كتب محمد خير الوادي:
باتت النجاحات الهائلة التي حققتها الصين خلال العقدين الماضيين مصدر قلق وخوف كبيرين لامريكا . ولم تعد المسألة بالنسبة للاوساط السياسية الامريكية محصورة – كما كانت في الماضي – في التنافس الاقتصادي فحسب مع الصين ،بل اصبحت المنافسة تطال المجالات العسكرية والتقنية وحتى السياسية ، حيث وصلت الامور الى حد ، ان الصين باتت تنازع امريكا على قيادة العالم .
مشاعر القلق والخوف هذه صدمت امريكا ، وايقظتها من سبات عميق ازاء تقدير نمو النفوذ الصيني في العالم . وباتت القيادات الحزبية والسياسية والعسكرية والاقتصادية الامريكية مسكونة اليوم بهاجس البحث عن السبل الكفيلة بالتصدي لقوة الصين المتزايدة ، ومحاولة احتواء التنين الصيني مهما كلف ذلك . ويمكن حصر المواجهات الاساسية التي تتم اليوم بين الجانبين في جبهتين : الاول عسكرية ، والثانية تقنية .
في الجانب العسكري تحتدم الآن ما يشبه الحرب الباردة حول مواقف دول آسيوية كانت قريبة ومتحالفة مع امريكا ، ولكن الصين تمكنت خلال العقد الاخير من استمالتها وتحييدها نسبيا عبر تمتين التعاون الاقتصادي معها. واعني هنا بالتحديد كلا من، اليابان واوستراليا والفيليبين وكوريا الجنوبية وتايلاند . وتبذل واشنطن جهودا محمومة ” لاستعادة ” تلك الدول من حضن التنين الصيني . وللأسف ، فقد تمكنت الادارةالامريكية من تحقيق انجازات كبيرة في هذا المجال ، مستغلة الخلافات الحدودية بين معظم لك الدول والصين . ويكفي ان نذكر بهذا الخصوص ، ان البيت الابيض الامريكي قد استضاف خلال الاشهر القليلة الماضية قادة معظم تلك الدول ،ووقع معهم اتفاقات عسكرية وامنية ، تٌدخل هذه البلدان تحت خيمة الحماية الامنية الامريكية ، وتعطي البنتاغون حق اقامة قواعد عسكرية جديدة هناك . كما فتحت واشنطن مخازن اسلحتها امام جيوش تلك البلدان ، وزودتها باسلحة استراتيجية بما فيها قدرات نووية .
وكانت آخر حلقة في سلسلة هذه االجهود الامريكية ، زيارة الرئيس الفيليبيني ماركوس الابن لواشنطن ،والذي طالب خلالها علنا بحماية عسكرية وامنية امريكية . وقد حصل عليها ، وباتت الفيليبين رأس الحربة الامريكية في تلك المنطقة .( رغم ان الصين عرضت تقديم عشرين مليار دولار مساعدات لمانيلا هذا العام )
والجبهة الاخرى للمواجهة الامريكية الصينية المستعرة ،هي الجبهة السيبرانية . فقد منعت امريكا شركاتها من تزويد الصين بالرقائق الالكترونية ، كما اعلن الرئيس الامريكي انه سيدافع عسكريا عن تايوان لان تلك الجزيرة تنتج 85% من الرقائق الالكترونية في العالم كله .
وامس ، اقر قادة الكونغرس الامريكي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري خطة من خمسة نقاط للتصدي الستراتيجي للصين .وقد علل رئيس مجلس النواب الامريكي اعتماد الخطة المذكورة بقوله : ” ان الصين تسعى الى السيطرة على القرن الواحد والعشرين ، وانه اذا ما استرحنا نحن الامريكيين وتركنا الحزب الشيوعي الصيني يهزمنا ، فسيكون لذلك عواقب وخيمة على – ما اسماه -الدول الديمقراطية في العالم ” .
وتتضمن الخطة وضع قيود على قدرة الصين للوصول الى الابتكارت الامريكية في مجال الذكاء الاصطناعي ،وتوقيف تدفق الاموال الامريكية نحو الصناعات التقنية الصينية الفائقة ، واجراء مراجعة امنية لتأثير الشركات الاجنبية ( الصينية ) في امريكا على الامن القومي الامريكي ، وردع التدخل العسكري الصيني في تايوان . وتنبع اهمية هذه الخطة من انها تعكس توافقا نادرا بين الحزبين الامريكيين على التصدي للصين ، وهو امر يجعل الطريق ممهدا امام اقراراها .
والشيء اللافت ، ان المواجهة الامريكية الصينية بدأت تتوسع الآن لتشمل العالم كله . فهي تمتد من افريقيا الى امريكا اللاتينة ، مرورا باوربا وقارات العالم الاخرى . وباتأكيد ، فان الدول العربية ليست بعيدة عن تلك المواجهة .
هذا كله يعني ، ان العالم مقبل على استقطاب حاد ، شبيه بما كان بين الاتحاد السوفياتي وامريكا . ونلمس الآن جزءا من هذه الاستقطاب حول الصراع في أوكرانيا . فعلى الرغم من محاولات الصين للظهور بمظهر الوسيط هناك ، الا ان مشاعر القادة الصينيين متعاطفة مع روسيا ضد امريكا والغرب .
4/5/2023