ومكان إقامته وجواز سفره المُستعار، وأضاف بالقول “المعلومات تفيد بأن علاقة الشقاقي في تلك الفترة كانت متوترة مع القذافي”. كما قال السياسي الليبي أسامة كعبار إن القذافي يمتلك نفوذا قويا جدا في مالطا، ويعتبرها كثيرون امتدادا لليبيا، وعليه فمن غير المستبعد أن تكون للقذافي يد في ذلك