https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

تُرى هل الإشكال في مجرد ذهاب «يوروفيجِن» إلى تل أبيب، أم أن الأمر أعمقمن ذلك وأبعد؟ بدءاً، يجب توجيه الشكر إلى كل الشخصيات والأطراف والمؤسساتالدولية، ذوي العقول المساندة للحق الفلسطيني، وأصحاب العواطف المتألمةللمعاناة الفلسطينية، الذين سارعوا إلى الاعتراض على إعطاء إسرائيل فرصةتنظيم هكذا حدث سنوي، يُعد ثاني أهم مهرجان عالمي بعد كأس العالم لكرةالقدم، خصوصاً من حيث حرص الشباب في مختلف أنحاء الكوكب على متابعته. بيد أن أسباب استمرار تفوّق نفوذ اللوبي المؤيد لإجحاف ساسة إسرائيل، تفوقبكثير مجرد فوز تل أبيب باستضافة الدورة الرابعة والستين لمسابقة أغنيةأوروبا. المسألة تخص قدرة إسرائيل، منذ إنشائها، على التخطيط لما تريد، ثمالمباشرة في التنفيذ، بصرف النظر عن تحقيق الهدف، معظم الأحيان، أو التعرضللفشل، أحياناً، بدل الاكتفاء أغلب الأوقات بالتخبط في متاهات منمق القولوزخرف الشعارات. لن أستغرب إن صَدع صوت بإصبع اتهام يقول ما مضمونه إن مثل ما سبق من القول،هو نوع من الإغراق في نقد الذات، مقابل ما يشبه الهيام في إطراء مغتصبالحقوق، والإعجاب بقدرات الأعداء. هكذا قوالب، أو «كليشيهات»، اعتاد معظمالعرب عليها، خصوصاً منهم الذين امتهنوا الزعيق عبر منصات الإعلام، كلماظهر داعٍ ينادي لمواجهة لحظة الحقيقة، أو، في هذا السياق، صداع الموسيقى – كما قول قوم شكسبير: FACE THE MUSIC. سبب ذلك أن التآلف مع المعتاد يظل أجلب للدّعة، ويغْني عن متاعب التعامل معمُرّ الحقائق، التي يوجب المنطق ضرورة التعاطي مع ما ترتب عليها. وما دامالموضوع موسيقياً أساساً، فلا مفر من التساؤل: لماذا الاستغراب أن تفوزإسرائيل باستضافة المسابقة السنوية لأغنية أوروبا، رغم أنها ليست دولةأوروبية؟ ليل السبت الماضي، اتصل بي صديق من إحدى مدن إنجلترا تحدث بشيء منالغضب، عما عدّه جهل كثير من العرب خصوصاً، وشعوب العالم الإسلامي عموماً،بمدى سطوة نفوذ اللوبي الإسرائيلي عالمياً، إلى الحد الذي يمكّن إسرائيلمن تنظيم «يوروفيجِن» على أحد شواطئ تل أبيب، بلا أي اكتراث لدعواتالمقاطعة التي باء أغلبها بفشل ذريع، بل إن دولة بحجم ألمانيا -أضاف الصديقالغاضب- سارع برلمانها لاستصدار تشريع يجرّم أي دعوة مقاطعة لإسرائيل،ويعدّها نوعاً من «معاداة السامية». ختم الرجل كلامه متسائلاً: متى يدركالعرب والمسلمون حقيقة أن إسرائيل أقوى منهم نفوذاً في العالم كله،تقريباً؟نعم، ربما مطلوب تعميم هذا الإدراك بين عموم الناس، لكنه موجود في دوائرصنع القرار، وبين أوساط النخب السياسية والاقتصادية. المشكل هو في غياب عملعربي جاد يقارع نفوذ جماعات الضغط لصالح إسرائيل بلغة المصالح، وليسبإيقاع مقامات الكلام. واضح لكل متابع، أن للدولة العبرية غير لسان، وكللسان يجيد فن التخاطب مع كل عاصمة، أو طرف، على نحو يقنع الآخرين، أو قُلْيوهمهم، بأن مصالحهم هي ذاتها مصلحة إسرائيل أيضاً. هذه، بكل صراحة، شطارةمن جانب ساسة تل أبيب يبدو أنها غير متاحة لخصومها، فأين العجب، إذن، إذاتواصل تراجع التأثير العربي أمام استمرار تقدم النفوذ الإسرائيلي دولياً؟مع ذلك، ليس من الموضوعية إغفال حقيقة أن التعاطف العالمي مع الحقالفلسطيني حقق تقدماً تمكن ملاحظته في مجالات دولية، ومهرجانات أو مناسباتعالمية عدة، مثلما أدى استمرار ممارسات إسرائيل العدوانية، وتواصل معاناةالفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي زمناً تجاوز نصف قرن، إلى استفزاز عددمن أساتذة الجامعات العالمية، فظهر أكثر من دعوة لمقاطعة جامعات إسرائيل. ثم ما حصل مساء حفل «يوروفيجِن» بتل أبيب، عندما فاجأت نجمة عالمية بمثلوزن مادونا وأهميتها، الملايين عبر العالم بطبع علم فلسطين وعلم إسرائيل،على ثياب شابة وشاب من فرقتها، الأمر الذي أثار الغضب الإسرائيلي، بالطبع،وبدا كأنه مقلب وقع فيه منظِّمو الحفل. كذلك رفع العلم الفلسطيني أعضاء منفرقة آيسلندا المشاركة في المسابقة. مشاهد تؤكد أن الحق الفلسطيني ليسغائباً عن الضمير العالمي، لكنّ هذا لا ينفي القول إن المزيد من العملالجاد مطلوب لإتقان التعاطي بذكاء مع تقدم نفوذ إسرائيل دولياً، أماالاكتفاء بإعلان الغضب، فلن يقدم شيئاً، بل يؤدي إلى المزيد من التراجععربيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 − أربعة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube