https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png


في الوقت الذي تتعثر الولايات المتحدة في مواجهة تحدياتها في الداخل، لن يتراجع ضغط الأحداث العالمية في الخارج. ولكن قدرة واشنطن على التعامل مع تلك التحديات قد تغيرت. فضعفها المالي يضعف قدرتها على التصرف كشرطي عالمي. ومع أن إطاحة نظام القذافي لم تكن مكلفة نسبياً، فإن تدخلات الولايات المتحدة المطوّلة في كل من أفغانستان والعراق أثّرت كثيرا على قدرة المواطنين الأميركيين على تحمّل سياسة خارجية نشطة. ولكن بالرغم من كل ذلك، سوف تبقى واشنطن اللاعب الأهم في العالم للمستقبل المنظور، علماً بأنها اليوم، تفتقر إلى دليل استراتيجي بالمقارنة مع عقيدة الاحتواء المرتبطة بالحرب الباردة، من أجل تحديد أولوياتها السياسية. السياسات المحددة، حسب الظروف، على غرار ما حصل من تدخلات في البلقان والصومال وجنوب ـ غرب آسيا والشرق الأوسط، في العقدين الماضيين، ليست كافية في الزمن الحاضر الذي يتميز بالقيود. وهذا يعني أنه على الولايات المتحدة السعي لوضع استراتيجية شاملة بغية ضبط اندفاعها باتجاه الحروب. واستراتيجية أوباما للأمن القومي، تغذي طموحات السياسة العامة، إذ قال: «يجب أن نضع الولايات المتحدة في موقع يؤهلها لدعم المصالح المشتركة بين الشعوب». ولكنها ليست دليلاً إرشادياً عملياً. فالاستراتيجية البديلة يجب أن تكون راسخة في التاريخ الأميركي، والتي يمكن تسميتها «عقيدة نقطة تحوّل». فعندما واجهت أميركا «نقطة تحول سلبية» ـ أي تهديداً خطيراً للبلاد ـ بادرت إلى تخصيص موارد بشرية ومالية ضخمة للتعامل مع الأخطار. ونقاط التحول الايجابية، أي اغتنام الفرص لإدارة تغيرات كبيرة في الشؤون السياسية العالمية أو الإقليمية من أجل منع حصول نقاط تحول سلبية، تتطلب التزاماً مماثلاً. إن مفهوم «نقطة التحول» يشكل أداة لصنع السياسة. والتاريخ الأميركي يعجّ بنقاط التحول. فحرب 1812، والحرب الأهلية، هما مثلان واضحان على ذلك، إذ انه لو لم تقم القوات الأميركية بطرد البريطانيين، ولو لم ينتصر أبراهام لنكولن لكانت أميركا تعرّضت للتفتت، ولم تكن لتصبح القوة المهيمنة في القرن العشرين.
وبالمقابل، فإن اهتمام أميركا بالإمبريالية في الحرب الاسبانية الأميركية، وتدخلها في المكسيك وأميركا الوسطى ومنطقة الكاريبي، خلال القرن العشرين، وحتى مشاركتها في الحرب العالمية الأولى، لم تكن نقاط تحول بالنسبة إليها، غير أن عدم قدرتها ـ بعد الحرب ـ على التغلب على سياسات العالم القديم، شكلت فشلاً لها في اغتنام فرصة الوصول إلى «نقطة تحول إيجابية». وهذا الفشل أسفر عن نقطة تحوّل سلبية شكلتها ألمانيا النازية واليابان الإمبريالية في وقت لاحق. ولكن استثمار أميركا المذهل للموارد جعل هاتين الدولتين، بعد الحرب، ديموقراطيتين مستقرّتين ومسالمتين وسداً ضد ما كان ينذر لأن يكون نقطة تحوّل سلبية هي الاتحاد السوفياتي. وقد اضطرت واشنطن، مع مرور الزمن لأن تقبل بأن كل نزاع سياسي تخسره لم يكن نقطة تحوّل ما دامت مصالحها غير مهددة. وهكذا انتصرت أميركا بدعم من نظام سياسي واقتصادي متين، وتفتت الاتحاد السوفياتي.
بروز الأصولية الإسلامية يشكل تهديداً تاريخياً جديداً، علماً بأنه لم يصل بعد إلى «نقطة تحوّل»، إلا إذا استخدم أسلحة الدمار الشامل ضد أميركا. والربيع العربي، من جهته، يشكل «نقطة تحول إيجابية» شرط أن تقرر الولايات المتحدة مدى ونطاق التزامها السياسي والاقتصادي والعسكري لتحقيق نتائج إيجابية وجيدة.بعد حدوث انتكاسات في المناطق التي تدخلت فيها واشنطن، ومع تفاقم المصاعب الاقتصادية في الداخل الأميركي، تجد أميركا نفسها محتارة من كيفية تعاطيها مع الأحداث العالمية المتغيرة. ومن المؤكد أن اتباع سياسة «عقيدة نقطة التحول» من شأنه أن يقدّم الحلول.

نيويورك تايمز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × أربعة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube