https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

إن المقصود بالديون هنا، هي الديون العامة، أو الديون الوطنية التي تقترضها الحكومات ثم يتحمل وزر الوفاء أو عدم الوفاء بها جميع المواطنين الأحياء والأجيال القادمة.
فمن أين تستدين الحكومات وكيف؟
لنأخذ الولايات المتحدة مثالاً. يأتي جل دخل الحكومة الأميركية من الضرائب والرسوم. وجميع دخول الحكومة الفيديرالية يودع لصالح وزارة الخزانة. غير أن وزارة الخزانة ليست من يقرر بنود الإنفاق. فمن يقرر ذلك هو الرئيس ومساعدوه بمن في ذلك وزير الخزانة وقادة حزب الرئيس في مجلس النواب والشيوخ. وكل ما يقرره الرئيس «وربعه» لا يمكن تنفيذه حتى يوافق الكونغرس بمجلسيه عليه. ولكل عضو من أعضاء الكونغرس بمجلسيه أولوياته.

وقد زاد إنفاق الحكومة على دخلها منذ ولادة الولايات الأميركية في عام 1776 في معظم الأوقات. ولذلك اضطرت الحكومات الأميركية المتعاقبة منذ أيام جورج واشنطن وحتى يومنا هذا مع استثناءات قليلة الى الاقتراض بخاصة في وقت الحروب. وتحديداً تنشئ وزارة الخزانة سندات أو ما يسمى أذونات تعد حامليها بتسديدها بعد فترة محددة تتراوح بين ثلاثة أشهر وثلاثين سنة.

وأذونات الخزانة الأميركية، أو سندات قروض الحكومة الفيديرالية، كغيرها من سندات ديون أخرى، تباع وتشترى في الأسواق المالية. وعن طريق بيع السندات يحصل بائعها على ثمنها حالاً وفقاً للسعر الذي تحدده قوى السوق من عرض وطلب، وما هو متوقع في المستقبل، مما يؤثر في قيمتها. ويحصل المشتري على دخل مقابل استثماره تحدد نسبته مستويات تكاليف الاقتراض ودرجة الوثوق بقدرة منشئها على الوفاء.

وبسبب ضخامة الاقتصاد الأميركي وسمو قدرته الإنتاجية، بخاصة في كل ما له علاقة من بعيد أو قريب بتقنية الاتصالات والإنترنت وأخواتها وما يعتمد عليها في مجالات العلوم الطبيعية، فقد أُعطيت أذونات الخزانة الأميركية أعلى تقييم ائتماني (AAA) **. أي أنها أفضل قروض لم يشك أحد من قبل بالوفاء بها. فلذلك عادة تكون عمولات الخدمات أو الفوائد التي تدفع مقابل استدانتها الأقل في العالم.

وفي الفترة من عام 1998 الى 2000 من فترة رئاسة الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون (1992-2000) زاد دخل الحكومة الفيديرالية على إنفاقها بنحو 360 بليون دولار. غير أن ذلك الفائض ما كان كافياً لإطفاء ما تراكم من ذي قبل من الدين العام.

ثم أتى جورج بوش الابن وأركان إدارته من «المحافظين المجددين» أو الجدد. وحينما قدم لهم تنظيم «القاعدة» تلك الهدية الماسية في ذلك اليوم المشؤوم (11/9/2001)، اغتنم قادة «المحافظين المجددين» ذلك العمل الإرهابي المروع، لشن حرب ضد أفغانستان «طالبان» وعراق صدام.

ومن نتائج حروب «المحافظين المجددين» بروز عجز سنوي بدلاً من الفائض الذي تركه الرئيس كلينتون في موازنة الدولة الأميركية، لأن قادة عصابة الحرب تفادوا تمويلها عن طريق ضرائب ورسوم أضافية تفادياً لغضب الناخبين.

ولما تم انتخاب الرئيس أوباما، وجد أن المحافظين المجددين، قد أضافوا أكثر من 6 تريليون دولار، أي أكثر من ستة آلاف بليون دولار، الى دين أميركا العام. ولزيادة الوضع سوءاً أيضاً وجد اقتصاداً وطنياً يتراجع، وكارثة مالية لا يزال الاقتصاد الأميركي وكثير من دول أوروبا وكثير من دول بقية العالم تعاني من آثارها.

وهذا ما اضطر إدارة الرئيس أوباما والتي كانت تتمتع بغالبية ديموقراطية في مجلس النواب وفي مجلس الشيوخ، الى مزيد من الاقتراض، فتراكم الدين الوطني الأميركي العام الى نحو 74 في المئة من الناتج الكلي قبل رفع سقفه في 2/8/2011. (في اليونان تجاوز 130 في المئة).

وفي الماضي لم يشك أحد بأن اقتصاداً بحجم وكفاءة الاقتصاد الأميركي، يمكن أن يعجز عن الوفاء بقروضه الوطنية على الأقل لمن يطلب الوفاء. وبالطبع من غير المحتمل أن يتم تسييل جميع أذونات الخزانة في وقت واحد. إن احتمال عجز أميركا عن دفع ديونها لا يتجاوز الصفر. والسبب هو إمكانية طبع ما يكفي من دولارات لدفع أي دين يحل موعد دفعه. وهذا بالطبع متعذر بالنسبة الى دول أوروبية تستخدم «اليورو» الذي يحكم ما يتوافر منه البنك المركزي الأوروبي، لا إيطاليا أو إسبانيا أو اليونان.

إذاً، ما تفسير تلك الزوبعة التي أثارها خصوم الرئيس أوباما عن رفع سقف دين أميركا العام؟

بداية، لا بد للحكومة الأميركية من أن تقترض لتمويل النشاط المعتاد لأي حكومة، دع عنك حكومة دولة كبرى تخوض حربين مكلفتين. وهذا يفرض رفع سقف الدين العام الذي تم رفعه عشرات المرات من ذي قبل. ولكن الذي يملك تفويض رفعه، ما عدا في الأحوال الطارئة جداً كدفاع أميركا عن أراضيها، هو الكونغرس بمجلسيه. والذي يسيطر على مجلس النواب وله صوت قوي في مجلس الشيوخ هم الجمهوريون منذ انتخابات 2006.

وكل تلك المهزلة المختلقة عن سقف الدين العام، وما تبعها من حل أملاه الجمهوريون، حتى وان سُمِّي مجازاً بحل وسط، هو ابتزاز سياسي بحت. فالجمهوريون عاجزون، لأسباب انتخابية، عن إلغاء أو الحد من المساعدات الاجتماعية وبخاصة معاشات المتقاعدين وتقديم شيء من الخدمات الطبية لهم، ولذلك منعوا زيادة الضرائب والرسوم على أصحاب البلايين والأثرياء ومنعوا بذلك زيادة دخل الحكومة عقاباً للفقراء والأقليات الذين نادراً ما يصوتون.

وفي نهاية المطاف، من الواضح أن تلك الأزمة المختلقة عن سقف الدين العام ما هي إلا محاولة من الجمهوريين لفرض أجندتهم السياسية وأبعد ما تكون عن هدف تحقيق نمو أسرع ما دام أوباما رئيساً. والطريقة التي أثبت تاريخ أميركا الاقتصادي نجاحها لزيادة الناتج الكلي حينما يتدنى النشاط الاقتصادي وترتفع نسبة البطالة، هي بزيادة الإنفاق (لا خفضه كما أراد خصوم أوباما) لصيانة وبناء محاور الإنتاج العامة، التي تفيد الجميع من منتجين ومستهلكين، كالجسور والأنفاق والموانئ والمطارات والسدود، وتوسعة وتحديث وسائل نقل التيار الكهربائي والمعلومات، وغيرها مما له أثر مباشر وسريع في توفير فرص العمل. كما تفعل الصين حالياً.

إن القطاع الخاص أكفأ وأقدر من الحكومة على تنفيذ مشاريع البناء والصيانة. غير أنه لا مصلحة له بتمويلها. ولا بد من التمويل الحكومي لكل ما يفيد الجميع ويتعدى أثره مؤسسة خاصة بذاتها.الحياة

الذهب… إلى أين؟



هل هناك فقاعة مضاربة في سوق الذهب، أم هو ارتفاع منطقي في سعر المعدن الأصفر، وكيف نفسّر هذا الارتفاع، والى أي حد سيتوقف عنده السعر، وما تأثيره على لبنان؟
مع ظهور الأزمات يزداد الحديث عن الذهب كأداة ادخار. فمنذ فتره غير وجيزة، دأبت أسعار الذهب على الارتفاع بشكل متواصل حتى أصبح السعر الاسمي للاونصة 1749$ وهو رقم تاريخي قياسي. إما إذا أخذنا في الاعتبار نسبه التضخم، فإن سعر الذهب الحقيقي التاريخي سُجل عام 1980 حيث تجاوز 2400$ للاونصة.
بدايةً، فُسّر هذا الارتفاع بزيادة الطلب من دول الصين والهند، وانخفاض الإنتاج من الذهب. ولكن بعد الأزمة المالية الاخيرة، بدأ الذهب صعوداً استعراضيا وبوتيرة متسارعة جداً. وهنا نتساءل، هل لأدوات السوق التقليدية (كالعرض والطلب) القدرة على شرح هذا الارتفاع ام هناك وسائل أخرى؟
مستغلاً عامل الخوف والقلق في الأسواق المالية وانخفاض قيمة الدولار وزيادة المخاطر التضخمية وارتفاع المشاكل المتعلقة بالديون والتصنيفات الائتمانية الاميركية والاوروبية، أصبح الذهب يلعب دوراً لا سابقة له كأداة ادخار وكملاذ آمن للمستثمرين الذين يرغبون بتنويع محفظاتهم المالية لتوزيع المخاطر وخاصة بعد انتشار حرب العملات. وقد ساعده على هذا الدور الطبيعة الثابتة والقليلة التأرجح لسعر الذهب، بحيث يعتبر من المتغيرات القليلة المخاطر. ووجد المستثمرون ضالتهم في الذهب لما يمثله من حماية كاملة في وجه عدم الاستقرار في الأسواق المالية العملات.
مستفيداً من كل هذه العوامل، سجل الذهب سعره التاريخي، وهذه ليست إلا البداية. فالاتجاه التصاعدي للذهب سيستمر بالارتفاع التدريجي، وعلى المدى المنظور، ما دام شيئاً لم يتغير على الخارطة المالية والاقتصادية العالمية. فقلق المستثمرين في تزايد مستمر نتيجة التوقعات بخفض قيم العملات كالدولار والين والمخاطر التضخمية الناتجة منه. وسعر الذهب سيستمر في الصعود ما دامت الحكومة الاميركية تضخ كميات من العملة الخضراء في الأسواق من دون تغطية نتيجة السياسة النقدية التوسعية للبنك الفدرالي وما تتضمنه في الواقع من مخاطر تضخمية تدفع إلى زيادة الطلب الحمائي على الذهب. كذلك الحال بالنسبة للشكوك التي تحوم حول الانتعاش الاقتصادي العالمي وخصوصاً في الولايات المتحدة، هذا بالاضافة إلى عدم الاستقرار والتأرجحات الحادة في أسواق الأسهم والسندات. كل هذه العوامل المذكورة ستساعد على تعزيز الثقة بالذهب وستؤدي بالتالي إلى ارتفاع في أسعاره.
لبنان كبقية دول العالم يتأثر استهلاكياً بسعر الذهب. ولكن هناك أمراً مهماً لا يمكن تجاهله. ألا وهو حجم الاحتياطي من الذهب الموجود في المصرف المركزي الذي يبلغ حوالى 9222341 اونصة. فمن الناحية التقنية، لا يمكن للبنان الاستفادة مباشرةً مادياً من ارتفاع أسعار الذهب، لان المصرف المركزي لا يستطيع التصرف بهذا المخزون من بيع وشراء إلا بقرار من المجلس النيابي، عملاً بالقانون الرقم 42/86 لعام 1986، نتيجة الجدل الحاصل آنذاك بين السلطتين النقدية والمالية في لبنان، حول موضوعية تقويم الذهب وعدم تحويل أرباحه إلى الخزينة اللبنانية، على اعتبار أنها أرباح وهمية دفترية وليست حقيقية.
بالمقابل، يستطيع لبنان الاستفادة من هذا الارتفاع في الأسعار من خلال زيادة الاحتياطي في المصرف المركزي، هذا بالاضافة إلى زيادة الثقة في السلطة النقدية وإمكاناتها للتدخل عند الحاجة، مما يريح أسواق القطع الداخلية، ويمنع إمكانية المضاربة على العملة الوطنية. فعلى الرغم من تعزيز الثقة في السلطة النقدية من جراء الارتفاع في أسعار الذهب وزيادة ادخاراتنا، فإن هذا الارتفاع يخبئ خلفه مخاطر تضخمية نتيجة الانخفاض في أسعار العملات كالدولار. وما نخشاه من الوجه الآخر لصعود الذهب هو التدهور الحاصل في أسعار صرف العملات وما تسببه من موجات تضخمية تؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني. إن انخفاض قيمه الدولار يكبد الليرة خسائر نظراً للربط الحاصل بين الليرة والدولار. وهنا نتساءل، كم تستطيع الليرة تحمل المخاطر الناتجة من هذا الارتباط؟ والى متى ستتحمل هذا العبء؟ وماذا إذا استجاب المصرف المركزي لضغط ما، لإعادة تقييم سعر صرف الليرة إيجابا مع الحفاظ عل سعر توازني جديد مع الدولار؟
فإذا كان حجم التضخم المستورد من الدولار يستطاع التحكم به في هذه المرحلة، فإن ذلك سيتغير حتماً في المستقبل نتيجة الوضع النقدي المتردي في الولايات المتحدة وظهور أصوات، على الرغم من أنها مبكرة، مطالبة بعملات ذات ثبات وثقة في التعاملات الدولية (خيار سلة العملات). وإذا كان البعض الآخر يعتبر أن هناك توازناً حاصلاً بين انخفاض الدولار وارتفاع الذهب، فإن هذا التوازن لا يمكنه الاستمرار على المدى الطويل وخصوصاً أن الثقة ستميل لمصلحة الذهب. من هنا، يجد المصرف المركزي نفسه أمام حلين: إما أن يبقي الحال كما هو عليه الآن ويكتفي بالثقة والاستقرار الحالي بالقطاع النقدي والاقتصاد الوطني. وإما أن يلجأ لفك جزئي للارتباط وإلى إعادة تقييم الليرة مقابل الدولار تفادياً لأي مخاطر قد لا تحمد عقباها في المستقبل. ولكن بأي ثمن؟ إن رفع القيمة الشرائية للعملة تترتب عليه مخاطر جمة كارتفاع التضخم والأسعار (صلابة السعر)، خفض الطلب الخارجي على السلع الوطنية وتراجع القطاع السياحي وفقدانه عامل المنافسة مع جيرانه. من هنا، فإن ورقة الذهب في لبنان سلاح ذو حدّين وتعتبر من اقوى الأوراق التي يمكن أن يستخدمها لبنان، بالتزامن مع ورقة النفط، للخروج من الترهل الاقتصادي الحالي. فهل حان الوقت لاستخدامها؟

السفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × خمسة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube