https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

..

اعلنت إيران والصين، يوم السبت، 27 مارس/آذار 2021، “وثيقة برنامج التعاون الشامل بين إيران والصين لـ25 عامًا”، وتزامن ذلك مع استمرار التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأميركية وفشل الجهود الرامية لإحياء الاتفاق النووي الذي وقَّعته إيران مع مجموعة (5+1)، في 2015، وانسحبت منه الإدارة الأميركية في عهد دونالد ترامب، عام 2018، فارضة مزيدًا من العقوبات الأميركية على إيران.

ووقَّع الوثيقة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، ونظيره الصيني، وانغ يي، في الذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسية بين طهران وبكين خلال زيارة لوزير الخارجية الصيني إلى طهران استمرت ليومين. وأشار ظريف في تغريدة له على تويتر إلى توقيع وثيقة خطة التعاون الشامل بين إيران والصين، وأضاف أنه تبادل بشكل جيد للغاية وجهات النظر مع نظيره الصيني حول توسيع التعاون الثنائي والإقليمي والعالمي في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين تكلل بتوقيع خارطة طريق استراتيجية تاريخية مدتها 25 عامًا .

وجاءت هذه الوثيقة ثمرة مباحثات على مستويات عدة منذ العام 2015 خلال زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى طهران، وتتضمن جوانب تعاون اقتصادية وسياسية وأمنية وعسكرية، وفق ما تشير إليه المعلومات المسربة حول الوثيقة.

ووفقًا للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، فهذا التوقيع يمثِّل مرحلة جديدة في العلاقات، وقد تقرر خلال زيارة بينغ أن تقوم طهران وبكين بـ”تعزيز العلاقات والوصول بها إلى المستوى الاستراتيجي والشامل”؛ حيث كان من “الضروري تنظيم العلاقات بأبعادها المتعددة في إطار وثيقة”.

وقد أثارت الوثيقة ردود فعل بعضها مرحِّب، وبعضها معارِض في الداخل الإيراني، وركزت الأصوات المعارضة على تسريبات تقول بأن الاتفاقية تعطي الصين جزرًا إيرانية وقواعد على الأراضي الإيرانية، وهو ما نفاه أكثر من مسؤول إيراني.

كما تعرضت لانتقادات من الإدارة الأميركية، ورَدَّ بايدن على سؤال أحد الصحفيين بشأن هل الرئيس الأميركي قلق من الشراكة بين الصين وإيران؟ قائلًا:لديَّ قلق تجاه الشراكة المتزايدة ” بين الصين وإيران منذ سنوات”. وفي ردِّه على تصريحات بايدن، قال أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني: إن التعاون الاستراتيجي مع الصين سيسرِّع وتيرة تراجع قوة الولايات المتحدة. وأشار شمخاني في تغريدة على تويتر إلى أن توقيع إيران على مذكرة التفاهم الاستراتيجية مع الصين جزء من استراتيجية بلاده للمقاومة

وفيمايلي  تحليل لاهم بنود هذه الوثيقة ، حسب ما نشرت في الصحافة العالمية ، علما ان كلا من ايران والصين لم تنشرا النص الرسمي.

لاتزال المعاهدة الاستراتيجية لـ25 عامًا بين إيران والصين والتي وصفتها صحيفة “جوان” ذات التوجه الأصولي بأنها “ميثاق الأسد والتنين”، محاطة بالكثير من الإبهام ولا توجد وثيقة رسمية نهائية توضح بنودها، وإن كان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية قد أعلن أنها قد وافقت على مسودة المعاهدة، ونشرت بعض المواقع الإيرانية ما أطلقت عليه مسودة المعاهدة، وهو ما سنتطرق إليه لاحقًا. وقد انقسمت الآراء داخل إيران بشأنها بين من يعتبرها خطوة استراتيجية مهمة، وبين من يبدي تخوفًا من أن تحمل في طياتها تفريطًا بالمصالح الوطنية الإيرانية، ومن هنا جرى استعادة التذكير باتفاقيات ألحقت بإيران خسائر كبيرة على غرار معاهدتي “جلستان” و”تركمنجاي”(1).

تتناول هذه الورقة ما يمكن أن تتركه هذه المعاهدة على العلاقات الإيرانية-الصينية، وتستعرض أبعاد النقاش الداخلي الإيراني بشأن الاتفاقية وما القراءات التي قُدِّمت بشأنها، مع بيان لمواقف المؤيدين والمعارضين وأسباب كل طرف، كما تستعرض أهم بنود مسودتها وفقًا لما نشرته تسريبات إيرانية.

تاريخ العلاقة: قديمًا وحديثًا

لا يمكن اعتبار العلاقات بين إيران والصين وليدة الدولة الحديثة، بل هي ضاربة في عمق التاريخ وكانت التجارة وتبادل الدعم السياسي والعسكري والمواجهة في بعض المراحل التاريخية علامات بارزة في هذه العلاقة.

ويعيد كتاب “تاريخ علاقات إيران والصين” لمؤلفه علاء الدين آذري(2) العلاقة إلى قرن وأكثر قبل الميلاد؛ حيث جرى أول اتصال بين الحكومتين عام 140 أو 141 قبل الميلاد. في هذا الوقت، حكمت سلالة هان الصين وحكم البارثيون (الأشكانيون) إيران. وكانت حكومة هان تتقدم في آسيا الوسطى، فيما استولى البارثيون على بلخ؛ وقاد التنافس إلى وقوع مواجهة عسكرية بين الطرفين بعد عدة سنوات. في عام 115 قبل الميلاد، أرسل الإمبراطور الصيني “وو دي” سفيرًا إلى بلاط مهرداد الثاني حاملًا عروضًا تجارية، بعضها يتعلق بالبحث عن سلالات من الخيول.

خلال فترة حكم البارثية، وحكم سلالة هان في الصين، توسعت العلاقات التجارية بين البلدين، وتبادل الجانبان السفراء والزوار، وتبادلا البضائع، وكان من أبرزها الحرير الصيني. ومرَّ الطريق التجاري لهذه السلعة من الصين إلى أوروبا عبر إيران وذلك قبل مرور طريق الحرير بشكله الذي عُرف لاحقًا.

خلال فترة حكم الساسانيين، شهدت العلاقات بين البلدين مراحل صعود وهبوط؛ فقد احتكر الإيرانيون تجارة الحرير مما تسبب في استياء كبير لدى الصين قادها إلى التحالف مع أعداء إيران من الروم والخزر. ومع الفتح الإسلامي لإيران، سعى الساسانيون إلى طلب مساعدة الإمبراطور الصيني، ولاحقًا لجأت مجموعة من السلالة الساسانية إلى البلاط الصيني، ثم لعبت إيران دورًا مهمًّا في العلاقات بين الخلافة الإسلامية والإمبراطورية الصينية.

جرى توقيع أول معاهدة تعاون معاصرة بين حكومتي إيران والصين في روما، عاصمة إيطاليا، وبين سفراء البلدين في يونيو/حزيران 1920، ووقَّع معاهدة النقاط السبع -الأساس لتبادل الممثلين السياسيين والقنصليين بين البلدين وإقامة السفارات والقنصليات على أراضي كل طرف- نيابة عن الحكومة القاجارية ميرزا إسحاق خان، مفخم الدولة، وزير حكومة إيران في روما، ومثَّل الصين فان كوان كي، وزير حكومة الصين في روما. وكان المجلس الوطني في حالة تعليق حينها، وتمت المصادقة على المعاهدة عام 1921 عندما انعقد المجلس. ومن اللافت أن المعترضين على المعاهدة تحدثوا عمَّا سوف يُلحقه استيراد البضائع الصينية (السلع الزخرفية) من خسائر للتجار الإيرانيين، وأنها ستشكِّل عبئًا على الدولة ومساسًا بالمصالح الوطنية(3).

وقبل الثورة الإسلامية، لم تكن هناك أرضية مواتية لإقامة وتوسيع العلاقات بين طهران وبيجين بسبب التوجهات السياسة الخارجية لكل دولة. وانعكست تأثيرات ثنائية القطبية في النظام الدولي على البنى والهياكل الإقليمية، وبالتالي على السياسة الخارجية للدول، ووقفت إيران، كحليف للغرب ضد الكتلة الشرقية وأعضائها، بما في ذلك الصين، ودخلت ضمن تحالف استراتيجي تحت راية الولايات المتحدة. وعلى مدى 22 عامًا (منذ 1949-1971) لم تعترف إيران بجمهورية الصين الشعبية وحافظت على علاقاتها السياسية مع تايوان. ومع مطلع السبعينات وتبعًا للسياسات الأميركية و(دبلوماسية كرة الطاولة)، اتجهت إيران لتحسين علاقاتها مع الصين. وبعد زيارة نيكسون الشهيرة إلى الصين، عام 1972، وتبدُّل الموقف الصيني من الاتحاد السوفيتي، بدأت العلاقات الإيرانية-الصينية بالاتساع وأخذ ذلك أبعادًا تجارية واضحة.

وفي العام 1979، وبينما كانت الصين تتجه نحو سياسة الباب المفتوح وتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، حدثت الثورة الإسلامية في إيران؛ وهو ما أثَّر بصورة كبيرة على العلاقات بين إيران والصين، خاصة أن العلاقة بين إيران والولايات المتحدة اتجهت بتسارع كبير نحو العداء، وبدا واضحًا أن كل طرف يسير باتجاه معاكس للآخر(4).

خلال الحرب العراقية-الإيرانية أعلنت الصين الحياد، لكنها كانت تبيع الأسلحة للطرفين، وبلغ إجمالي صادرات الصين من الأسلحة إلى إيران خلال السنوات الثمانية للحرب مليارًا و843 ألف دولار. وفي الوقت نفسه، باعت الصين أسلحة تزيد قيمتها عن 5 مليارات دولار للعراق، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مبيعات إيران.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ومع مطلع العام 1991، مارس العالم الغربي مزيدًا من الضغوط الاقتصادية والتجارية على الصين، وأسهم الموقف من الغرب في تقوية العلاقات بين الصين وإيران ووقَّع الطرفان عددًا من اتفاقيات التعاون عام 1996(5).

ويمكن القول: إن العامل الأميركي بعد انتصار الثورة الإسلامية شكَّل على الدوام عائقًا أمام تحسين العلاقات الإيرانية مع الصين. وكان ملف إيران ملفًّا محوريًّا في علاقات واشنطن وبيجين، خاصة مع تزايد اعتماد الصين على شراء منتجات الطاقة من إيران. ومع عودة الملف النووي الإيراني إلى الواجهة منذ العام 2003، تعاظمت الضغوط الأميركية على هذا الصعيد سعيًا لجعل الصين منخرطة في مواجهة إيران، ولعب حجم التبادل التجاري الضخم للصين مع الولايات المتحدة الأميركية (يبلغ نحو 648.2 مليار دولار) دورًا كبيرًا في ذلك. وكانت الصين من مؤيدي تحويل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن. وقد صوَّتت كل من الصين وروسيا لصالح قرارات مجلس الأمن ضد برنامج إيران النووي، على الرغم من المحاولات العرضية لتخفيف لهجة القرارات.

وانخرطت الصين في مفاوضات 5+1 مع إيران، وهي المفاوضات التي نتج عنها الاتفاق النووي، عام 2015، وما زالت الصين تدعم الاتفاق، لكنها لم تستطع مقاومة الضغوط الأميركية بشأن العقوبات، وانسحبت شركة الصين الوطنية على غرار شركة توتال الفرنسية من الاستثمار في سوق الطاقة الإيرانية، ضمن مشروع ضخم بمليارات الدولارات.

واليوم تعوِّل إيران كثيرًا على موقف الصين خاصة مع معارضتها لمساعي واشنطن فيما يتعلق بحظر تصدير السلاح، وهو الموقف الذي اتضح عندما رفضت مع روسيا دعوة الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي إلى تمديد حظر تصدير الأسلحة إلى إيران الذي ينتهي خلال بضعة أشهر.

حاليًّا، يأتي الحديث عن توقيع الاتفاقية الاستراتيجية بين إيران والصين في فترة تشهد فيها علاقات كلا البلدين مع واشنطن توترًا ملحوظًا، وفي وقت تعاني فيه إيران من سطوة العقوبات وتعثر الاتفاق النووي فيما طموحات الصين ومشروعها الاستراتيجي “الحزام والطريق” يهيئان أرضية صلبة لتعاون البلدين.

إثارة مسألة الاتفاقية على طريقة أحمدي نجاد

منتهجًا أسلوبه في “الكشف والفضح”، فتح الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، ملف الاتفاقية مع الصین، واضعًا الحكومة في مرمى هجوم قال فيه: إن برنامج التعاون بين إيران والصين اتفاق “سري” يجري التخطيط له “بعيدًا عن أعين الشعب”، متوعدًا بأن “أي اتفاق سري -ودون مراعاة إرادة الشعب الإيراني- يجري مع أطراف خارجية وضد مصالح الدولة هو أمر خاطئ ولن يعترف به الشعب الإيراني”. ولم يكن لحديث أحمدي نجاد أمام حشد من المواطنين في غيلان شمال إيران، أن يمر مرور الكرام؛ فقد انتقل النقاش بشأن المعاهدة التي لم تر النور بعد إلى الإعلام والمحافل السياسية داخل إيران وخارجها.

ويبدو أن حديث أحمدي نجاد قد أجبر الحكومة على الرد؛ حيث قال علي ربيع، المتحدث باسم الحكومة، في مؤتمر صحفي في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران 2020: إن مسودة خطة للتعاون لمدة 25 عامًا بين إيران والصين جرت الموافقة عليها في اجتماع لمجلس الوزراء.

وأشار محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني، في حديث تليفزيوني إلى أبعاد متعددة بشأن الاتفاق، وتناول بعض القضايا التي أُثيرت بشأنه في وسائل الإعلام والفضاء الإلكتروني، وقال واعظي: إنه في مرحلة ما، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين 50 مليار دولار سنويًّا، وخلال زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى طهران في 2016، جرت محادثات تناولت الجوانب الاقتصادية والقضايا الإقليمية والعلاقات الثقافية بين البلدين، وكان من الواضح لكلا البلدين أن العلاقات وصلت إلى نقطة تمكنهما من العمل معًا كشريكين مستقبليين، وخلال المؤتمر الصحفي لتلك الزيارة أعلن الرئيسان، الإيراني والصيني، عن بيان مشترك تضمن العمل على وثيقة ترتب مستقبل العلاقة ضمن رؤية استراتيجية للعلاقات بين البلدين في مختلف المجالات. ويمكن تلخيص مجموعة من النقاط التي تضمنها حديث واعظي في التالي:

    قد يتم الانتهاء من نص وثيقة التعاون الإيراني-الصيني مع نهاية العام الإيراني الحالي (وينتهي في مارس/آذار 2021).

    تم وضع إطار للاتفاقية الإيرانية-الصينية، ولكنها لم تصل إلى مستوى الاتفاق النهائي بعد.

    في الوثيقة الإيرانية-الصينية، جرى رسم خارطة طريق للتعاون ولم تدخل في أية مرحلة تنفيذية.

    موضوع بيع النفط المخفض والحصري للصين ليس في نص الوثيقة.

    هناك شائعات كثيرة قيلت بشأن الاتفاق لا تعدو أن تكون أوهامًا مثل وضع جزيرة كيش تحت تصرف الصين.

    إذا تضمنت وثيقة التعاون بين إيران والصين بنودًا ملزمة، فسوف تذهب بالتأكيد إلى مجلس الشورى للمصادقة عليها.

    في حال لم تتضمن الوثيقة بنودًا ملزمة ستقوم الحكومة نفسها ببحث الاتفاقية لكن مع العودة أيضًا إلى مجلس الشورى.

    يعتمد نشر تفاصيل الاتفاق الإيراني-الصيني على ما إذا كان يتضمن بنودًا سرية وهذه السرية لا علاقة لها بمجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور ومؤسسات أخرى(6).

وقد سبق لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الإشارة إلى هذه الاتفاقية في تغريدة له في أغسطس/آب 2019.

ما تضمنه البيان المشترك عام 2016

وينفع لفهم أبعاد هذه الاتفاقية العودة إلى إعلان 2016 بين البلدين(7)؛ حيث إن الاتفاقية لن تخرج في بنودها عن هذا الإعلان، الذي يقول: يشهد الوضع الإقليمي والدولي تطورات عميقة ومعقدة. وتؤكد الصين، على سياسة التعاون مع الدول النامية في الشؤون والسعي لبذل جهد مشترك لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم. نظرًا للحاجة الحقيقية لتحسين العلاقات بين إيران والصين ضمن السياق الجديد، اتفق الجانبان على إقامة علاقات تقوم على “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” وتطوير التعاون الثنائي في المجالات التالية:

في المجال السياسي

    يعتقد الطرفان أنه في حالة اتسعت فيها عملية الاستقطاب في النظام الدولي وعولمة الاقتصاد، أصبحت العلاقات بين إيران والصين ذات أهمية استراتيجية ويعتبر كل منهما الأخرى شريكًا استراتيجيًّا مهمًّا، مما يعطي الأولوية لتطوير العلاقات بين الطرفين في سياستهما الخارجية. إن التنمية السليمة والمستقرة للعلاقات تخدم المصالح المشتركة للبلدين وتساعد في الحفاظ على السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم.

    من أجل تعزيز الخطاب السياسي لكبار المسؤولين حول القضايا ذات الاهتمام المشترك وتعزيز الثقة الاستراتيجية المتبادلة، يتفق الطرفان على إنشاء آلية للاجتماعات السنوية لوزراء الخارجية وكذلك اجتماعات دورية للمشاورات السياسية لنوابهم الإقليميين.

     يؤكد الطرفان على ضرورة توسيع التواصل بين الحكومات بصورة مركزية والتعاون ضمن إطار (الحكومات المحلية) والأحزاب والجماعات السياسية من أجل تبادل الخبرات وتعزيز التفاعل في جميع المجالات.

     مع التأكيد على الدور الفعال للهيئات التشريعية للبلدين في توسيع العلاقات وتنميتها، يدعم الجانبان زيادة التبادلات وزيادة التعاون البرلماني والهيئات التشريعية للبلدين على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات، وكذلك التشاور في المؤسسات الإقليمية وبين المؤسسات الدولية ذات الصلة، مثل تجمع البرلمانات الآسيوية والاتحاد البرلماني العالمي.

    يدعم الطرفان بقوة بعضهما البعض في القضايا المهمة المتعلقة بالمصالح الأساسية للبلدين، بما في ذلك الاستقلال والسيادة الوطنية والسلامة الإقليمية. ويدعم الجانب الإيراني بشدة وحدة الصين، ويدعم الجانب الصيني “خطة التنمية” للجانب الإيراني كما يدعم زيادة دور إيران في الشؤون الإقليمية والدولية.

في مجال التعاون التنفيذي

    بالنظر إلى الإرادة القوية للطرفين لتطوير العلاقات بين البلدين والنظر في تكامل القدرات الاقتصادية ووجود مجالات التعاون المختلفة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والصناعة والتكنولوجيا وغيرها من المجالات المشتركة، يتفق الطرفان على بدء مفاوضات لإبرام اتفاقية للتعاون لمدة 25 عامًا.

     يرحِّب الجانب الإيراني بمبادرة “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” و”طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين”، التي اقترحتها الصين، وتعظيم مزاياها واغتنام الفرصة لتوقيع وثائق مثل “مذكرة التفاهم بين حكومة إيران والصين بشأن الإنشاء المشترك لطريق الحرير والحزام الاقتصادي لطريق الحرير للقرن الحادي والعشرين” و”مذكرة تفاهم للتعاون في مجال القدرات الصناعية والمعدنية ورأس المال”، و”حركة النقل بين إيران والصين”. وسوف يوسعون التعاون والاستثمار المتبادل في مختلف المجالات مثل النقل والسكك الحديدية والموانئ والطاقة والتجارة والخدمات الصناعية.

    قام البلدان بتحسين تعاونهما الثنائي ومتعدد الأطراف في مجالات الطاقة الأحفورية والمتجددة، وأمن العرض والطلب، ونقل الوقود الأحفوري واستثمارات وتمويل الصين لمشاريع اقتصادية تنصبُّ على مشاريع صناعة الطاقة في إيران وسيقدم الجانب الإيراني التسهيلات والدعم الضروري في هذا الصدد.

    يعلن الطرفان اتفاقهما على تطوير التبادل الاستثماري والتجاري ويتفقان على “مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون الاستثماري بين جمهورية إيران الإسلامية وجمهورية الصين الشعبية”. ويشمل ذلك المناجم والنقل والاتصالات والفضاء والصناعات التحويلية وتطوير الموانئ وتحسين وتطوير شبكة السكك الحديدية والسكك الحديدية عالية السرعة والزراعة والموارد المائية وحماية البيئة والأمن الغذائي والتصحر وتحلية المياه والاستخدام السلمي للطاقة النووية والمتجددة والعمل معًا لتبادل الخبرات وتكنولوجيا تدريب القوى العاملة.

    يقدِّر الجانب الصيني مشاركة إيران “كعضو مؤسس” في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ويرغب الجانبان في تعزيز التعاون بينهما في المجالات ذات الصلة والعمل معًا من أجل التنمية والازدهار في المنطقة الآسيوية.

في المجال الإنساني والثقافي

    يتفق الطرفان على لعب دور قيادي في اللجنة الثقافية المشتركة للبلدين وتعزيز مستوى التعاون الثقافي، بالنظر إلى القواسم التاريخية والإمكانات الكبيرة للبلدين في المجال الإنساني. وفي هذا الصدد، سيتم تشجيع مواطني البلدين على السفر إلى الدولة الأخرى، وتعزيز التعاون في مجالات السياحة والصحة والشباب والرياضة، وتوسيع التبادلات الصحفية والدبلوماسية العامة، ويواصل البلدان المشاورات بشأن إنشاء المراكز الثقافية وتوفير التسهيلات اللازمة. من خلال تعزيز آلية التعاون القنصلي، ويؤكد الجانبان على ضرورة دعم وتوفير التسهيلات اللازمة لمواطني كل من البلدين في البلد المتبادل.

    يعمل الطرفان على زيادة تعاونهما في مجال التعليم العالي والجامعي، وتبادل الأساتذة والطلاب، والتعاون العلمي، ونقل التقنيات الجديدة، وتنفيذ المشاريع المشتركة.

في مجال القضاء- الدفاع- الأمن

    يعمل الطرفان على توسيع التعاون القضائي في جميع المجالات ومن خلال تبادل الوفود رفيعة المستوى والتعاون المتخصص، وكذلك الاتفاق على تبادل المجرمين، والمساعدة القضائية في المسائل الجنائية واتفاقيات المساعدة القضائية في الشؤون المدنية والتجارية، والاستشارات.

    يعتبر الطرفان الإرهاب والتطرف والحركات الانفصالية تهديدًا للمجتمع البشري والسلام والاستقرار العالميين، وفي الوقت الذي يؤكدان فيه على الحاجة إلى إرادة قوية وموحدة من المجتمع الدولي في مكافحة هذه الظواهر الشريرة الثلاثة، واستعدادهما لمناقشة السياسات يعلنان التعاون العملي في هذا الصدد.

    تعزيز الاتصالات والتعاون بين الطرفين في مجالات مكافحة الاتجار غير المشروع وتهريب السلع والاتجار بالمخدرات ومكافحة الجرائم الإلكترونية والجريمة المنظمة، مع دعم الآليات القائمة والنظر في إنشاء آليات جديدة مطلوبة، وتعزيز التعاون في رفع مستوى قوات إنفاذ القانون، بما في ذلك تدريب كوادر إنفاذ القانون.

    يعتبر الطرفان تعزيز العلاقات بين القوات المسلحة ووزارة الدفاع في البلدين أساسًا للاستقرار والأمن، ويؤكدان على زيادة تبادل الوفود والمشاورات والتنسيق على مختلف المستويات، ورفع مستوى التعاون بين القوات المسلحة من خلال آليات التعاون في مجال تدريب القوات وتعزيز مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والمعدات والتكنولوجيا.

في مجال الشؤون الإقليمية والدولية

    يؤكد الطرفان دعمهما لعملية تعدد الأقطاب في النظام الدولي ويعلنان استعدادهما لمواجهة التحديات العالمية وإيجاد عالم مليء بالسلام والاستقرار، ويجددان التزامهما بالمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، ولاسيما ضرورة احترام السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول. كما يعارض البلدان أي استخدام للقوة أو التهديد باستخدامها أو فرض عقوبات غير عادلة ضد دول أخرى، وكذلك جميع أشكال الإرهاب، ويؤكدان على أن حل النزاعات والقضايا الدولية المعقدة يكون من خلال الحوار والمفاوضات السياسية.

    يقدِّر الجانب الصيني دور إيران البنَّاء في مكافحة الإرهاب وصون السلام والاستقرار في المنطقة. يعتقد الجانبان أن السلام والاستقرار في المنطقة يصبان في المصلحة المشتركة للمجتمع الدولي ومستعدان لتعزيز المشاورات حول القضايا الإقليمية المهمة، بما في ذلك التطورات في سوريا واليمن وإنشاء منطقة خالية من الأسلحة، والنهوض بعملية حل القضايا الحادة من خلال المفاوضات السياسية ودعم مطالب دول المنطقة التي تسعى إلى نظام سياسي ومسار للتنمية وفقًا لظروفها، حتى يتسنى تحقيق الاستقرار المستدام والتنمية الاقتصادية المستمرة وتحقيق تقدم اجتماعي لدول هذه المنطقة. كما يدعم الطرفان سعي الشعب الفلسطيني لتحصيل حقوقه.

    تعزز الأطراف مشاوراتها في إطار المنظمات الإقليمية والدولية، وتعلق الصين أهمية كبيرة على نفوذ إيران كدولة رئيسة في المنطقة وتقدر دور إيران في الأنشطة ذات الصلة في إطار منظمة شنغهاي للتعاون وتدعم طلب إيران للعضوية الرسمية في هذه المنظمة.

    يرحب الجانبان بحقيقة أن P5 + 1 وإيران اتفقتا على “خطة عمل مشتركة شاملة” ويعتقدان أن هذا الاتفاق سيساعد على ضمان أن تكون الأنشطة النووية الإيرانية سلمية، مع تمتع إيران الكامل بحقها المشروع في الاستخدام السلمي للطاقة النووية بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. ويؤكد الطرفان من جديد أهمية تنفيذ جميع الأطراف المعنية لخطة العمل المشتركة الشاملة وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 بطريقة شاملة ومتوازنة، ويؤكدان على ضرورة التزام الأطراف الأخرى في تحديث مفاعل آراك للمياه الثقيلة.

ما زالت الصين تحتل مرتبة الشريك الاقتصادي رقم واحد بالنسبة لإيران، لكن العلاقات التجارية بين إيران والصين لم تبق محصنة من أثر العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وكذلك تأثيرات وباء كورونا، وبالعودة إلى الإحصاءات الرسمية الإيرانية، ووفقًا لما أعلنه رئيس غرفة التجارة الإيرانية الصينية، مجيد رضا حريري، فقد تراجع معدل التبادل التجاري بين إيران والصين في الشهور الأربعة الأولى من العام 2020 بنسبة 41%، وتراجعت نسبة الصادرات الإيرانية إلى الصين بنسبة 50%، فيما ارتفعت الصادرات الصينية إلى إيران بما نسبته 4-5، وأرجع سبب ذلك إلى سقوط أسعار النفط وتراجع الصادرات غير النفطية الإيرانية بحدود 50% بسبب تراجع الطلب.

– في عام 2014، بلغ إجمالي تجارة إيران مع الصين 52 مليار دولار، بينما تراجع في عام 2019 إلى 22 مليار دولار. ومع ذلك، فإن تلك الـ 52 مليار دولار شكَّلت 20٪ فقط من تجارة إيران مع العالم، لكن 22 مليار دولار في عام 2019 شكَّلت حوالي 30٪ من إجمالي تجارة إيران مع العالم. وهذا يعني أن حصة الجمهورية الإسلامية من كعكة التجارة العالمية تتناقص يومًا بعد يوم وأن عدد شركائها التجاريين بات محدود أيضًا. ونتيجة لذلك، ازداد حجم تجارتها مع الصين من إجمالي تجارتها الخارجية، على الرغم من انخفاض إجمالي حجم هذه التجارة.

– تظهر بيانات إدارة الجمارك الصينية أن واردات النفط الإيراني المعلنة في شهر مارس/آذار 2020 بلغت 115 مليون دولار فقط، بانخفاض 89% على أساس سنوي، وانخفض الطلب على النفط الإيراني المعاد تصديره عبر ماليزيا بشكل كبير أيضًا.

-بلغ حجم التبادل التجاري الإيراني مع أكبر شريك تجاري لها 3.94 مليارات دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020 ليسجل انخفاضًا بنسبة 30.4٪ مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2019. كما تظهر البيانات التي قدمتها الإدارة العامة للجمارك في جمهورية الصين الشعبية، أن إجمالي صادرات إيران إلى الصين بلغ 1.81 مليار دولار، مما يشير إلى انخفاض بنسبة 52.7٪ على أساس سنوي. في المقابل، صدَّرت الصين سلعًا بقيمة 2.13 مليار دولار إلى إيران خلال الفترة قيد الاستعراض، بزيادة بنسبة 15.9٪ على أساس سنوي.

– بلغت التجارة الثنائية في مارس/آذار 2020 ما قيمته 1.4 مليار دولار، وبلغت صادرات إيران إلى الصين 667.19 مليون دولار، بينما بلغت الواردات 736.69 مليون دولار.

– وفقًا لمعهد إنتربرايز الأميركي (American Enterprise Institute)، استثمرت الصين 26.92 مليار دولار في إيران في الفترة من 2005 إلى 2019. 

وتحدثت صحيفة اعتماد الإيرانية عن أن الصين ستستثمر 260 مليار دولار في قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات في إيران، وسيتم ضخ جزء كبير من هذا الاستثمار الصيني في صناعة النفط والغاز الإيرانية خلال السنوات الخمس الأولى من الاتفاقية التي تستمر 25 عامًا، وسيتم تنفيذ الباقي على مراحل وبالاتفاق بين الجانبين. ومن المقرر أن يستثمر الصينيون أيضًا 120 مليار دولار في اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة مع إيران لتطوير البنية التحتية للإنتاج والنقل في إيران، مع جزء كبير من هذا الاستثمار في السنوات الخمس الأولى والباقي على أساس دوري. وبحسب الاتفاقية، سيتم الاستثمار في قطاعي الصناعة والنقل في إيران ويمكن للصين أيضًا شراء جزء من منتجات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية بأسعار تفضيلية وخصومات على أساس متوسط سعر ستة أشهر. ووفقًا لتفاصيل الاتفاقية الجديدة التي تم التوصل إليها بين الطرفين، يمكن للصين دفع قيمة ما تم شراؤه من إيران خلال مدة أقصاها سنتان.

ووفقًا لمصادر عدة، ستستثمر الصين 280 مليار دولار في النفط والغاز والبتروكيماويات، و120 مليار دولار في النقل والتصنيع، خلال السنوات الخمس الأولى، وسيكون لديها الأفضلية للمزايدة على مشاريع الطاقة المتوقفة، التي تملأ ساحل الخليج، وسيتم منحها خصومات لشراء البترول ومنتجات البتروكيماويات بما يصل إلى 32 في المئة.

وأفردت وكالة تسنيم الإيرانية المقربة من الخط الأصولي مساحات واسعة للدفاع عن الاتفاقية مع الصين، واستهجنت تلك “الحساسية المفرطة” تجاه العلاقات الإيرانية-الصينية، خاصة وأن جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا لديها علاقات تجارية قوية مع الصين، بل إن علاقات إيران التجارية مع الصين أقل بكثير من دول في الإقليم مثل العربية السعودية التي تعد حليفًا للولايات المتحدة الأميركية. ويعتقدون أن مهاجمة الاتفاقية تأتي من باب أنها ستخفف من حدة تأثير العقوبات الأميركية على إيران، وبهدف عزل إيران ومحاصرتها. وفندت الوكالة ما ورد في تصريح أحمدي نجاد وحديثه عن “سرية” المعاهدة، مشيرة إلى أنها تأتي ضمن اعلان مشترك جرى نشره منذ العام 2016.

ووصفت وكالة تسنيم في تقريرٍ المواقفَ المعارضة للاتفاقية، بأنها لا تخرج عن دائرة النفاق والتبعية، ورصدت تغطية عدد من المواقع والصحف التي يُموَّل بعضها من قبل دول خليجية،، وقالت: إن المملكة العربية السعودية عززت علاقاتها الاقتصادية مع الصين بشكل ملحوظ منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي عام 2005 وحده، زادت تجارة المملكة العربية السعودية مع الصين بنحو 59 في المئة. في مايو/أيار 2019، نمت واردات الصين من النفط الخام السعودي بنسبة 43٪، وتأتي معظم واردات الصين من النفط من المملكة العربية السعودية، وفق ما يُظهره الرسم البياني التالي:

وتجاوز حجم التجارة بين المملكة العربية السعودية والصين في 2018 أكثر من 61 مليار دولار، في حين بلغ حجم التبادل التجاري لإيران مع الصين، التي تربطها علاقات سياسية أقوى، 52 مليار دولار. وبسبب العقوبات الأميركية ضد طهران كانت نسبة التبادل أقل بالنسبة لإيران وأعلى بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي تتعاون مع الصين في المجال العسكري أيضًا.

الاتفاقية القادمة: البنود المسربة

نشرت مواقع وصحف إيرانية ما قالت إنه بنود مسودة المعاهدة، وكان من أبرز ذلك ما نشره موقع “تابناك” التابع لمحسن رضائي، وقال الموقع: إن ما هو واضح من النسخة النهائية من نصِّ هذه الاتفاقية التي تم الإعلان عنها في يونيو/حزيران 2020 تحت عنوان “برنامج التعاون الشامل بين جمهورية الصين الشعبية وجمهورية إيران الإسلامية”، إذا تمت الموافقة عليه كما جاء في النسخ الفارسية والإنجليزية والصينية بنفس النص بالضبط، فإنه يتضمن أربع نقاط محورية تعالج بشكل كبير المخاوف من تبعات هذه الاتفاقية:

النقطة الأولى: وفقًا لهذه المسودة، ستقوم الصين في إيران بالاستثمار ونقل المعرفة في جميع القطاعات. وهذا المستوى من الاستثمار من قبل الصين، سيأتي في وقت تحجم الصين عن تحرير مبالغ من النقد الأجنبي بعشرات المليارات من الدولارات لصالح إيران، تفاديًا للعقوبات حتى في مجال صناعات النفط الإيرانية الضخمة، وإذا تم تطبيق هذا البند، فسيكون ذلك تغييرًا جوهريًّا في صالح إيران.

النقطة الثانية: فيما يتعلق بالجانب الإيراني، باستثناء الحوافز للاستثمار وبناء البنية التحتية من قبل الجانب الصيني والتعاون في إنشاء المجمعات الصناعية والتجارية ومجموعة من الإجراءات السياسية والأمنية والعسكرية المشتركة، لا توجد خدمات أو امتيازات خاصة مثل وضع جزء من الأراضي الإيرانية تحت تصرف الصين، ولا تمنح الاتفاقية امتيازات حصرية لتنفيذ هذه المشاريع. لذلك، فهذه الصيغة تتماشى إلى حدٍّ كبير مع مصالح إيران.

النقطة الثالثة: يأتي هذا العقد بشكل رئيس في شكل مذكرة تفاهم ولا يتضمن أرقامًا وأعدادًا، وتعكس وثيقة التعاون هذه استراتيجية طويلة الأمد للتعاون بين إيران والصين، وتتطلب كل فقرة من النص الأصلي أو المرفقات الثلاث تنفيذ اتفاقيات منفصلة، تحتوي على تفاصيل هذه الاتفاقية؛ لذلك، إذا كانت هناك حساسية، فيجب تكون بشأن العقود التي سيتم إبرامها لاحقًا بعد الموافقة على هذا العقد لتنفيذ الأجزاء المختلفة بين إيران والصين.

النقطة الرابعة: هذا العقد الذي مدته 25 سنة لا يوفر ضمانًا تنفيذيًّا لإيران أو الصين. لذلك، يجوز للأطراف عدم تنفيذ البنود المنصوص عليها في هذه الاتفاقية وملاحقها في أية مرحلة، ويمكن تعليق تنفيذها، ما لم يتم لاحقًا في نطاق كل بند من بنود عقود التعاون وضع ضمانات تنفيذية لها.

بنود الاتفاقية

وتحدث البند الأول عن الرؤية التي تحكم هذه الاتفاقية، وتتلخص في شراكة استراتيجية شاملة بين الصين وإيران، على أساس نهج مربح للجانبين في مجال العلاقات الإقليمية والدولية الثنائية.

أما البند الثاني، والذي يتعلق بمهمة هذه الاتفاقية، فقد حدد مجموعة من الأهداف التي سيعمل الطرفان معًا لتحقيقها، وهي:

    توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري.

    التفاعل الفعال بين وكالات القطاع العام والخاص والمناطق الحرة والخاصة.

    زيادة التأثير في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والسياحة.

    الشراكة الاستراتيجية في المجالات الاقتصادية المختلفة.

    توسيع التعاون بين الجامعات وأقسام التكنولوجيا والعلوم.

    المراجعة الفعالة والمستمرة للتعاون الاقتصادي المشترك للتغلب على العقبات والتحديات.

    دعم مواقف بعضهم البعض والتعاون في المحافل الدولية والمنظمات الإقليمية.

    تعزيز تطبيق القانون والتعاون الأمني في مختلف المجالات، بما في ذلك مكافحة الإرهاب.

    توسيع التعاون العسكري لتعزيز القدرات الدفاعية والاستراتيجية.

    التعاون في المجالات الأخرى.

مجالات التعاون

ويتحدث البند الرابع عن مجالات التعاون ويوضحها في الملحق (2)، وفي مقدمة هذه المجالات:

    الطاقة وتشمل النفط الخام (الإنتاج والنقل والتكرير وأمن الإمدادات) والبتروكيماويات والطاقة المتجددة والطاقة النووية المدنية.

    الطرق السريعة والسكك الحديدية والمفاصل البحرية لتعزيز دور إيران في مبادرة الحزام والطريق.

    التعاون المصرفي رفيع المستوى، مع التركيز على استخدام العملات الوطنية، ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والجريمة المنظمة.

    السياحة والعلوم الأكاديمية والتكنولوجيا وتبادل الخبرات في تدريب القوى العاملة للقضاء على الفقر وتحسين معيشة الناس في المناطق الأقل نموًّا.

ويتحدث البند الخامس عن التدابير التنفيذية، بناءً على المبادئ والمصالح المشتركة، ووفقًا لمبادئ التجارة بين المؤسسات الاقتصادية، سيوسع الطرفان تعاونهما الاستراتيجي الشامل في جميع المجالات من خلال تنفيذ التدابير المنصوص عليها في الملحق رقم 3 لهذه الوثيقة.

ويلخص البند السادس المراقبة والتطبيق لهذا الاتفاق ضمن النقاط التالية:

    لتنسيق ورصد تطبيق أحكام هذه الوثيقة، يجب على الأطراف إنشاء آلية تحت رعاية السلطات المختصة ومن خلال ممثلين عن القادة.

    في هذا الصدد، سيعقد ممثلون رفيعو المستوى اجتماعات سنوية، وإذا لزم الأمر، سيعقد المسؤولون المعنيون اجتماعات تشاورية مع نظرائهم.

    على وزارتي الخارجية في البلدين، بصفتهما مسؤولتين، بالتعاون مع الوزارات الأخرى، بما في ذلك وزارة التجارة الصينية ووزارة الاقتصاد والمالية الإيرانية، واجب مراقبة تنفيذ أحكام هذه الوثيقة وإبلاغ قادتها بالتقدم المحرز في الأوقات المناسبة.

وتضمن البند السابع حديثًا عن دعوة بلدان أخرى للمشاركة، وقال البند: نظرًا للمصالح المشتركة في مبادرة الحزام والطريق، يشجع الطرفان التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف من خلال برامج مشتركة في البلدان المجاورة أو البلدان الأخرى.

ويتحدث البند الثامن عن رفض الضغوط الخارجية، ودعمًا لمبدأ تعددية الأطراف، تحمي الأطراف تنفيذ أحكام هذه الوثيقة ومعارضة الضغط غير القانوني من قبل أطراف أخرى.

خلاصات ونتائج

    بالرغم من كل العقبات فإن علاقة إيران المتنامية مع الصين لها أهمية قصوى في مجمل المجالات السياسية والاقتصادية والدفاعية، ويمكن رؤية هذه الأهمية بوضوح على مدى سنوات عديدة.

    لدى إيران أسباب كثيرة تجعلها تسعى بشكل حثيث لمثل هذه الاتفاقية؛ فهي تعاني من العقوبات وانخفاض أسعار النفط، وتواجه فيروس كورونا، وتعرضت لسلسلة من الانفجارات الغامضة كان أخطرها في مفاعل نطنز المحوري في البرنامج النووي الإيراني، ومع رفعها لشعار “اقتصاد المقاومة” تحتاج إلى تعزيز آليات تماسكها أمام التصعيد الأميركي. والتسارع في تعزيز العلاقة مع الصين هو واحد من نتائج “سياسة الضغط الأقصى” التي انتهجها ترامب منذ انسحابه من الاتفاق النووي.

    للصين مكانة خاصة في السياسة الخارجية الإيرانية، لعدة أسباب، أولًا: الصين ليست عدوًا ولا تمثل تهديدًا عسكريًّا لإيران، وثانيًا: هذا البلد لديه علاقات طبيعية ومتنامية تزداد اتساعًا مع إيران. ثالثًا: الصين شريك اقتصادي مهم ومكمِّل اقتصادي لإيران. رابعًا: الصين قوة صاعدة كبيرة ومستقلة. خامسًا: الصين لديها منافسة جدية وطويلة الأمد نسبيًّا مع الولايات المتحدة(8).

    بالنسبة للصين فقد تكون هذه المعاهدة حلقة من حلقات كثيرة ضمن خطة لتمهيد الطريق لانتقال الصين من مرحلة التجارة إلى مرحلة السيادة، خاصة مع صعودها كقوة منافسة للولايات المتحدة الأميركية.

    هناك وجه مشترك فيما يتعلق بالاستراتيجية الصينية الإيرانية وهو العلاقة بين إيران والعراق وسوريا، تريد إيران أن تنسحب الولايات المتحدة من المنطقة وتضعف موقف إسرائيل، وتريد الصين الوصول بسهولة إلى مياه البحر الأبيض المتوسط. وقد كان تعزيز نفوذ إيران في هذين البلدين الشغل الشاغل لفيلق القدس وقائده السابق قاسم سليماني، وذلك بالسعي لتعزيز حضور إيران في ميناء طرطوس السوري، والسيطرة على معبر بوكمال الحدودي في محافظة دير الزور السورية ومعبر القائم في محافظة الأنبار العراقية. واليوم تمتلك حضورا بالغ الأهمية، تسعى لتوظيفه لتغيير الوضع السياسي والاقتصادي في إيران بعد أن قدمت ثمنا باهظا لتعزيز هذا النفوذ.

    يمكن بسهولة رؤية التحديات والقيود التي تعيق العلاقات بين طهران وبيجين وبالتالي تحتاج العلاقة إلى آليات لترتيب مسألة “الشراكة الاستراتيجية”، ومن الضروري رؤية الصين كحليف “بعيد المدى”، مع ملاحظة أن الصين إلى الآن ليست “حليفًا استراتيجيًّا” لإيران، وربما تكون هذه الاتفاقية هي واحدة من آليات إعطاء الصبغة الاستراتيجية للعلاقة ونقلها إلى مستوى التحالف.

    تحتاج إيران في علاقاتها على المستوى الاستراتيجي مع الصين إلى إطار شامل يغطي مختلف مجالات السياسة الاقتصادية والعسكرية والأمنية، وعدم الاقتصار على الاقتصاد فقط.

    في المقابل، ستجعل الاتفاقية  إيران حجر الزاوية الإقليمي في مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، والتي انضمت إليها دول المنطقة. ونظرة إلى الخريطة تعطينا فكرة واضحة عن الموقع الاستراتيجي لإيران، الممتد بين بحر قزوين والمحيط الهندي.

    صفقة إيران مع الصين لن تكون صفقة سهلة. فالحديث عن معاهدة طويلة الأمد سيكون له تبعاته. ونجاح ذلك مرهون بقدرة إيران على ضبط قائمة أولوياتها بشأن ما تريده من الصين مقابل ما سوف تقدمه لدولة قوية وطامحة ولمدة 25 عاما، وهو مشروط بمدى نجاح المعاهدة ليس فقط في تقديم حلول للمعضلات القائمة بل وقدرتها على استشراف حاجات إيران مستقبلا.

اعدت التحليل:فاطمة الصمادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × ثلاثة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube