المؤلف: أوري بن إليعازر يستعرض كتاب “الحروب الجديدة لإسرائيل” الحروب الأخيرة لتلك الدولة، وفي مقدمتها انتفاضة الأقصى التي يصنفها من الحروب الجديدة. ويحاول تفسير الأسباب التي أدت لاندلاع هذه الحروب وتوضيح طابعها، معتبرا أن هذه الحروب الموجهة -تحديدا- إلى الفلسطينيين نجحت في قتل اتفاق أوسلو، ونقلت إسرائيل من حالة السلام الممكن إلى وضعية الحرب الدائمة. ويبين المؤلف أوري بن إليعازر أن هدف إسرائيل من هذه الحروب يتمثل في إعادة الفلسطينيين إلى مرحلة ما قبل أوسلو خاضعين ومحكومين بالقوة الإسرائيلية، مشيرا إلى أن إسرائيل لا تُؤمن إلا بالحلول الأحادية الجانب. ويؤكد أن هذه الحروب اعتمدت على سطوة وطغيان قوة النيران، وعلى إسالة دماء كثيرة بصفوف المدنيين عن طريق كي وعيهم وترسيخ مقولة “إسرائيل تضرب ولا تُضرب” وأنها حروب “حرف الانتباه” عن التناقضات داخل إسرائيل وتوظيفها أداة في تسويق وفرض منطق الحرب. يتكون الكتاب من 13 فصلا، إضافة إلى المقدمة والخاتمة. فالمقدمة المعنونة بـ “المقاطعة ” تبين أن حصار المقاطعة ركز على “التصفية الرمزية” وهو نشاط سياسي يركز على إرضاء المشاعر أكثر من محاولة تحقيق المصالح، وأن تصفية عرفات كان هدفها إضعافه بشكل لا يعد فيه وكأنه ممثل المصالح الشرعية، وبالتالي يستحق الاحترام. مدارس وسمات في الفصل الأول بعنوان “الحروب الجديدة في عصر العولمة ” يتطرق المؤلف إلى الأدبيات الأكاديمية التي تناولت هذه الحروب فيقسمها لمدرستين، الأولى: متعلقة بالتطورات التكنولوجية التي أحدثت ثورة بالشؤون العسكرية. فـ”هذه الثورة لا تعبر عن القوة العسكرية ولم تعد متعلقة بعدد الجنود وروحهم القتالية، بل بالقدرات التكنولوجية الرفيعة للأسلحة التي يمتلكها وقدرة أسلحته التدميرية، وتُستخدم من مناطق بعيدة جدا أحيانا، لدرجة أن جبهات المعارك تختفي تدريجيا”. أما المدرسة الثانية فركزت على التغييرات الاجتماعية والسياسية التي حدثت بالعالم وأدت إلى تغيير طابع الحرب. هذه الأدبيات تتحدث عن صفات كثيرة للحروب الجديدة مثل: وصفها بأنها حروب ليست بين دول أو جيوش، رغم أنها تشارك فيها أحيانا، وفيها ينعدم ميزان القوى، ولا توجد فيها معركة حاسمة، بل انتشار لمراكز عنف، كما تتميز بإصابات كثيرة بصفوف المدنيين والبنية التحتية وتقع بمناطق مكتظة بالسكان. وتُفرض فيها أيضا عقوبات جماعية، وليس من السهل على الأطراف إنهاؤها، وقد لا يرغبون في إنهائها. كذلك يخترق المشاركون بهذه الحروب القوانين الدولية، كما لا يوجد تفسير واضح لها، وهي غير محددة الأهداف. وقد أصبحت أيضا مصطلحات مثل “النصر والهزيمة ” وحتى “الحسم” غير واضحة أو خاضعة لتحليلات مختلفة، فضلا عن أن سيرها تحدده وسائل الإعلام المحلية والدولية. وإضافة إلى كل ذلك، فإن القوى الدولية تشارك فيها أكثر من السابق، علاوة على مشاركة قوات جديدة فيها مثل الجيوش الخاصة والمليشيا وجيوش إقليمية وجيوش قبلية وحركات وطنية وتنظيمات سرية، ويشارك فيها كذلك مقاتلو حرب ومرتزقة وعصابات وإرهابيون ومنظمات الجريمة، وأمراء الحرب، وما شابه. الفصل الثاني يبين أن طبيعة الصراع بين العرب والفلسطينيين مع إسرائيل فرض على الأخيرة خلق ثقافة عسكرية أصبحت جزءا من الجهاز المؤسسي الواسع الذي يمكن تسميته بـ” الأمة المجندة” والقائلة بأن حل المشاكل السياسية لا يتم إلا بالقوة. أما الفصل الثالث فتطرق إلى النزاعات التي نشبت في إسرائيل حول هويتها الجماعية بين أنصار الهوية المدنية من جهة، وبين أنصار الهوية العسكرتارية والدينية من جهة أخرى. ” طبيعة الصراع بين العرب والفلسطينيين مع إسرائيل فرض على الأخيرة خلق ثقافة عسكرية أصبحت جزءا من الجهاز المؤسسي الواسع الذي يمكن تسميته بـ” الأمة المجندة” والقائلة بأن حل المشاكل السياسية لا يتم إلا بالقوة” هذه النزاعات “تحولت بعد أوسلو إلى خلاف حقيقي وصل إلى صراع دموي كان أبرز تجلياته اغتيال رابين”. هذا العنف أصبح مصدرا لا يمكن فهم الواقع الإسرائيلي بدونه، وبالتالي تم تنفيسه وتصديره عبر أساليب وطرق ضد الآخرين. الكي والوخز الفصل الرابع يخصصه الكاتب للحديث عن السياسة العسكرية للجيش الإسرائيلي، وفيه يتطرق إلى ميزات نظرية الحرب الجديدة لدى هذا الجيش، والمتمثلة في: 1- تلازم المواجهة مع وسائل سياسية، وأن يكون الجيش مشاركا في رسم السياسات. 2- الطرف الضعيف هو الذي يبدأ بالعنف لأنه المعني بتغيير الوضع القائم، الضعيف لديه خيار مكره على اتباعه، أما القوي فله خيارات كثيرة. 3- يتم الصراع على الوعي، فالمس المتواصل “بالعدو” إلى حين “كيه” وإيصاله لحالة الخطر والتراجع 4- إن الحروب الجديدة لا تندلع، بل تُصنع. كما أن استخدام القوة يؤثر على الوعي المستقبلي للآخر. الفصل الخامس يتطرق فيه إلى انتفاضة الأقصى ليبين أنها بدأت بمظاهرات تحولت لحرب جديدة، وأحد أسباب ذلك وجود نظام بنيوي في إسرائيل يمنح شرعية لاستخدام القوة لحل المشاكل السياسية. أما الفصل السادس المعنون بـ “من مظاهرات إلى حرب” فيبين أن إسرائيل بدأت بضرب كل مكونات المجتمع الفلسطيني واتباع سياسة التصفيات باعتبارها وقاية مبكرة، مبينا عدم وجود تطلع لحسم المعركة بسرعة، بل لاستمرارها كي ينكمش ويتراجع الفلسطينيون بواسطة القبضة الحديدية. الفصل السابع يعالج المقارنة ما بين محاربة أميركا لما تسميه الإرهاب العالمي ومحاربة إسرائيل للفلسطينيين. فالإسرائيليون استغلوا هجمات 11 سبتمبر ضد أميركا من أجل القول للعالم إن الحرب ضد الفلسطينيين مثلها مثل الحرب ضد تنظيم القاعدة. ويورد الكاتب رؤية وتفسير يعلون للانتصار بالحرب الجديدة وهي أنها “حرب مجتمع ضد مجتمع وعرق ضد عرق، علينا كبح جماح الفلسطينيين وإفهامهم أنهم بالعنف لن يهزمونا ولن يجبرونا على التراجع”. هذه الحروب “لا يأتي بعدها سلام، لأن السلام ليس سيناريو طبيعيا في الواقع الناشئ”. حرب “الجار” والرموز يتحدث الفصل الثامن عن عملية “السور الواقي” حيث استخدم الجيش الإسرائيلي خلال توغله بمخيم جنين وسائل مبتكرة، دلت على طابع الحرب الجديدة. إحدى هذه الوسائل ما يُعرف بـ”إجراء الجار” وهو أسلوب يقوم فيه الجيش باستخدام السكان المدنيين “حاجزا بشريا” لحماية جنوده من إطلاق النار أو العبوات. يقول الكاتب: في الحرب الرمزية “انتصر” الفلسطينيون ليس بفضل قدرتهم الدعائية أو أسلحتهم البسيطة، بل بسبب الصور البشعة الواردة من المخيم. وبالانتقال إلى الفصل التاسع، فإن المؤلف يستعرض الاحتجاجات الاجتماعية في حروب إسرائيل الأخيرة بسبب تجاوز الجيش كل الخطوط، ما أدى لاستحالة المحافظة على المواثيق الحقوقية الدولية، وبالتالي زيادة المطالب بتقديم رجال الجيش والسياسية في إسرائيل لمحاكم جرائم الحرب. أما الفصل العاشر فتمحور حول الرد الإسرائيلي على خارطة الطريق، فـ”تصفية إسرائيل لقيادات فلسطينية كبيرة مثل الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي دخلت في إطار الحرب الجديدة” وكانت كفيلة “بقبر” الخريطة وإنهائها. الفصل الـ11 خصص للجدار الفاصل. فـ”بعد سنوات من الحرب الجديدة، اتجهت اسرائيل نحو إعادة تموضع جديد للوضع المتعارف عليه بجهاز السيطرة متعدد الأبعاد: مناطق نائية وحدود، والذي سُمي بالفصل المربوط” وهو وضع يفرض فيه القوي مفهوم الفصل وشروطه، بما في ذلك مكانه ووقت تنفيذه. “يبين الكاتب أن سلاح الجو لم يحسم هذه الحروب، وأن المفاجأة كانت هي السلاح الأبرز في هذه الحروب ولم تكن في صالح إسرائيل كثيرا ليس لأنها غير مستعدة، بل لأنها خططت لهذه الحرب بطريقة غير مناسبة” ويوضح أن بناء الجدار، وبترسيم بعيد عن الخط الأخضر بقصد، كان جزءا من الحرب الجديدة، وليس وسيلة لإنهائها. الفصل الـ12 تطرق إلى الانسحاب من قطاع غزة، وفيه يذكر الكاتب أن هذا الانسحاب لن يُنهي الاحتلال لأن إسرائيل واصلت السيطرة على ما يجري هناك بصورة غير مباشرة، وظلت الفكرة القائلة بضرورة قتال “العدو” بالطرق التي يفهمها، أي القوة، تغذي الحروب الجديدة بكل مكان. حصانة الجو الفصل الأخير يناقش المؤلف فيه حروب إسرائيل على لبنان 2006 وعلى غزة عامي 2008 و2012. (الحرب الأخيرة على غزة تمثل امتدادا لهذا النوع من الحروب) . في هذه الحروب أرادت إسرائيل توظيف “نظرية كوسوفو” التي طورها الأميركيون لتحقيق النصر بواسطة قصف سلاح الجو من دون مشاركة سلاح المشاة. ويوضح أن نيران الجو لم تحسم الحروب كما أن العملية البرية فشلت، وتصارع الطرفان على الوعي وعلى من هو الطرف المتنور. ويبين الكاتب أن المفاجأة هي السلاح الأبرز في هذه الحروب والتي لم تكن في صالح إسرائيل كثيرا ليس لأنها غير مستعدة لها، بل لأنها خططت لهذه الحرب بطريقة غير مناسبة. ويختتم بن إليعازر كتابه بتشبيه المتصارعين الفلسطينيين والإسرائيليين بالتوأم السيامي غير القادر على الانفصال، قائلا “متصارعون يضربون بعضهم البعض، ويحاول كل من طرفه إثبات عدالة نهجه وتفوقه وحقه الفردي على منطقة صغيرة منحهما إياها التاريخ.