https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

تأليف: جيمس أوجيلفي وبيتر شوارتز ،  2000 عرض وتقديم: د. محمد وقيع الله
يطرح هذا الكتاب في جوهره ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الصين في حدود عام 2022 وذلك استنادا إلى معرفة معمقة بتاريخ الصين القديم والحديث وتطورات الحاضر وقدرة مدهشة على رصد المؤشرات المستقبلية. ومؤلفا الكتاب هما جيمس أوجيلفي وبيتر شوارتز،

(بالاشتراك مع جوفلور) وهما يتميزان بأنهما لا يصدران من منطلقات أكاديمية وإنما من قلب تضاريس البحث الميداني والبحث عن الأفكار العملية من خلال تعاملهما مع الشركات والوكالات والهيئات المعنية بالصين، ومن هنا أهمية ما يقدمانه والذي يشكل ثمرة عدة عقود من البحث والمتابعة الدقيقتين. منذ لقاء هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي بماوتس تونج وشو إين لاي في بكين في 1972 أصبحت الصين تنفتح بزاوية تنفرج باستمرار على العالم أجمع، وخاصة على العالم الأمريكي، مركز القوة السياسية والتكنولوجية الأهم في العالم. وعقب موت ماو وازاحة عصابة الأربعة عن السلطة، وزجها في السجن ازداد انفراج زاوية الاطلالة الصينية على العالم. ومن يوم أن استبد دنج شياوبينج بالسلطة فقد توطدت سياسة الاصلاح الاقتصادي والانفتاح الخارجي وأصبحت الدراسات الصينية من أروج دراسات العلوم السياسية في أمريكا، وان كانت الدراسات الأولى تعد خطيرة ومشبعة بنكهة أيديولوجية عدائية صارخة، الا ان خط تلك الدراسات أصبح بضغط من مدرسة فيربانك الحضارية الرصينة يعتدل أكثر وأكثر، وينجح نحو الموضوعية. وعندما أصبحت الصين تلوح كقطر يزداد قوة وثروة مع كل عام جديد، ويفرض نفسه في مدارات السياسة العالمية، فقد أصبح على الدارسين الأمريكيين أن يتعاملوا مع تلك التطورات بمنتهى الجدية، لا سيما وان الأمر أصبح يتطلب مراقبة نمو الصين الاقتصادي والعسكري مراقبة وثيقة واعداد دراسات متوالية عنه والتنبؤ قدر الامكان بمستقبله.
تسابق الشركات
لقد انقلبت الادوار، اخيرا، على هؤلاء الباحثين واصبح عليهم ان يتعاملوا مع الوجه الجديد للظاهرة. كانت الصين هي الحريصة على فتح ابوابها في وجه الغرب، ودوافعها الى ذلك الحرص كانت اقتصادية الى حد بعيد، اما الولايات المتحدة فلم تكن اقل حرصا ان لم تكن اشد على الانفتاح على الصين، لكن دوافعها كانت سياسية في المقام الأول. هدف الصين كان تحديث الاقتصاد والتكنولوجيا. اما هدف الولايات المتحدة فكان يتخلص في ابعاد الصين اكثر عن الاتحاد السوفييتي خلال سنوات الحرب الباردة. ثم دارت سنوات ربع القرن الماضي فاذا اهداف الولايات المتحدة تنقلب تماما لتصبح اقتصادية الطابع، بعد ان فقدت قضايا الاستراتيجية القديمة اهميتها. الان اصبحت الشركات متعددة الجنسيات وعابرة للقارات، وهي شركات امريكية في الاصل وذات نفوذ مهول في اروقة السياسة في واشنطن، اصبحت تلك الشركات هي التي تصوغ سياسة امريكا تجاه الصين. نعم لقد تركت تلك الشركات للحكومة الامريكية، في الكونجرس، والبيت الابيض، ووزارة الخارجية، حق الحديث الممجوج والمكرور دوريا عن حقوق انسان الصين وعن حاجة الصين الى ان تخطو بخطوات اسرع في سبيل الديمقراطية.. الخ لكن جوهر سياسة امريكا تجاه الصين اصبحت اقتصادية، تصوغها وتتبناها وتدفع بها الى حيز التنفيذ تلك الشركات الامريكية العملاقة التي تستثمر في الصين. ويجيء هذا الكتاب الذي نتعرض له هنا والذي صدر قبل اسابيع في وقته تماما ليكشف صراحة عن ارتباط تلك الشركات حتميا بالصين. وهو يقدم لها خدمات الرصد والدراسة المستفيضة والتحليل العميق والاستكشاف الشفاف ورسم السيناريوهات المستقبلية المحتملة لما ستمضي اليه الامور في الصين. مؤلفا هذا الكتاب هما جيمس اوجيلفي وبيتر شوارتز (بالاشتراك مع جو فلور) وهما ليسا اكاديميين من ارباب النظريات وتشقيق المعلومات، وانما هما مستشاران معتمدان لاعطاء الافكار العملية لتلك الشركات العملاقة، وقد عملا لمدة عشرين عاما يخططان السيناريوهات المستقبلية المحتملة لشركات شأن (رويال، دتش، وشل، وايه تي اند تي، وموتورولا، وآي. بي. ام، واركو، وزيروكس، ووكالة المخابرات المركزية الامريكية، وشركات ووكالات اخرى اقل حجما) . وكل شركة او وكالة قامت على انفراد بتكليف المؤلفين بافادتها بتصويرها لمستقبل الصين، وهكذا فمن خلال اعداد دراسات من مراحل مختلفة، حسب طلب تلك الشركات والمؤسسات توفرت للمؤلفين على مر الاعوام مادة خصبة، ورؤية نافذة لما يدور في الصين، ولما قد يتمخص عما يدور هناك.


ثلاثة سيناريوهات
يقدم الكتاب ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الصين في حدود 2022، وقد استعان المؤلفان بمعرفتهما العميقة بتاريخ الصين البعيد والقريب وبمجريات الحاضر وبحس مستقبلي مرهف فوقيا بتلك الميزات بمعظـم مطالب البحث في هذه الشئون، وبرسالة هذا الكتاب التي هي مزيج من العلم والفن. وبناء على ما افضى به المؤلفان من استشارات لتلك الشركات والمؤسسات، فقد اقدمت على استثمار ملايين الدولارات في الصين. اسلوب الكتاب بسيط ومباشر، وينبئ، عن صدق تلك المقولة، التي تقرر ان الانسان كلما كان متمكنا من موضوعه جيدا، تملك ناصيته، وعبر عنه بسهولة ويسر، وفي اقصر سياق ممكن. ولا غرو فقد استعان مؤلفا الكتاب بكل المؤلفين الكبار الذين تخصصوا في دراسة شئون الصين المختلفة، وامتصا خبرات اولئك الاختصاصيين الكبار لمصلحة هذا البحث البراجماتي، الذي لم يوضع للاختصاصيين ولا للاكاديميين، وانما لرجال الاعمال الكبار. واذا كنا قد دأبنا على تشجيع كبار رجال الاعمال العرب، على التفكير في استثمار اموالهم في الصين، بسبب ضخامة العائد من هناك، وبسبب المستقبل الواعد لاسواق الصين، فإن في استعراض هذا الكتاب دعما جديدا لتلك الدعوة، بمنطق امريكي مبذول لكبار رجال الاعمال هناك فعسى ان يقنع من لايزال يحتاج الى اقتناع من رجالات الاعمال العرب، وكل من يشك في ان المستقبل للصين. ولكن لماذا تعتبر الصين هي قصة العالم الكبرى؟ الواقع انه بغض النظر عما انتهى اليه القرن الماضي، على صعيد تحطيم الدول ونشوء دول اخرى، وتحطم الايديولوجيات وازدهار غيرها، الا ان المؤرخين المستقبليين ترنو انظارهم الى اتجاه اقليم معين، يرون فيه كل تباشير المستقبل المزدهر، الا وهو الاقليم الآسيوي، وحاضرته الكبرى الصين، الموعودة باكبر نصيب ـ فيما يبدو ـ من ذلك الازدهار، الذي ربما قادها الى ما يشبه مجدها الغابر، يوم كانت ترى في نفسها الدنيا بأسرها ولا ترى للآخرين وجودا يذكر في حيز الاكوان. غدا يصبح الاسم الاكبر في هذه الدنيا هو اسم الصين، ذلك ان خمس سكان الدنيا يسكنون هناك، وهؤلاء يكونون 1.2 مليار فرد، كلهم الا هامشا محدودا منهم لا يذكر، افراد عمليون الفوا خشونة العمل الشاق المنتج. وبلادهم غنية بكل المصادر الطبيعية، ذات القيمة الفائقة. ولحسن حظهم فقد خلا قطرهم الان من كل الكوابح والعوائق التي عرقلت استفادتهم من كل تلك المصادر الغنية فيما مضى، فقد انحسرت الان ظلال الايديولوجيا الشيوعية المتطرفة، وكذلك انتهت عهود امراء الحرب، وعهود الاقطاع، وجميع العقبات التاريخية الاخرى. وحسب تقارير البنك الدولي فإن نحو 170 مليون صيني قد انعتقوا من اسار الفقر خلال العشرين سنة الماضية، وهذا اكبر رقم لمجموعة بشرية تتحرر من ربقة الفقر خلال اي فترة اخرى من تاريخ الانسان، وهكذا فقد استيقظت الصين اخيرا من تهاويل الكرى والكوابيس المزعجة، وهذه مجرد علامات اليقظة، وربما الانتفاض، فكيف بالسير الحثيث او القفز الاعظم الى الامام او الانقضاض؟ وباستخدام مقاييس متنوعة للقوة الشرائية يتبين لنا ان الصين قد اصبحت الان اما القوة الثانية في العالم، او الثالثة على اسوأ تقدير وذلك على الرغم من ان المواطن الصيني لا ينال من كدحه ذاك اكثر من 530 دولارا في العام (بالمتوسط) اي ما يوازي مستوى الدخل السنوي للمواطن في اريتريا او زيمبابوي. او ما يعادل ثٌمن متوسط الدخل السنوي للمواطن في المكسيك ولكن كثيرا من الاقتصاديين يعتقدون ان معدل الدخل السنوي الفردي في الصين، يمكن ان يتضاعف مرتين او ثلاث او خمس مرات او ربما اكثر، خلال العشرين عاما المقبلة. وبالطبع فإن المعدل الحالي كان قد تضاعف ست مرات خلال العشرين عاما الماضية، واذا كان ذلك قد تم على الرغم من الظروف السيئة نسبيا، فماذا يمنع من حدوث ذلك في المستقبل، في ظل تحسن مطرد لكل الظروف والمعطيات.


عواقب النجاح والفشل
ان نجاح هذه الطموحات والمجهودات النهضوية الجبارة او فشلها لن يؤثر على الصين وحدها، وانما على كل فرد في انحاء المعمورة، بصورة يصعب تقديرها وحسابها، ولو في خلال ظرف وجيز لا يتعدى العشر سنوات. وخذ فيما يلي مثالا بسيطا على ما نقول. يوم تمتلك كل اسرة في الصين ثلاجة كهربائية، وسيارة، او دراجة نارية وجهاز تلفزيون، وفرن ميكروويف، فإن اسعار الطعام والطاقة عبر العالم ستشهد ارتفاعا واضحا، وسيؤثر ذلك النجاح الصيني سلبا على الوضع البيئي العالمي خاصة على طبقات الاوزون التي ستصيبها ثقوب وعطوب كثر. اما اذا فشلت الصين في تحقيق استقرارها ونهضتها، فإن ذلك سينعكس ايضا وبصورة فظيعة ومريعة على بقية العالم. فالصين ليست كبقية الاقطار الفقيرة التي تعاني من حالة اللا استقرار وانها قطر يملك ترسانة من الاسلحة النووية، ولها مخزون غير معروف القدر من الاسلحة الكيميائية، والبيولوجية. ويوم تدخل الصين في دورة تمزق. او حرب اهلية، وتفقد السيطرة على تلك الاسلحة المرعبة فإن ذلك سيكون يوم وبال على الانسانية بأسرها. ان المحللين السياسيين المتشائمين يرسمون صورا قاتمة للمحيط الهادي، يوم تنهض الصين، وتشتبك في صراع عسكري مع الهند طلبا لتحديد من هو الاقوى ومن هو السيد المطاع في جنوب اسيا ويوم تشتبك في حرب مع اليابان تصفية لحساباتهما التاريخية معها، ايام كانت اليابان تستبيح الصين، وتنهب خيراتها، وتقتل جموع الصينيين كأسراب الذباب، ويوم تشتبك في صراع او حرب مع فيتنام واندونيسيا حول ملكية الجزر النفطية، ويوم تصارع روسيا حتى تنتزع في منغوليا وسيبريا، والموانىء التي لا تزال الصين تعتقد انها جزء لا يتجزء من جغرافيتها.. كل هذه احتمالات واردة على الرغم من ان تاريخ الصين تاريخ سلمي ولا توجد سوالف تاريخية توسيعية للصين ولكنها قد تخوض حروبا مستقبلية مثل هذه ليس بإيحاء التوسع، وانما بتسويغات الحرب العادلة. هذا اذا ما تضاعفت اقدار القوة الصينية، اما اذا قدر للصين، ان تدخل مرحلة فوضى عارمة، فقد تتمزق ـ كما يتنبأ البعض ـ الى اربع دويلات معينة، وهنا لا يمكن التحكم في علاقات تلك الدويلات مع بعضها البعض، الامر الذي ستنجم عنه مآس ما عرف لها تاريخ الانسان من مثيل الفخامة ولا الروع.


تحول مع الثبات
لا يوجد كاتب جاد يعرف الصين جيدا يمكنه ان يتوقع ان تستمر الحال فيها على ما هي عليه الآن. فمستقبل الصين مفعم بالكثير المثير، فبالاضافة الى المعطيات له احساس فائق بأهمية، واهمية الصين، وان كان قلما يصرح بذلك فهو لا يرى من هو اولى منه بأت تلقى الى ايديه ازمة قيادة الدنيا بأسرها، وهو ساع قدما، ولو في صمت لانتزاع تلك الازمة لنفسه، ولكن ذلك الصمت لن يطول، وسيشهد مسرح الدنيا قريبا اماطة اللثام عن اضخم اوبرا ـ يجري تمثيلها في التاريخ. سينحسر الستار قريبا عن مشاهد تلك الاوبرا، ولن يغنى عنا يومها صممنا، ولا فإن اصوات الصين ستبعث وحركتها ستهز الدنيا سواء افتحنا آذاننا لنسمع، وعيوننا لنرى، ام لم نفعل ذلك على الاطلاق! وكلنا يجب ان نصيح عقلاء ونحاول ان نفهم الصين، ويجب ان نفهمها كما هي، لا كما تريد نحن ويجب ان نحسن ونحود فهمنا لها كل يوم فالصين ظاهرة معقدة، بل شديد التعقيد، تحتاج الى صبر في الغوص، والتأمل ولا يجدي في فهمها جنوحنا نحو التنميط، والدمغ بتصوراتنا السطحية عن الظواهر الغربية او العصبية على التطويع، فالصين ظاهرة من اغرب ظواهر الدنيا، وكلنا لا نريد ان نعترف لها بذلك، كبرياء منا، وتعنتا بغير الحق . ان نظرة عميقة في فحص التاريخ الصيني، كفيلة بإقناع اي دارس حصيف منصف، بأن الصين لا تلق ابدا عن ان تتخذ وجها ملغزا، مثيرا لاقصى درجات الاستغراب، ولكن الصين مع تلك التحولات كلها لا تكف ابدا ان تكون هي الصين نفسها فهي لا تريد ان تكون مثل اوروبا ولا مثل امريكا ولا مثل اي شيء آخر غير الصين نفسها وحسب. ان معرفة مستقبل الصين سيصبح عما قريب فرضا لازما، لاسيما بالنسبة للأمريكيين، سواء ممن يحاول ان يستثمر امواله هناك، او من يقوم على امر السياسة العليا كرجال الكونجرس والمخابرات المركزية، او من يقومون على امر التخطيط العسكري، او من يريدون ان يبيعوا بضائع في الصين ولو مثل اولئك الفلاحين الاذكياء الذين بدأوا منذ الآن في زراعة اشجار التفاح بغية ان يبيعوا انتاجها بعد سنين في الصين، او لو كانوا من قبيل المستهلكين العاديين، اذ ان اكثر السلع رخصا في الاسواق الامريكية الآن هي تلك الآتية من الصين. ولكن كيف يمكن ان نتعرف على مستقبل الصين؟ او كيف يمكن أن نستشرفه؟! هذا هو السؤال الاكثر صعوبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة + تسعة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube