https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

* الدكتور عماد مصطفى

هذه المقالة هي بمنزلة تمهيد لدراسات لاحقة أكثر شمولاً وعمقاً تتناول علاقة ستة من كبار رموز الثقافة العربية السورية مع الصين، ذلك البلد الآسيوي الكبير ذي الحضارة التليدة، وهي في الوقت نفسه دعوة لمن يتوافر لديه المزيد من المعلومات للمساهمة في إغناء معرفتنا بعلاقة هؤلاء المبدعين الستة بالصين، أو حياتهم فيها، أو الأثر الذي تركته على أعمالهم الإبداعية.

قلة من المتابعين للشأن الثقافي السوري يعلمون أن كلاً من شيخ الروائيين السوريين وأشهر شاعر سوري في القرن العشرين وأهم باحث سوري في تاريخ الحضارات قد عاشوا في الصين لفترات متفاوتة وفي أزمنة مختلفة.

كما أن عدداً أقل منهم مطلع على العلاقة العميقة التي تربط شاعراً سورياً آخر بالصين، ويمكننا وصف هذا الأخير بأنه الشاعر العربي الذي حقق أكبر شهرة عالمية على الإطلاق، وربما كان معروفاً في الصين أكثر مما هو معروف في بلده سورية، صحيح أنه لم يقم في الصين، إلا أنه ما فتئ يزورها خلال العقدين الماضيين فلا يغيب عن الساحة الثقافية الصينية لأكثر من سنة متصلة.

وقبل أن أبدأ بسرد قصة هؤلاء الأربعة مع الصين، لابد لي من البدء أولاً بالإشارة إلى شخصين آخرين لعبا دوراً مهماً في بناء جسور التواصل الثقافي بين سورية والصين وإن لم ينالا نصيباً من الشهرة ناله أولئك الأربعة الكبار.

عبد المعين الملوحي

أما الأول فهو الشاعر والكاتب والمترجم عبد المعين الملوحي، ولد عبد المعين الملوحي في حمص عام 1917 وتوفي في دمشق عام 2006، وكان عضواً مراسلاً في مجمع اللغة العربية، نشر الملوحي في الثلاثينيات مرثاة شعرية لزوجته المتوفاة بهيرة أثارت زوبعة من الإعجاب والانتقادات، فقد عبر فيها عن مشاعره وأفكاره وهو «الشيوعي المزمن» كما كان يصف نفسه، وفي فترة ضاقت به فضاءات الحياة السياسية في سورية وجد نفسه مضطراً للتوجه إلى الصين حيث عمل في جامعة بكين أستاذاً للغة العربية، وجامعة بكين هذه هي أهم وأعرق جامعات الصين التي يزيد عددها على 2688 جامعة، ويوجد فيها قسم لدراسات اللغة العربية، وللأستاذ الملوحي مكانة خاصة لدى أساتذة هذا القسم فهم يذكرونه بإعجاب واعتزاز، ولم يكتف الملوحي بتعريف الساحة الثقافية الصينية بالأدب العربي، بل قام بالأمر نفسه بعد عودته إلى سورية فنشر على سبيل المثال المتقطفات من الشعر الصيني مترجمة إلى العربية عام 1967 وكان يترجم الشعر الصيني عن اللغة الفرنسية، كما ترجم كتابين آخرين هما «تاريخ الشعر الصيني من أول عصوره» و«تاريخ الشعر الصيني المعاصر» للباحثة باتريسيا غيليرماز، وللأسف لا توجد أي وثائق منشورة تؤرخ لحياة الملوحي في الصين وإن كنت آمل أن تزودني أسرته بالمزيد من المعلومات عن هذه المرحلة المهمة وشبه المنسية في حياته.

سلامة عبيد

وأما الثاني فهو سلامة عبيد، صحيح أن سلامة عبيد شبه منسي اليوم في سورية، ولكن الأكاديميين الصينيين المتخصصين باللغة العربية يضعونه في مكانة القديسين ويعترفون له بفضل عظيم في فتح آفاق اللغة العربية لهم واستكشاف مجاهلها، ولد سلامة عبيد في السويداء عام 1921 وتخرج في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1951 ثم عاد للتدريس في السويداء، وزار الصين لأول مرة عام 1964 فنشر بعدها كتاباً عنوانه: «الشرق الأحمر، جولة في الصين الشعبية» عام 1965، وقد نشر عدة دواوين شعرية، كما ترجم عن الانكليزية كتب الرحالة الغربيين إلى سورية وبلاد الشام، وفي عام 1970 فاز بجائزة وزارة الثقافة عن روايته «أبو صابر، الثائر المنسي مرتين» فضلاً عن نشره كتاباً مهماً في تاريخ الثورة السورية الكبرى، وفي عام 1972 دعته جامعة بكين للعمل فيها مدرساً للغة العربية فمكث في الصين أربعة عشر عاماً، وعندما عاد إلى سورية عام 1984 توفي بعد وصوله بيوم واحد.

وفي الصين، كرس عبيد نفسه لبناء جسور التواصل بين الثقافتين العربية والصينية فترجم ونشر مختارات من الشعر الصيني القديم عام 1983، كما ألف كتاباً عنوانه: «مع الرئيس ماوتسي تونغ» إلا أن أهم منجزاته على الإطلاق كان في اشتراكه مع نخبة من الأساتذة الصينيين في وضع أول قاموس شامل للغتين العربية والصينية.

وقد حاولت كثيراً أن أجتمع أثناء وجودي في الصين وزياراتي المتكررة لقسم اللغة العربية في جامعة بكين بالأساتذة الصينيين الذين عاصروا سلامة عبيد وعملوا معه، إلا أنه وللأسف الكبير كانوا جميعاً قد رحلوا عن هذه الدنيا غير أن الجيل الحالي من الأساتذة يذكرون أن الجيل الذي سبقهم كانوا يكنون له كل الاحترام والتقدير والكثير من المحبة والعرفان.

حنا مينة

كان حنا مينة الذي ولد في اللاذقية عام 1924 وتوفي في دمشق عام 2018 شيخ الروائيين السوريين وأهم من وضع الرواية السورية على الخريطة الأدبية العالمية، وصحيح أنني لم أتعرف إليه شخصياً إلا أنني كنت طالباً في المدرسة الإعدادية عندما قرأت لأول مرة إحدى رواياته «المصابيح الزرق»، ثم تابعت استكشافي لعوالمه القصصية، ولاسيما «الشراع والعاصفة»، فقرأت الكثير من مؤلفاته، وتفاوتت درجات إعجابي بها، إلا أن ذروة إعجابي بفنه كان مع سيرته الذاتية، «بقايا صور»، والتي يحدثنا فيها عن طفولته الفقيرة البائسة بين لواء الاسكندرونة واللاذقية.

وفي أعماله الأدبية ذات الروح الإنسانية الشفافة كان حنا مينة منحازاً إلى الفقراء والمهمشين والمعذبين في الأرض، ولم يكن من الغريب أن يعتنق الفكر الماركسي الذي وجد فيه الحل لمعاناة كادحي هذا العالم، وأصبح حنا مينة عضواً في الحزب الشيوعي السوري، ولهذا الحزب ما له من تاريخ تعرض فيه أعضاؤه ومناصروه للتنكيل والاضطهاد، فبحث حنا عن مكان يلجأ إليه فراراً من إلقائه في غياهب السجون، إلى أن قادته علاقاته الشيوعية وقدراته الكتابية ليجد لنفسه عملاً في بكين عاصمة الصين في دار النشر الحكومية المختصة بنشر الآداب العالمية.

عندما جئت إلى الصين بذلت جهداً كبيراً في تقصي مسار حياة حنا مينة في الصين، إلا أنني وللأسف الكبير اصطدمت بجدران ثخينة من عدم المعرفة وفقدان التوثيق، وقلة من بقي على قيد الحياة من الصينيين الذين عاصروه في بكين، حتى إن تاريخ مجيئه إلى الصين بالضبط، وتاريخ مغادرته لها غير محددين بدقة، غير أن استفساراتي المتعددة ومحاولاتي لتجميع المعلومات القليلة من مصادر مشتتة ومختلفة تقودني إلى تقدير أنه قد مكث في الصين لفترة تقرب من السنوات الثلاث بين عامي 1958 و1961.

إلا أن الروائي الكبير حنا مينة خلف عملاً روائياً يكاد يكون النسيان قد طواه وهذا العمل عبارة عن قصة حب تدور أحداثها في الصين، عنوان الرواية هو: «حدث في بيتاخو».

باي داي خه هي منتجع بحري جميل جداً، وأنيق جداً، يقع على مسافة غير بعيدة عن بكين على شاطئ المحيط الهادي، وكانت هذه البلدة مغلقة لسنوات طويلة جداً، على عامة الشعب الصيني، إذ كان القادة التاريخيون للصين الشيوعية من أمثال ماوتزي دونغ، وجو إن لاي، ودينغ سياو بينغ، ومئات غيرهم يتوجهون إليها لعقد لقاءات تشاورية في أجواء متحررة من القيود غير رسمية فيناقشون فيما بينهم أخطر القرارات المتعلقة بمسار الصين السياسي والاقتصادي، ويتبادلون الآراء ويلتقون بالكوادر من القيادات الوسطى ليقيموا أهليتهم لتولي مسؤوليات أسمى في الحزب والدولة.

وفي عهد الإصلاح والانفتاح، فتحت أبواب باي داي خه لعامة الشعب الصيني فبات بمقدورهم زيارتها والتمتع بجمالها وأناقتها المعمارية.

واذا أخذنا بالحسبان أن هذه المدينة كانت مغلقة في الفترة التي عاش فيها حنا مينة في الصين، وأن حقيقة كونها قد ألهمته كتابة رواية تدور أحداثها فيها، فقد قادتني حقيقة معرفته بها إلى استنتاج أن حنا مينة لم يكن مجرد موظف عادي في دار النشر الصينية، بل إنه كان موضع تقدير خاص من القيادة الحزبية بحيث تسمح له بدخول هذه المدينة التي لا يدخلها إلا نخبة كوادر الحزب الشيوعي الصيني وقادتها التاريخيون.

وللأسف الشديد فقد رحل حنا مينة في خضم الأزمة التي عصفت بسورية، فلم يحالفني الحظ لأقابل ذلك الرجل العظيم، وأسترجع معه بعض ذكرياته عن حياته في الصين.

نزار قباني

لا ريب أن نزار قباني هو أشهر شاعر سوري في القرن العشرين، ولد نزار في دمشق عام 1923 ودفن فيها عام 1998، وعندما كنت مراهقاً في المدرسة الإعدادية كانت دواوين نزار ترافقني وتلهب مخيلتي، صحيح أنني لم أقابله في حياتي أبداً، إلا أن علاقة قوية جمعتني مع شقيقه السفير المتميز صباح قباني والدبلوماسي المتقاعد رشيد قباني، وللأسف فقد طوى الموت الراحلين صباح ورشيد.

وفي أعماله الشعرية ذات الروح الرومانسية واللغة الأنيقة كان نزار منحازاً إلى المرأة والحب والجمال، ولم يكن غريباً أن يتقدم للعمل في السلك الدبلوماسي السوري، وقد سبقه في ذلك شاعر سوري عظيم آخر هو عمر أبو ريشة فأصبح نزار دبلوماسياً خدم في لندن وبكين ومدريد قبل أن يتقدم باستقالته ويتفرغ لكتابة الشعر والنثر، وهكذا ساقت الأقدار نزار ليعمل دبلوماسياً في سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بكين في الفترة ما بين عامي 1960-1962.

كانت الصين في تلك الآونة بلداً فقيراً ونامياً يناضل في سبيل تأمين لقمة الكفاف لجموع الكادحين ويبذل جهوداً خارقة للانخراط في عملية تصنيع شاملة ومكلفة تتطلب الكثير من التضحيات، وكان التقشف الكبير هو الطابع السائد في الحياة اليومية للمواطنين الصينيين، وفوق ذلك كله، كان النظام الشيوعي آنذاك متشدداً في عدم السماح للدبلوماسيين الأجانب بمخالطة المواطنين الصينيين، فحرم نزار من فرصة أن يغرم بفاتنة صينية تلهمه فيكتب فيها بعض روائعه الغزلية الكبرى، بل إن الحقيقة المحزنة هي أن قريحة نزار الشعرية أصيبت بالنضوب التام فعجز عن كتابة أي عمل ذي قيمة طيلة السنتين اللتين قضاهما في الصين.

وعندما جئت إلى الصين زرت مقر السفارة المصرية في بكين، وكان السفير رجلاً مثقفاً محباً للأدب، فأخذني إلى إحدى غرف السفارة وقال لي بفخر كبير: هنا كان مكتب نزار قباني.

لقد شاءت المصادفة التاريخية العجيبة أن يجتمع كل من حنا مينة ونزار قباني في بكين في الفترة الزمنية نفسها، ولا توجد أي شهادات أو وثائق تشير إلى حدوث أي لقاء بينهما، وأغلب ظني أن أياً منهما لم يكن يعرف شيئاً عن الآخر، كان نزار ابن عائلة دمشقية منعمة عريقة، وكان حنا مينة ابن أسرة مسحوقة اجتماعياً ومادياً، وكان نزار يكتب بأناقة عن الصبا والجمال والهوى، ثم أضاف إلى قصائده عن الحب أخرى عن السياسة والأوطان، في حين كان حنا يكتب بألم عن الفقر والمعاناة والشقاء، كان نزار ملتزماً بالرقي والحضارة والجمال المترف، وكان حنا ملتزماً بالاشتراكية والنضال الطبقي والصراع العالمي ضد الإمبريالية الأميركية.

جاء نزار إلى الصين ثم تركها وكأنه لم يأت ولم يرحل.

أدونيس

عندما كنت أعمل في الولايات المتحدة كان الدكتور حليم بركات ابن الكفرون، والباحث الكبير في علم الاجتماع، ومؤلف رواية «طائر الحوم» الشهيرة، من أعز أصدقائي وأقرب الناس إليّ في واشنطن، وعبر حليم نشأت علاقة جمعتني مع صديقه الأقرب إليه، علي أحمد سعيد إسبر، والذي يشتهر باسمه الأدبي: أدونيس.

ولد أدونيس في قرية قصابين من قضاء جبلة عام 1930، وهو يقطن حالياً في باريس مع زوجته الكاتبة اللامعة خالدة سعيد «واسمها الأصلي خالدة صالح» وابنتيه أرواد ونينار، وبفضل موهبته الشعرية الفذة وثقافته التي تضرب جذورها بعمق في الثقافة العربية الكلاسيكية «كما يتجلى في كتابه القيّم الثابت والمتحول» فيما تتسامى لتنهل من مشارب الثقافة والشعرية العالمية «ولاسيما الشعر الفرنسي: رامبو وسان جون بيرس وايلوار» تمكن أدونيس من أن يحقق لنفسه شهرة عالمية لم يستطع أي شاعر عربي معاصر آخر أن يحققها.

وفي واشنطن توطدت عرا الصداقة بيننا وأصبحت رفيقه الدائم خلال زيارته لإلقاء المحاضرات والشعر في الجامعات الأميركية.

وبعد أن انتقلت للعمل في الصين، فوجئت بأن لدى أدونيس جمهوراً كبيراً من المثقفين الصينيين الذين يعرفون شعره جيداً، ويقبلون على شراء دواوينه وأن معظم المشاهير من أدباء وفناني الصين يتفاخرون بمعرفته ودعوته لزيارتهم في منازلهم ومحترفاتهم وصالات العرض التي يقيمون فيها معارضهم.

دأب أدونيس على زيارة الصين باستمرار، مرة كل عام تقريباً، فزار الكثير من مدنها ومقاطعاتها وأغرم بجبلها الأصفر، وألقى المحاضرات في جامعاتها واشترك مع أكبر شعراء الصين في إحياء الأمسيات الشعرية وسط حضور جماهيري كبير، وقد أصدرت دور النشر الصينية المرموقة العديد من مجموعاته الشعرية مترجمة إلى اللغة الصينية ما مكن الجمهور الصيني من تذوق شعره الرمزي وصوره الكثيفة المختزلة.

ولعل السر الأكبر في شهرة أدونيس في الصين يعود إلى الجهود الجبارة التي بذلها البروفيسور شويه تشينغ غوو، العميد السابق لكلية الآداب العربية في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين، والذي اتخذ لنفسه اسماً عربياً هو بسام، ندعوه به ولا نستخدم غيره.

لقد أغرم بسام بشعر أدونيس عندما قرأ أغاني مهيار الدمشقي، وأخذ على عاتقه مهمة ترجمة أشعاره إلى الصينية، ورغم تهيبه من صعوبتها الكبيرة، إلا أنه عمل جاهداً حتى صاغها بلغة صينية راقية وجميلة، فلاقت استحساناً كبيراً لدى القراء الصينيين، وأدت إلى صداقة قوية تربط اليوم أدونيس ببسام، وكان من الطبيعي أن يطلب مني أدونيس التعرف إلى بسام بمجرد انتقالي إلى الصين، وأصبح بسام ركناً أساسياً من أركان حياتي الثقافية في الصين ثم شاءت الأقدار أن يلعب بسام دوراً آخر سآتي الآن على ذكره.

فراس السواح

عندما كنت طالباً في جامعة دمشق في أواخر السبعينيات صدر كتاب لمؤلف سوري مجهول أحدث دوياً هائلاً في أوساط الجامعيين والمثقفين والمهتمين بتاريخ سورية القديم، ولم يعد هناك شخص أعرفه لم يقرأ «أو يزعم أنه قرأ» مغامرة العقل الأولى لفراس السواح.

ولد فراس السواح في حمص عام 1941 وهو يعيش اليوم في دمشق في ضاحية قدسيا وقد درس الاقتصاد في جامعة دمشق، إلا انه لم يبال به بل شغف بتاريخ سورية القديم، فدرسه دراسة واسعة عميقة متأنية، ثم عاش حياته كلها يبحث في تاريخ الحضارات والأديان.

ورغم إعجابي القديم بأعمال فراس السواح، إلا أن القدر لم يجمعنا أبداً ولم أعرف عنه أو عن حياته الشخصية شيئاً حتى عام 2014.

فقد حدث ذات يوم، أن جاء أدونيس إلى بكين، وكانت لديه محاضرة في جامعة الدراسات الأجنبية، فتوجهت لحضورها وهناك جاءني البروفيسور بسام برفقة رجل تشير هيئته إلى كونه متوسطياً وقال لي إنه يحب أن يعرفني على شخص سوري انضم مؤخراً إلى عضوية السلك الدبلوماسي التدريسي في جامعته، مد الرجل يده ليصافحني قائلاً: «أنا فراس السواح».

وهكذا بدأت علاقة صداقة قوية جمعتني وزوجتي رفيف مع فراس وزوجته وفاء، وبفضل هذه الصداقة كنت أحظى بساعات متفرقة من الأحاديث والنقاشات الطويلة والمحتدمة حول مواضيع ساخنة وخلافية كالهوية والعروبة والدين والثقافة والتاريخ والانتماء، إضافة إلى التدريس كان فراس يعمل مع بسام على ترجمة أعمال فلاسفة الصين الكبار كونفوشيوس ومنشيوس ولاوتزه إلى العربية، وهذا عمل صعب جداً احتاج منهما إلى جهود جبارة وتكلل بالنجاح بصدور ثلاثة مجلدات فاخرة ثنائية اللغة عام 2021.

عاد فراس ليتقاعد في دمشق، وبعد عودته بفترة قصيرة توفيت رفيقة دربه وفاء، وقد أتحفني مؤخراً بهدية قيمة أفخر بها وهي الإصدار الجديد لمجموعة أعماله الكاملة التي تنوف على أربعة وعشرين كتاباً.

عبد المعين الملوحي وسلامة عبيد وحنا مينة ونزار قباني وأدونيس وفراس السواح: ستة عمالقة من سورية تقاطعت حياتهم مع الصين، فتركوا فيها آثاراً وذكريات، وتركت في نفوسهم انطباعات وأفكاراً وإلهاماً، أحاول اليوم لملمة شذرات وبقايا من صورهم في الصين، فيصادفني القليل من النجاح والكثير من الإخفاق، ويستبد بي توق كبير لمعرفة المزيد عن تجاربهم وذكرياتهم في المملكة الوسطى، وما زلت عاقداً العزم على متابعة التقصي عن حياتهم في الصين لعلّي أسدُّ ثغرة مهمة في تاريخ سورية الثقافي غير الموثق .(نشرت في صحيفة الوطن السورية)

*  سفير سورية في الصين    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد + 13 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube