https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png
الكاتب:ياسر عبد الحسين،
الكتاب الذي صدر مؤخرا بعنوان: «السياسة الخارجية الإيرانية: مستقبل السياسة في عهد الرئيس حسن روحاني». للدكتور ياسر عبد الحسين، تزامن بشكل وثيق مع التطورات التي حدثت في الأيام الأخيرة من المفاوضات النووية بين أمريكا ودول (E5 +1) والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ففضلا عن ان هذا الكتاب الصادر عن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر» في بيروت يوضح الأرضية التي ساهمت في التوصل إلى اتفاق بين الجانبين، رغم الصعوبات، فانه يكشف عن تأثير رئيس الجمهورية الإيراني حسن روحاني المباشر في انجاح هذه المفاوضات بسبب خلفيته الشخصية المؤمنة بالحوار وخبرته الطويلة في شأن المفاوضات النووية وغيرها، وعلاقته الجيّدة نسبيا بمرشد الثورة الإيرانية آية الله علي الخامنئي وبشخصيات ومؤسسات فاعلة في النظام الإيراني، فضلا عن فوزه الساحق في الانتخابات الرئاسية واختياره احمد جواد ظريف وزيرا لخارجيته.
فروحاني، حسب الكتاب، ترأس وفد المفاوضين الإيرانيين في المحادثات مع الغرب فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني من عام 2003 إلى 2005 وقام وفريقه بتهيئة الأرضية المناسبة لفتح الآفاق للتفاوض النووي الإيراني مع المانيا وفرنسا وبريطانيا في طهران وبعد ذلك في بروكسل وجنيف وباريس وقد أعتمد سياسة بناء جسور ثقة مع الغرب. ورغم تعليق البرنامج النووي عدة مرات، فان روحاني أبعد بلاده عن دفع ثمن باهظ لطموحها النووي. ومع وصول محمود أحمدي نجاد إلى كرسي الرئاسة، عام 2005، لم يتوافق روحاني وسياسات الحكومة الجديدة فاستقال من منصبه كأمين عام لمجلس الأمن القومي. ولدى ترشحه للرئاسة، طرح شعارات تنادي بانقاذ الاقتصاد الإيراني الذي تدهور نتيجة للحظر الغربي المفروض على بلده بسبب البرنامج النووي ودعا إلى الاعتدال في التعامل مع الخارج، كما فعل من قبله الرئيسان السابقان محمد خاتمي والهاشمي رفسنجاني، بيد انه قدّم نفسه كمرشح مستقل.
وقد ركزّ روحاني، حسب المؤلف، في برنامجه الانتخابي الرئاسي على ما اعتبره «أخطاء حكومة المحافظين في ظل رئاسة أحمدي نجاد» سواء في تعاملها المتشدد مع الخارج في المفاوضات النووية أو في الداخل مع خصومها أو في معالجة الاقتصاد المنهك بسبب عقوبات الغرب.
ويعتبر روحاني، حسب الكتاب، ان التشدد في السياسة الخارجية يعزل إيران أكثر فأكثر عن العالم وبالتالي يحقق أهداف أعدائها. كما سعى ويسعى إلى التقليل من حدّة الصراع والتوتر في علاقة بلاده مع الولايات المتحدة، وفي كل العلاقات الثنائية والإقليمية التي تقيمها الجمهورية الإسلامية مع باقي دول المنطقة والعالم.
ويؤكد المؤلف ان روحاني يعارض تصعيد التوتر في علاقة إيران مع دول الجوار التي تطوّقها وعلى العكس، فهو دعا ويدعو إلى تطوير العلاقات والتركيز على المصالح الاقتصادية والتجارية والاستثمار مع الدول الـ 15 المحيطة بإيران ومن ثم الارتقاء بهذه العلاقات إلى مستوى أعلى.
ويوضح الكاتب انه لا يمكن تصنيف روحاني بانه من الحمائم إلى درجة قصوى، فبالاضافة إلى تمسّكه باستمرار البرنامج النووي الإيراني للأهداف السلمية فقد امتدت خبرته إلى القطاع العسكري، فقد كان عضوا في مجلس الدفاع الأعلى أثناء الحرب العراقية- الإيرانية، وتقلّد مناصب عسكرية في تلك الحرب منها قائد الدفاع الجوي الإيراني (1986-1991) ونائب القائد العام للقوات المسلحة (1988-1989) ونال أوسمة عسكرية عديدة عندما كان رئيس الجمهورية في تلك الفترة المرشد الأعلى الحالي للثورة السيد علي الخامنئي. وقد عيّنه الخامنئي آنذاك ممثلاً له في مجلس الأمن القومي الذي ترأسه روحاني ما بين العامين 1989 و2005، هذا بالإضافة إلى تقلده مناصب عليا جدا في أعلى المجالس القيادية في البلد (مجالس الخبراء وتشخيص النظام، الأمن القومي ومركز الدراسات الاسترتيجية).
ويعتبر الكاتب ان هذه المناصب تؤكد قدرة روحاني وكفاءته في المجال المؤسساتي وتزيل أي شك في العلاقة الحسنة بينه وبين المرشد الأعلى ومع مؤسسة المرشد.
ومنصب روحاني في مجلس الأمن القومي استمر في عهد الرئيسين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي وأحتل منصب كبير المفاوضين النوويين في ظروف حساسة جدا بين عامي (2003-2005) في الحقبة التي شهدت حرب الخليج الثالثة، أي احتلال أمريكا للعراق وتهديد الرئيس جورج بوش الابن بضرب إيران واعتباره اياها جزءا من «محور الشر».
ولعله من اللافت ان روحاني تسلم منصبه في مجلس الأمن القومي بعد انتهاء أزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران التي بدأت في تشرين الثاني/نوفمبر 1979 وانتهت بعد ذلك باربعة عشر شهرا. وبالتالي، فقد استطاع منذ بداية توليه هذا المنصب الحساس تخفيف حدة المواقف الإيرانية المعادية للغرب وخصوصا بعد ذلك في البرنامج النووي. ويعتقد الكاتب ان نجاحه في التفاوض يعود بشكل أساسي إلى عمله على تجميد بعض الأنشطة النووية كاجراء مهم لكسب الثقة من دون التنازل عن حق إيران في التخصيب وحقّها في الإستخدام السلمي للطاقة النووية. وسعى روحاني، حسب الكاتب، إلى التعامل بشفافية مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ووفقًا للمبادئ والمواثيق الدولية وعلى تهيئة التسهيلات الضرورية للإشراف على نشاطات إيران النووية السلمية. ولكن انفتاحه هذا توقف بعد انتخاب احمدي نجاد رئيسا عام 2005 فاستقال من منصبه. ولكنه عاود تطبيق سياساته بعد انتخابه رئيسا للجمهورية.
اما بالنسبة إلى سياسة إيران الخارجية الاقليمية، فقد سعى روحاني، حسب المؤلف، إلى اعتماد سياسة وسطية وخصوصا في موضوعات الشرق الأوسط، ودعا بشكل حثيث إلى تفعيل الحوار الداخلي في سوريا والبحرين والعمل على مواجهة النزاعات التي تغذّي العنف والتطرف وإقامة علاقات عادلة مع دول الجوار وإنشاء حوار مع دول العالم على أساس الإحترام المتبادل والقواعد المنطقية والمقبولة للشعوب.
ويدعو روحاني، حسب الكتاب، إلى اعتماد «القوة الناعمة» في التعامل مع العالم، اي نشر الرسالة الإيرانية الثقافية المشتركة التي تجمعها بالمجتمعات الأخرى عبر وسائل الإعلام (كتب، تلفزيون، سينما، انترنت) ولكن مع التشديد على استمرار الدعم للقضايا الإسلامية والعربية العادلة، وخصوصا القضية الفلسطينية، وتجنّب التبعية للغرب التي انتشرت في عهد شاه إيران، إذ ان الثورة الإسلامية في إيران حوّلت البلد من تابع إلى ندٍّ لأمريكا وللكيان الإسرائيلي في غرب آسيا وشمال أفريقيا والعالم الإسلامي الأوسع، حسب الكاتب.
ويبقى السؤال مطروحًا: ماذا لو تبدّلت علاقة رئيس الجمهورية الإيراني الحالي بمرشد الثورة الذي يمثل أعلى سلطة في إيران والذي تقع تحت سلطته الأجزاء الأساسية من قرارات السياسة الخارجية الإيرانية بشكل مباشر؟ حاليا، الوضع جيد في علاقة خامنئي بروحاني. وتُطرح اسماء معتدلة للحلول مكان خامنئي في حال مرضه أو وفاته، ولكن ماذا لو جاء مرشد مختلف التوجّه وأكثر تشدّدًا؟
كما يُطرح السؤال أيضا هل سيستمر توجّه إيران الحالي في سياستها الخارجية كما هو في ظل قيادة روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف إذا انتقلت السلطة التنفيذية في إيران إلى مجموعة محافظة ومتشددة؟ وماذا لو لم تنفذ أمريكا والدول الغربية تعهداتها بالنسبة إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران بعد الاتفاق النووي، إذا انتخب رئيس أمريكي جمهوري متشدد؟
هذه أمور لم يطرحها هذا الكتاب وجاءت خاتمته متفائلة إلى أقصى الدرجات، إذ توقع الكاتب ان يترسّخ الحلف الإيراني في المنطقة مع سوريا والعراق ولبنان، ورأى استمرارا للحلول الإيرانية الدبلوماسية إقليميا وعالميا، وعودة العلاقات الطبيعية الإيرانية مع اوروبا وبريطانيا بشكل خاص واستمرارا لالتزام إيران في دعمها للقضية الفلسطينية وعدم توقف الحوارات المباشرة بينها وبين الغرب، وتحسن علاقاتها مع دول الخليج العربي. كما توقع استقرار الوضع الداخلي الإيراني وإعادة الاعمار في البلاد وتكثّف الاستثمارات الخارجية فيه.
وماذا لو اشتدت حدة أزمة اليمن وتصاعدت الحرب فيها ودخلت إلى ساحتها دول أخرى؟ فهل ستؤثر هذه التفاصيل على أجواء التفاؤل التي يتحدث عنها الكاتب، وهل ستقف إيران موقف المتفرج؟ كما تُطرح تساؤلات أخرى، عما سيكون موقف إيران إذا استمرت الضغوط على سوريا ومحاولات تغيّير نظامها أو تقسيمها أو سياسات تغيير الحدود والنفوذ والتحالفات في المنطقة عموما؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 + 18 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube