https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

سمح كشف صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية الأحد الماضي عن لقاء “العقبة” السري -الذي تم في مارس/آذار 2016، وجمع كلا من عبد الفتاح السيسي وعبد اللهالثاني وبنيامين نتنياهو وجون كيري- بإطلالة نادرة على مدى استعداد نظاميْالحكم في القاهرة وعمان لخفض سقف المطالب العربية، ومواءمتها مع مطالبالجانب الصهيوني لإرضائه وإشباع صلفه. وفي الوقت ذاته، فإن اللقاء مثّل أول فرصة للتعرف بشكل عملي على طابعومرامي “التسوية الإقليمية” للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التي يروج لهانتنياهو والإدارة الأميركية الجديدة، ومناقشة دوافع لقاء العقبة ومضامينهونتائجه وتداعياته. توظيف روافع الضغط العربيةيتضح مما ذكره الصحفي بارك رفيد -الذي كشف عن لقاء العقبة- أن الإدارةالأميركية هي التي بادرت إلى عقد هذا اللقاء، لاختبار مدى جدية التعهد الذيقدمه نتنياهو للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أواخر عام 2015باستعداده للتوصل إلى حل للصراع مع الشعب الفلسطيني في إطار تسوية “إقليمية”. وحسب منطق نتنياهو، فإنه يمكن أن يكون للدول العربية دور فاعل في التوصللتسوية سياسية للصراع، بزعم أن ممثلي الفلسطينيين غير جاهزين للتسوية، وأنهناك حاجة لتوظيف روافع الضغط التي تملكها الدول العربية واستخدامها ضدالفلسطينيين لإرغامهم على إبداء مرونة أكبر. وقد استجاب الأميركيون لطلب نتنياهو فطلبوا من نظاميْ الحكم في عمانوالقاهرة ترتيب لقاء “قمة” مع نتنياهو وبمشاركة كيري، ليوفر البعد الإقليميالذي ينشده رئيس الوزراء الإسرائيلي، ويشكل في الوقت ذاته مسوّغا لممارسةضغوط عربية على الفلسطينيين للقبول بما سيطرحه كيري. مع العلم بأن لقاء العقبة -وفق شهادة مساعدي كيري كما وثقتها “هآرتس”- جاءبعد إحباط نتنياهو جهودا مكثفة بذلها كيري خلال عام 2015 لاستئنافالمفاوضات مع السلطة. الطامة الكبرى تتمثل في أن المبادرة التي طرحها كيري خلال لقاء العقبة -بعدالحصول على موافقة السيسي والملك عبد الله- ورفضها نتنياهو على الفور، لاتمثل فقط نكوصا فجًّا عما ورد في “مبادرة السلام العربية” التي أقرتهاالقمة العربية في بيروت عام 2002، بل تمثل -في الواقع- تصفية حقيقية للقضيةالفلسطينية. فرغم أن المبادرة استندت إلى “حل الدولتين” على أساس حدود 1967، فإنها -منناحية عملية- تضمنت بنوداً تحوّل فكرة الدولة الفلسطينية إلى صيغة مشوّهةلنموذج الحكم الذاتي. إن أخطر ما طرحه كيري -وقبِله السيسي وعبد الله- في لقاء العقبة يتمثل فيقبول العالم العربي أن تلبي أية تسوية للصراع “الاحتياجات الأمنية لإسرائيلوتضمن تمكينها من الدفاع عن نفسها”. وعند ترجمة هذا البند -استنادا إلى المعايير الإسرائيلية- فإنه يعنياستعدادا فلسطينياً للتنازل عن مساحات من الأرض في الضفة الغربية، ترى تلأبيب أن الاحتفاظ بها يُعدّ من الاحتياجات الأمنية لها. ومن هنا، فإن جميع الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم في تل أبيب وقوىالمعارضة -التي تمثل الوسط الإسرائيلي- تعارض الانسحاب من منطقة “غورالأردن”، التي تشكل حوالي 28% من الضفة الغربية، بحجة أن الاحتفاظ بهذهالمنطقة يقلص قدرة أي طرف على مباغتة إسرائيل بشن هجوم من الشرق. وفي الوقت ذاته، فإن نص المبادرة على “ترتيبات أمنية” تحسّن قدرة إسرائيلعلى الدفاع عن نفسها يعني قبول العرب بأن تكون الدولة الفلسطينية بلا سيادةعلى حدودها، حيث إن ضمان حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها يتطلب -وفق المنطقالصهيوني- السيطرة على الحدود مع الأردن. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المبادرة تقر باحتفاظ إسرائيل بالتجمعاتالاستيطانية الكبرى -التي تمتد على 12% من مساحة الضفة الغربية- فإن هذايعني عمليا تنازلا فلسطينياً مسبقا عن 40% من مساحة الضفة الغربية. صحيح أن المبادرة تتحدث عن ضم إسرائيل للتجمعات الاستيطانية ضمن صيغة تبادلأراضٍ تتخلى إسرائيل بموجبها عن أراضٍ لضمها إلى الدولة الفلسطينية. لكن الأراضي التي تبدي أوساط في حكومة نتنياهو استعدادا للتنازل عنها هيمنطقة “المثلث”، وذلك للتخلص من أكبر قدر من الثقل الديموغرافي لفلسطينييالداخل؛ وهذا يمثل ترحيلا مقننا ومسًّا بهذه الشريحة الفلسطينية عبرمساواتهم بالمستوطنين المغتصبين للأرض. ولا تقف الأمور عند هذا الحد، بل إن كيري أبلغ نتنياهو موافقة العرب على “الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وضمان الحفاظ على طابعها الأساسي”. ولاخلاف أن الاعتراف بيهودية إسرائيل يعني تنازلا طوعيا ومسبقا عن حق اللاجئينالفلسطينيين في العودة للأراضي التي شردوا منها عام 1948. فحسب المنطق الإسرائيلي، فإن الاعتراف بيهودية إسرائيل يعني إضفاء شرعيةعلى كل ما يتطلبه الحفاظ على طابعها اليهودي، وعلى رأسه المركّبالديموغرافي. ومن هنا، لا يوجد أي طرف فلسطيني -بغض النظر عن توجهاتهالسياسية- مستعد للاعتراف بيهودية إسرائيل، بسبب خطورة الطاقة الكامنة فيهذا الاعتراف. تجاوز إسرائيل لتنازلات العقبةإن ما طرحه كيري في لقاء العقبة -وقبِله السيسي وملك الأردن- بات منالتاريخ، لأن ما أرسته إسرائيل من وقائع على الأرض بعد اللقاء ينسف أيةفرصة لوضع مبادرة كيري -على تواضعها- موضع التنفيذ. فعلى سبيل المثال، نصت مبادرة كيري على تدشين دولة فلسطينية على إقليم متصلجغرافياً. لكن ما أقدمت عليه إسرائيل عمليا مؤخرا ينسف هذا البند، حيثأجازت حكومتها مشروع “E1” الاستيطاني الذي يربط مدينة القدسبمستوطنة “معاليه أدوميم” الواقعة شمال شرق المدينة المقدسة. وإذا عرفنا أن الشارع الذي يربط شمالي الضفة الغربية بجنوبيها يمرّ فيالمنطقة الفاصلة بين هذه المستوطنة والقدس، فإن تدشين مشروع “E1” يسدلالستار على أية إمكانية لإقامة “دولة متصلة الإقليم”. إن المفارقة تكمن في أنه رغم رفض نتنياهو التنازلات العربية التي قدمت فيلقاء العقبة قبل عام، فإنه يواصل التعبير عن حماسه لفكرة “التسويةالإقليمية”، ويلمح إلى استعداد عربي لتوفير الشروط التي يمكن لإسرائيل أنتتعايش معها. وقد تعاظم تفاؤل نتنياهو بواقعية التسوية الإقليمية بعد صعوددونالد ترمب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل حصل نتنياهو -في لقاءات سرية مماثلةللقاء العقبة- على المزيد من التنازلات تجعله مستبشرا بتسوية إقليميةتستجيب لمطالب ائتلاف اليمين المتطرف الذي يقوده ويحكم إسرائيل؟إن طرح هذا السؤال يكتسي أهمية كبيرة في أعقاب ما كشفه الوزير الإسرائيليالمكلف بالتعاون الإقليمي الدرزي أيوب قرا، من أن السيسي قد اقترح خطةلإقامة دولة فلسطينية في سيناء وغزة تسمح لإسرائيل بالانفراد بالسيطرة علىالضفة الغربية. فرغم نفي نظام السيسي ونفي نتنياهو، فإن الحديث المتواصل عن التسويةالإقليمية يدفع للاعتقاد بأن قرا أطلق -نيابة عن آخرين- بالون اختبار للكشفعن طابع الردود على هذه الفكرة. دلالات الصمت المصري والأردنيوإذا كان لقاء العقبة لم يتطرق لفكرة دولة فلسطينية في سيناء، فإنه يمكنافتراض أن لقاءات سرية أخرى جمعت نتنياهو والسيسي وتمت فيها مناقشة هذهالقضية، حيث إن وسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت إلى أن السيسي طرحها أواخرعام 2014. ومما يضفي صدقيةً على هذه الشكوك حقيقةُ أن صحيفة “معاريف” زعمت في 31مايو/أيار 2016 أن السيسي يبادر بالاتصال على نتنياهو هاتفيا مرتينأسبوعيا!! ومن الواضح، أنه في حال صح ما نقلته “معاريف” فإن وتيرة التواصلالمكثف بين السيسي ونتنياهو تسمح بتناول الكثير من القضايا، وضمنها مستقبلالتسوية. إن ما يثير الاستفزاز والمرارة في آن معا أنه في الوقت الذي انهالت فيهالانتقادات على نتنياهو داخل إسرائيل بسبب إهداره فرصة التوصل إلى تسويةللصراع بظروف خيالية، واتهامه بالتسبب في إطالة أمد الصراع بدون مبرر، فإنالسيسي والملك عبد الله -اللذين كانا شاهديْ عيان على صلف نتنياهو- يلتزمانالصمت. إن عدم تقديم ملك الأردن والسيسي رواية متماسكة لما تم في مؤتمر العقبةيمثل -من ناحية- إسهاما مباشرا في الجهد الدعائي الصهيوني، عبر إتاحةالمجال لنتنياهو لمواصلة الحديث عن “التسوية الإقليمية”. ومن ناحية ثانية، فإن هذا الصمت يضفي صدقية على المخاوف من أن هناكاستعدادا عربيا لتقديم المزيد من التنازلات. إذ من الواضح أنه في حال قدّمالسيسي والملك عبد الله رواية مصدقة لما حدث في لقاء العقبة؛ فإن أحدا فيالعالم العربي والعالم بأسره لن تنطلي عليه مسرحية “التسوية الإقليمية” التي يروّج لها نتنياهو. قصارى القول، وبغض النظر عما دار في لقاء العقبة وما يمكن أن يكون قد دارويدور في لقاءات سرية أخرى عقدت أو يمكن أن تعقد في المستقبل؛ فإن الشعبالفلسطيني -مدعوما بالشعوب العربية الأخرى وعلى رأسها الشعب المصري- لايمكن أن يسمح بتصفية قضيته عبر أنماط التواطؤ التي كشف لقاء العقبة عنبعضها.

الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − 7 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube