https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

المؤلف : لوك باتي

وفق سياساتها التمددية ومبادرة الحزام والطريق التي تربط آسيا بأوروبا، وصولا إلى إستراتيجيتها المعنونة “صنع في الصين 2025” تسعي بكين لإحداث هيمنة سياسية بفعل توظيف السياسات الصناعية والتقنية، داخل مجموعة من الاقتصادات الكبيرة سواء في أفريقيا أو أميركا اللاتينية أو أوروبا.

وإذ تقوم بتوسيع نفوذها داخل النظام العالمي، يخشى كثيرون من أن النفوذ الاقتصادي للصين، المترافق بنموه في مجال الابتكارات التكنولوجية، والقوة العسكرية، سيسمح لها بإعادة تشكيل العالم وفق منظورها.

ورغم نقاط قوة داخل هذا النموذج، فإن الواقع يشكك في إمكانية استحواذ الصين على زمام الأمور دوليا، حيث تدرك كل من الدول الغنية والفقيرة، وكذا الكبيرة والصغيرة، في جميع أنحاء العالم، أن توغل الصين في نسيجها الاقتصادي المحلي مما يجعل استقلاليتها مهددة.

وفي هذا الصدد يأتي عمل لوك زميل أول في برنامج النفط والغاز لأفريقيا بمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة، وهو مستقل تابع لجامعة أكسفورد العريقة، وأيضا باحث أول في المعهد الدانماركي للدراسات الدولية، كما له إصدارات مهمة أحدها كتابه “كيف تخسر الصين: مقاومة الطموحات الصينية العالمية”

يناقش باتي من خلال كتابه -الصادر عن مطبعة جامعة أكسفورد سنة 2021- ما يسميه “أجندة الصين الاقتصادية التوسعية” وأثرها على العمل السياسي، وكذا التوسع العسكري الذي يمكن أن يقوض طموحاتها للسيطرة على الاقتصاد العالمي والشؤون العالمية،.

قام الباحث بعمل ميداني أثناء أسفاره إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية وشرق آسيا وأوروبا، تجسد بمحاورته لعدد من النشطاء ومديري الأعمال والدبلوماسيين والمفكرين من أجل فهم التحديات التي تهدد قوة الصين الصاعدة.

وفي الوقت الذي تتركز النقاشات حول المنافسة الإستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة، فإن دراسة باتي تتجاوز ذلك لتظهر كذلك تفاعلات بقية الدول والقوى الإقليمية مع الطموحات الصينية في العالم:

ويشير الكاتب الى الانشطة الصيتنيو في افريقيا ويؤكد انه

يتم توجيه جزء كبير من انخراط الصين الاقتصادي في أفريقيا نحو عدد قليل من البلدان المختارة.

حيث يذهب أكثر من نصف تمويل الصين -الذي يبلغ قيمته 153 مليار دولار- إلى إفريقيا نحو 5 دول وهي: أنغولا وزامبيا وإثيوبيا وكينيا ونيجيريا. وفي هذا الصدد يجدر الإشارة إلى أن جنوب أفريقيا ونيجيريا يشكلان 30% من تجارة الصين مع أفريقيا. كما تمثل جنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية أكثر من ربع إجمالي الاستثمار الصيني في هذه القارة.

كما تتمتع الصين بسمعة إيجابية في جميع أنحاء أفريقيا. لكن  وفقا لاستطلاع أجري مؤخرا لمقياس أفروالمطبق في 18 دولة أفريقية، فإن معظم دول القارة تفضل نموذج التنمية الأميركي، ويرى المقياس في المقابل أنه لا توجد رؤية مشتركة للصين بأفريقيا.

من المهم أيضا إدراك وجود اختلافات في علاقة الصين داخل البلدان الأفريقية أيضا، وقد تفضل النخبة الأفريقية الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن يوفرها التمويل الصيني، في حين أن السكان المحليين والمجتمع المدني أكثر انتقادا للعواقب الاجتماعية والبيئية لتبعات هذا التمويل.

وسواء كانت التجارة والاستثمار في الصين وتمويل البنية التحتية ينتج عنها نموا إنمائيا دائما بالاقتصادات الأفريقية أم لا، فسيكون اختبارا حاسما للمضي قدما في العلاقة.

    وفيما يتعلق بالشركات الصينية  يقول الكاتب :

تواجه الشركات الصينية المملوكة للدولة والشركات الخاصة قيودا استثمارية جديدة في الاقتصادات المتقدمة. على سبيل المثال، أقر الاتحاد الأوروبي سياسات جديدة لفحص الاستثمار، كما أن الولايات المتحدة واليابان تغلب عليهما نظرة نقدية تجاه عمليات الاستحواذ الصينية على اقتصاداتهما.

هذا يغلق طريقا واحدا للصناعات الصينية لرفع قدراتها التكنولوجية من خلال عمليات الاستحواذ الخارجية. وبالإضافة إلى هذا، فإن تفوق اقتصاد الصين على الاقتصادات الكبيرة الأخرى خلال جائحة كوفيد-19 جعلها تجتذب مستويات كبيرة من الاستثمار الأجنبي، وساهم في التقدم التكنولوجي للشركات الصينية، وهو ما يمكن أن يعزز أيضا الابتكار والنمو في الصين.

 ويؤكد ، إن اعتماد أوروبا الاقتصادي على الصين ليس أمرا حقيقيا. قد تكون الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وتسير بخطى حثيثة لتصبح الأكبر، لكن هذا لا يعني بالضرورة الوصول إلى التجارة الخارجية والاستثمار.

هنا تجدر الإشارة إلى أن نسبة إجمالي تجارة الاتحاد الأوروبي مع الصين 6% فقط.

الصين هي الشريك التجاري الأكبر لألمانيا، حيث تمثل 7% من إجمالي تجارتها، ولكن لديها مستويات مماثلة تقريبا مع الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى. يتمتع كل من الاتحاد الأوروبي وألمانيا بمحفظة تجارية متنوعة. إنهم لا يعتمدون على اقتصاد أجنبي بعينه.

ومع ذلك، من الصعب فصل الشكوك عن الواقع لأن هناك شركات أوروبية كبيرة، مثل فولكس فاغن، التي تستفيد بمستويات عالية من المبيعات والأرباح بالسوق الصينية. إذا كان الاتحاد الأوروبي يقدم تنازلات مرتبطة بسياسته الخارجية، وكذا الدفاع عن معايير وقيم الديمقراطية، فإن هذه القرارات يحركها إما غطاء زائف من التبعية الاقتصادية تجاه الصين أو يكون الدافع وراءها مصالح خاصة.

ويعتقد الكاتب ان  أي دولة في العالم  لا تتخذ النموذج الصيني في التنمية طريقا لها، ومرد ذلك ببساطة يكمن في كونهم لا يتمتعون بنفس الظروف المحلية التي كانت تعيشها الصين في الثمانينيات والتسعينيات، فنحن لا نتملك دولا كثيرة لديها عدد كبير من السكان المؤهلين يصبحون عمالا في المصانع بتكلفة منخفضة، تساعدهم على استغلال الاقتصاد العالمي وإحداث نمو سريع.

قد تنمو الهند بسرعة مذهلة في العقود المقبلة، لكنها ستجد صعوبة في إحداث نمو كبير. قد يلهم نجاح الصين في مجال التنمية الاقتصادية البلدان الأخرى لمضاعفة جداول أعمالها الخاصة بالحوكمة، لكن النموذج الاستبدادي الصيني يعمل أيضا عائقا أمام تقدم بعض أهدافها الاقتصادية والإستراتيجية، مثل ما حدث من تراجع للتوسع العالمي لشركة هواوي وغيرها من التكنولوجيا الصينية.

ثم إن الإكراه الاقتصادي الصيني الأخير ضد اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وتايوان بمثابة تذكير لجيرانها بأن العلاقات مع بكين أصبحت أكثر صعوبة مما كانت عليه السنوات الماضية. كانت نظرة الجيران منذ سنوات عديدة إيجابية تجاه بكين. لكن تصرفاتها الأخيرة تجاههم قوضت سمعتها بين جيرانها الكبار. حتى في الاقتصادات الناشئة والنامية بآسيا، يتزايد شك السكان المحليين تجاه الاستثمارات الصينية، خوفا من توظيف هذه الاستثمارات من طرف بكين ضد مصالح هذه الدول.

    ويؤكد الكاتب ، ان كوريا الجنوبية لم تخضع للضغوط الاقتصادية الصينية، رغم أن بكين أغلقت السياحة الصينية نحو كوريا الجنوبية، كما أن الشركات الكورية تواجه ضغوطا للسماح لها بالعمل في الصين، إلا أن سول مضت قدما نحو تأسيس نظام دفاع صاروخي أميركي على أراضيها. هناك سوء فهم مشابه حول الإكراه الاقتصادي الصيني على أستراليا، التي تمكنت من إرسال الكثير من الصادرات، المطبق عليها عقوبات تجارية صينية، مثل الفحم والشعير، إلى أسواق جديدة. السوق الصينية مهمة بالنسبة لهم، لكن الاقتصاد العالمي كبير ومتنوع.

لم تتأثر العديد من الاقتصادات التي استهدفتها الصين بالعقوبات، وهو ما يشمل كذلك كندا التي تعرضت لعقوبات اقتصادية من الصين. وهنا تجدر الإشارة كذلك إلى أن للصين مصالح أيضا لا ترغب في إزعاجها من خلال ممارسة الكثير من الضغط على شركائها الاقتصاديين.

ويشير الكاتب الى اننا نحن في عالم متعدد الأقطاب حيث سيكون لمصالح القوى الأخرى تأثير أكبر. ستكون الصين لاعبا مهما في المستقبل، لكنها ستحتاج إلى إيجاد طريقة للتعايش مع القوى الكبرى الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والهند. وهنا أريد أن أشير إلى أن الذين يجدون طرقا لتقديم تنازلات والتعاون مع الآخرين سوف يحققون أكبر قدر من النجاح. إذا استمرت الولايات المتحدة والصين في دفع مصالحهما بقوة مفرطة، فسوف تفشلان في تحقيق طموحاتهما العالمية. تحتاج كل من واشنطن وبكين إلى الاعتراف بأنهما غير مؤهلين معا بأن يكونا في قلب الاقتصاد العالمي والسياسي لوحدهما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 + 10 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube