.
في حدث تاريخي لإيذاء الذات، اختار الناخبون البريطانيون مغادرة الاتحاد الأوروبي، ضمن ما عُرِف اختصاراً بمصطلح Brexit، وهو ما سيُلحِق أضراراً بالغة باقتصاد المملكة المتحدة ومصالحها الاستراتيجية، ويُشكِّل ضربة قوية لمشروع التكامل الأوروبي. سينجو الاتحاد الأوروبي من ذلك، لكنه لن يعود كما كان سابقاً، فيما هلّل قادة الأحزاب اليمنية المتطرفة في أوروبا لنتيجة الاستفتاء، وكذا فعل دونالد ترامب، وتسلّل الخوف لحلفاء المملكة المتحدة، فيما تراجعت الأسواق المالية في البلاد وفي مختلف أنحاء العالم.
وباتت كثير من الأمور غير واضحة، بانتظار المفاوضات حول شروط مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد، غير أنّ هناك أمراً واحداً واضحاً بالفعل، أنّ الحملة الإعلانية للخروج من الاتحاد، والتي قامت على فكرة أنّ الاتحاد الأوروبي قد سلب المملكة المتحدة سيادتها، هي حملة زائفة، إذ أظهرت نتائج الاستفتاء أنّ البلد كان يتمتع بالسيادة طيلة الفترة السابقة، وأنّه كان حراً في اتخاذ قرارات كارثية.
الحملة المسمومة
ويمثِّل انتصار الخروج تتويجاً للجدالات المسمومة، رغم أنّ حملة البقاء ضمن الاتحاد كانت مسؤولة عن بعض الانحرافات من تلقاء نفسها –كالادعاء بأنّ الخروج سيكلف الأسر البريطانية 4300 جنيه إسترليني (5000 دولار) في كل عام، ويجعلها أشد فقراً-، فيما استندت حملة الخروج على أكاذيب ووعود فارغة، وزعم أنصارها أنّ مهاجري الاتحاد الأوروبي هم الملامون عن الضغوط التي تعرّضت لها الخدمات العامة في بريطانيا، في حين أنّهم كانوا سبباً بمساهمات صافية لوزارة المالية، بلغت قيمتها 20 مليار جنيه إسترليني (أكثر من 27 مليار دولار) خلال الفترة 2000-2011. وقد غذّت المغادرة ما يعرف بـ الرهاب من الأجانب xenophobia، في إشارة إلى أنّ الاتحاد الأوروبي كان قد فتح المملكة المتحدة أمام طوفان المهاجرين، وأنّه سيسمح قريباً بتدفق ملايين المهاجرين الأتراك إلى بريطانيا. وهذا لم يكن دقيقاً، ففي الواقع، كان للندن سيطرة كاملة على عدد اللاجئين الذين تمّ قبولهم في المملكة المتحدة، فيما تركيا ليست مستعدة بعد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي –كما روّج أنصار حملة المغادرة-، عدا عن أنّه كان لبريطانيا حقّ الاعتراض على انضمامها.
وقد استند قادة معسكر المغادرة على تحفيز النزعة القومية بشكل مستمر، من خلال مقارنة الاتحاد الأوروبي بألمانيا النازية، حيث شهدت بريطانيا حملة موازية للاستفتاء، أطلقها زعيم حزب الاستقلال UKIP ناجيل فيريج Nigel Farage، عبر ملصقه “نقطة الانهيار”، والتي تشبه إلى حد كبير البروبوغاندا النازية من خلال تصويرها عموداً من اللاجئين.
في المقابل، كانت حملة البقاء ضمن الاتحاد حملة باهتة، رغم حديث رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون David Cameron بحماس عن استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، غير أنّه ورفاقه المحافظين المؤيدين للبقاء ضمن الاتحاد يفتقرون إلى المصداقية، بعد سنوات من الضعف عقب ضربات بروكسل. فيما أعلن زعيم حزب العمال جيرمي كوربين Jeremy Corbyn، والمتشكِّك من الاتحاد الأوربي منذ فترة طويلة، أنّه يرى أن فرص البقاء تتمثل في 7 من أصل 10، فيما كشفت استطلاعات الرأي السابقة للتصويت على أنّ ما يقارب نصف مؤيدي حزب العمال غير متأكدين من موقف حزبهم من الاستفتاء.
بضاعة الاتحاد الأوروبي
خسر معسكر البقاء ضمن الاتحاد، رغم تمتّعه بدعم من: النقابات العمالية، وكبار رجال الأعمال، والجامعات والأطباء، وحكومات جميع حلفاء المملكة المتحدة، ومشاهير المجتمع من ديفيد بيكهام David Beckham إلى جيه كيه رولينج J.K. Rowling، وقيادة كل حزب باستثناء حزب الاستقلال. وقد حذّر بنك إنجلترا وصندوق النقد الدولي وغالبية الاقتصاديين من أنّ الخروج من الاتحاد سيُلحِق أضراراً شديدة بالاستثمار والنمو وفرص العمل في بريطانيا، ولم يهتم غالبية المصوتين لذلك. ويبدو ذلك من تصريح مؤيد الخروج ميشيل جوف Michael Gove، حين قال: “أعتقد أنّ الناس في هذا البلد يمتلكون ما يكفي من الخبراء”.
فيما كان معسكر المغادرة مدعوماً بحركة اجتماعية مناهضة للنخب، رغم أنّ الحملة نفسها يقودها نخب من حزب المحافظين، من أمثال محافظ لندن السابق بوريس جونسن Boris Johnson ووزير العدل جوف. كما أنّ المزاج العام المناهض للمأسسة الأوروبية لم يكن موجَّهاً للناخبين الشباب، فالغالبية العظمى من الناخبين دون سن الخمسين قد صوّتت للبقاء ضمن الاتحاد، في حين أنّ من هم فوق سن الخمسين هم من صوتوا لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد. وهو ما دفع لشعور كثير من الناخبين الشباب بالإحباط، وبأنّ حنين كبار السن للماضي قد سلبهم مستقبلهم الأوروبي.
وأكثر من أي شيء آخر، كان التصويت للمغادرة تصويتاً موجّهاً ضد الهجرة، حيث كشفت الأيام الأخيرة من الحملة وبشكل صارخ أكثر من أي وقت مضى، أنّ المعارضة المركزية للهجرة كانت عماد حملة المغادرة. وأظهر استطلاع أولي أنّ ما يقارب ثلاثة أرباع المصوتين يرون أنّ قضية الهجرة هي أهم قضية تواجه بريطانيا، وأنّهم يفضلون الخروج من الاتحاد بسببها، في حين أنّ من يرون أن القضايا الاقتصادية هي الشاغل الرئيس قد دعموا البقاء ضمن الاتحاد.
في اليوم التالي من التصويت، استيقظ البريطانيون –الذين لم يحصلوا على أي قسط من النوم- على مشهد إعلان كاميرون بأنّه سيتنحى عن منصب رئيس الوزراء في توقيت مؤتمر حزب المحافظين في تشرين الأول/أكتوبر القادم، رغم أنّ كاميرون كان قد وعد أصلاً بالبقاء بغض النظر عن النتيجة. وسواء حلّ بوريس جونسون Boris Johnson مكانه أم لا، فمن الواضح أنّ القيادة الجديدة ستكون من ضمن جناح الخروج من الاتحاد في حزب المحافظين. وعليه يكون كامرون قد خسر مقامرة حياته، بعد أن دعا إلى الاستفتاء على أمل تهميش حزب الاستقلال والجناح المعارض للاتحاد الأوروبي ضمن حزبه، قائلاً إنّه سينهي مراسم تسليمهم السلطة في نهاية المطاف. في حين أنّ حزب العمال في حالة اضطراب كذلك، حيث يواجه كوربين Corbyn تحدياً على زعامة الحزب من المقاعد الخلفية للحزب.
غير أنّ الانقسامات داخل حزبي المحافظين والعمال هي أضعف مخاوف المملكة المتحدة حالياً، مع هبوط الجنيه الإسترليني إلى أدنى قيمة له منذ عقود، وتهاوي أسواق المال في جميع أنحاء العالم، وتخطيط مؤسسة ستنادرد آند بورز إلى تخفيض تصنيف المملكة المتحدة وتجريدها من وضع AAA، عدا عن أنّ العواقب الاقتصادية على المدى القصير الناجمة عن الخروج من الاتحاد الأوروبي باتت واضحة بالفعل، في حين تبقى العواقب الاقتصادية والسياسية على المدى الطويل أكثر غموضاً، ويحتمل أن تكون مثار القلق أكثر من سواها.
كما استيقظ الناخبون على مملكة مفككة: إذ كشفت خريطة الاستفتاء انقساماً حاداً مع تصويت اسكتلندا وإيرلندا الشمالية ولندن لصالح البقاء في الاتحاد بأغلبية ساحقة، في حين صوت باقي إنجلترا لصالح المغادرة. وأعلن القادة الاسكتلنديون مباشرة بأنّه لا ينبغي انسحاب بلادهم من الاتحاد الأوروبي وفقاً لتصويت الناخبين البريطانيين ضدّ إرادتهم، داعين إلى استفتاء آخر على استقلال اسكتلندا. وفي شمال إيرلندا أيضاً، دعا قادة حزب الشين فين للتصويت على مغادرة المملكة المتحدة وللدخول في اتحاد مع جمهورية إيرلندا.
وحيث بدأت المملكة المتحدة بالشعور بالمصاعب الاقتصادية لخروجها من الاتحاد الأوروبي، والتفكير الجدي بتفكك محتمل لها، فمن الممكن أن يبدأ بزوغ مشهد لمؤيدي الخروج، يوحي بأنّ حملة الخروج قد باعتهم بضاعة زائفة. حتى قبل تناول وجبة الإفطار في الصباح التالي للتصويت، أعلن فريج Farage أنه ارتكب خطأً حين صرح بأنه من الممكن توفير مبلغ 450 مليون جنيه إسترليني على المملكة لمتحدة لصالح دائرة الصحة الوطنية عوضاً عن دفعها لخزانة الاتحاد الأوروبي (فقد هذا الرقم مصداقيته على نطاق واسع). وأوضح عضو حملة الخروج وعضو البرلمان الأوروبي دانييل هنان Daniel Hannan للناخبين، بأنّ الخروج من الاتحاد الأوروبي قد لا يعني نهاية الهجرة الأوروبية إلى بريطانيا، وعوضاً عن ذلك، فإنّ الحكومة ستمتلك السيطرة من الآن على كل من يأتي، ولن يتمتع المهاجرون بحقوق مواطني الاتحاد الأوروبي. في نهاية المطاف، فإنّ مصوتي الخروج عبّروا عن غضبهم على انعدام الأمن الاقتصادي، وانخفاض مستوى المعيشة، وستكشِف التخفيضات الأخيرة في الخدمات العامة أنّ التغيرات البنيوية في الاقتصاد وفي سياسات حكومة المحافظين –وليس الاتحاد الأوروبي أو المهاجرين- كانت جذور تلك المشاكل.
في مأزق؟
من الناحية القانونية، فإنّ نتيجة الاستفتاء غير ملزمة للحكومة، لكن من الناحية السياسية، سيكون من المستحيل عملياً تجاهل نتيجة الاستفتاء من قبل الإدارة الجديدة التي ستحلّ محلّ كاميرون. وبعبارة أخرى، فإنّ المملكة المتحدة ستحدِّد قريباً إجراءات مغادرة الاتحاد الأوروبي.
وقد وضعت معاهدات الاتحاد الأوروبي إجراءات واضحة /المادة 50/ للدول التي ترغب بمغادرة الاتحاد، ووفقاً لها، فإنّ على المملكة المتحدة إبلاغ المجلس الأوروبي عن نيتها مغادرة الاتحاد، وهو ما سيُطلق عملية تفاوض حول ذلك تستمر لمدة عامين أو أكثر، في حال وافقت جميع الدول الأعضاء على تحديد شروط الانسحاب. وقد أعلن كاميرون بعد الاستفتاء مباشرة بدء إجراءات /المادة 50/، غير أنّه في إعلان استقالته، أعلن أنّ تنفيذ /المادة 50/ سيبدأ مع خليفته في الخريف المقبل. في حين يأمل نشطاء حملة الخروج بتجنب تلك الإجراءات (ومنها تجنب مصادقة البرلمان الأوروبي على أية صفقة قد تعقد)، والتفاوض بشكل غير رسمي مع الاتحاد الأوروبي. غير أنّ زعماء الاتحاد الأوروبي اتخذوا موقفهم بشكل قاطع: على المملكة المتحدة أن تتّبع إجراءات /المادة 50/، وعليها أن تبدأ ذلك في أقرب وقت ممكن.
لا يستطيع أحد أن يتنبأ بنتائج تلك المفاوضات، عدا عن أنّ حملة المغادرة كانت غامضة بشأن ذلك، غير أنّ هناك خيارات محدودة حولها، وذلك بمعالجة كل إشكالية تعترض طريقها. فأولاً: إن كانت المملكة المتحدة ترغب بالاحتفاظ بوصول كامل إلى كل السوق الأوروبية الواحدة، فإنّ عليها اتباع الخيار النرويجي وأن تختار التعامل مع المنطقة الاقتصادية الأوروبية EEA، وهو ترتيب موجود يربط بعض دول الجوار بالسوق الأوروبية الواحدة. وهناك طريقة أخرى، حيث يمكن للمملكة المتحدة اتباع النمط السويسري من خلال إنشاء اتفاق ثنائي مع الاتحاد الأوروبي على غرار ترتيبات المنطقة الاقتصادية الأوروبية.
ولكن في هذه النماذج، فإنّ على المملكة المتحدة حتى تحصل على حرية الولوج إلى السوق الأوروبية، أن تسمح بحرية انتقال العمالة، والمساهمة في ميزانية الاتحاد الأوروبي، واتباع لوائح التنظيم الأوروبية، وهي أمور وعد أنصار حملة المغادرة بإنهائها عقب الخروج من الاتحاد. وباختصار، فإنّ المملكة المتحدة ستظل خاضعة لقواعد السوق الواحدة، ولكنها ستفقد أي دور في صياغة محدداتها. في المقابل، إن اختارت المملكة المتحدة مغادرة السوق الأوروبية نهائياً، فإنّه بإمكانها اتباع نمط التجارة مع الاتحاد الأوروبي كأي بلد آخر عضو في منظمة التجارة العالمية (خيار منظمة التجارة العالمة WTO). لكن في هذا الخيار، ستواجه المملكة المتحدة رسوماً جمركية وحواجز عديدة غير جمركية على التجارة مع الاتحاد الأوروبي، وبالنظر إلى أن 44% من الصادرات البريطانية تذهب إلى السوق الأوروبية، فإنّ مثل هذه النتيجة ستُلحِق أضراراً كبيرة بالاقتصاد البريطاني.
فيما سيواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطاً متناقضة في عملية التفاوض مع المملكة المتحدة. فمن ناحية، ونظراً لحجم وأهمية الاقتصاد البريطاني، سيرغب الاتحاد الأوروبي بالاحتفاظ بعلاقات تجارية حيوية، ومن شأن ركود عميق داخل بريطانيا معزولة اقتصادياً أن يصيب القارة الأوروبية كذلك. ومن ناحية أخرى، يحتاج الاتحاد الأوروبي لصياغة صفقة قاسية مع بريطانيا؛ لإحباط أي تطلع لأعضاء آخرين للانسحاب من الاتحاد، وعليه أن يرسل إشارة قوية بأنّ للخروج عواقب مكلفة، وذلك كما عبر عنه جان كلود يونكر Jean-Claude Juncker، عشية الاستفتاء: “خارجاً أي خارجاً”.
عقب الخروج من الاتحاد الأوروبي
تبقى عواقب الخروج البريطاني أعظم من المشاكل الأخرى التي تقلق الاتحاد الأوروبي: مشاكل اقتصادية ونقدية، اللاجئين، التراجع الديمقراطي في الشرق. حيث انخفض دعم الاتحاد الأوروبي إلى أدنى مستوياته، وهلّل قادة اليمين المتطرف لانتصار الخروج من الاتحاد، من ماريين لوبان Marine Le Pen في فرنسا إلى جيرت فيلدرز Geert Wilders في هولندا، داعين إلى استفتاء خاص بهم كذلك، ورغم المخاوف المتصاعدة من احتمال تفكك مفهوم الاتحاد الأوروبي، إلا أنّه من المرجّح أن يظلّ متماسكاً.
وسيُشكِّل الخروج البريطاني ضربة كبرى للهيبة الدولية التي حظي بها الاتحاد وزعزعة للثقة بما تبقى من المشروع الأوروبي، وقد يستفيد قادة الاتحاد الأوروبي من ضغط الشعبويين ومن الدروس المستخلصة من خروج بريطانيا، عن طريق وضع مزيد من القيود على الوصول إلى المنافع الاجتماعية أمام المهاجرين في الاتحاد الأوروبي. وفي الواقع، فإنّ هناك دعماً متزايداً لمثل هذه الإجراءات من مختلف الأطياف السياسية في ألمانيا. وإن كان الاتحاد الأوروبي يتطلّع لاستعادة مكانته، فعلى قادته أيضاً السيطرة على أزمة اللاجئين، والابتعاد عن الترويج لفكرة التقشف، والتي كانت بمثابة تدمير ذاتي للاتحاد ولم تحظَ بدعم شعبي في معظم أنحاء أوروبا. وفي نهاية المطاف، فليس من المرجّح أن تغادر دولة أخرى الاتحاد، فبالنسبة لأولئك الذين هم أعضاء في منطقة اليورو، فإنّ الخروج منها سيكون مكلفاً للغاية، فيما يعتمد الأعضاء الجدد في أوروبا الشرقية على تمويل الاتحاد الأوروبي بشكل كبير، ما يجعلها تفكر ملياً قبل الخروج من الاتحاد. ويبقى احتمال الخروج قابلاً للتصور في حالتي السويد والدنمارك فقط، إلا أنّه يبقى غير مرجح، حيث ما زالت الأغلبية الكبرى في البلدين تعتقد أنهم بحال أفضل داخل الاتحاد من خارجه.
علاوة على كل ما تقدّم، لن يتفكّك الاتحاد الأوروبي بل سيستمر رغم كل المشاكل الحالية، وكما غرد بيتر ألتماير Peter Altmaier كبير موظفي طاقم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: “إنّه أفضل ما حدث لنا خلال أكثر من 200 عام”. ففي حال لم يقم الاتحاد الأوروبي، فإنّ القادة الأوروبيين كانوا سيسعون لإيجاد شيء مماثل له. وبالتأكيد، فإنّ الكثير من سياسات ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، والصدوع التي تشهدها أنظمة منطقتي اليوور والشنغن، بحاجة إلى الإصلاح (إصلاح من خلال حظر بعض الحكومات). ورغم كل هذه العيوب، فقد قام الاتحاد الأوروبي بدور رئيس في تعزيز السلام والازدهار والديمقراطية في جميع أنحاء أوروبا لأكثر من ستة عقود. ورغم أنّ الناخبين محبطون من الاتحاد الأوروبي، إلا أنّ أغلب مسبِّبات إحباطهم تنبع من حكوماتهم الوطنية، فيما تستمر الأحزاب السياسية الرئيسة في جميع أنحاء أوروبا بالالتزام العميق بالاتحاد الأوروبي، ويمكننا أن نتوقع تأكيداً من القادة الأوروبيين على هذا الالتزام في الأيام المقبلة. في المقابل، لطالما كانت المملكة المتحدة عضواً متردداً في الاتحاد، وكان لها بمثابة زواج مريح بأوروبا، وليساً حباً. حيث تردّدت بالانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية منذ البداية، وألحّت على خيار البقاء خارج منطقة اليورو ومنطقة حرية الحركة (شنغن). وابتعدت عن الاتحاد لسنوات، حتى سعى شركاؤها الأوروبيون لقبولها، فيما دعم مواطنو الاتحاد بقاء المملكة المتحدة فيه بأغلبية ساحقة، كما فعل قادتهم