https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

تحرير :   إليك غراورت- زينب ابو المجد   

تُعدّ ظاهرة عمل الجيوش النظامية والمجموعات المسلحة في النشاطات الاقتصادية ظاهرة قديمة، حيث يتصرف بعض العسكريين مثل رجال أعمال؛ فيسعون لتحقيق أرباح مادية لذاتهم أو لمؤسساتهم. وهذا أمر معهود عبر تاريخ الجيوش المختلفة، وكان لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نصيب وافر من هذه الظاهرة خلال العقود الماضية، من بينها مصر وتركيا وإيران وباكستان والسودان وسورية واليمن وليبيا والأردن. وتمثل هذه البلدان محور التحليل في هذا الكتاب.

يركز الكتاب في تحليله هذه الظاهرة على موضوعين رئيسين: أولًا، تطور ظاهرة العلاقات الاقتصادية للجيوش النظامية، والكيفية التي تكيّفت بها المؤسسات العسكرية في الدول المختلفة مع التغيرات السياسية والاقتصادية المحيطة بها، حتى أصبحت لهذه الظاهرة صفة الاستدامة في هذه البلدان. وثانيًا، ظاهرة التنظيمات المسلحة التي برزت في دول، مثل ليبيا وسورية واليمن بعد الثورات العربية، إضافة إلى قوات الدعم السريع في السودان.

كثيرًا ما تتعامل البحوث والدراسات مع الجيش بوصفه إحدى مؤسسات الدولة التي تؤدي دورًا فاعلًا في رسم السياسة في الدول غير الديمقراطية. لكن، يتعامل هذا الكتاب مع المؤسسة العسكرية بوصفها “مؤسسة اجتماعية” تنشأ وتتطور في سياق اجتماعي محدد، تؤثر فيه وتتأثر به، على نحوٍ يؤدي إلى نشوء شكل محدد من “الترتيب/ النظام” بين هذه المؤسسات المختلفة. وتختلف هذه المقاربة البحثية عن البنائية والمؤسسية، وتعتبر الموارد المتاحة للمؤسسة العسكرية نقطة التمييز الرئيسة بين هاتين المقاربتين. ففي المقاربة البنائية هناك افتراض يعتبر أن الموارد المتاحة للمؤسسة العسكرية تحدّد بالضرورة المسار الذي تسير فيه الجيوش؛ أما في المقاربة المؤسسية، فهناك تجاهل لهذه الموارد على حساب التركيز على سلوك المؤسسة كلها وتصرفاتها. لكن، يقترب هذا الكتاب، بحثيًا، أكثر، من خلال التركيز على المؤسسة العسكرية داخل السياق الاجتماعي، ليطرح أسئلة من قبيل: كيف أدت المؤسسة العسكرية دورًا في التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في بلدانها؟ وكيف تفاعل الجيش أو الجماعات المسلحة مع هذه التغيرات؟

لهذا الكتاب ميزة إضافية؛ إذ يقدم قراءة معمقة لظاهرة نشاطات الجيوش الاقتصادية، من خلال دراستها داخل أنظمة سياسية ذات طبيعة مختلفة، وفي سياقات سياسية واجتماعية متباينة، لكنها تقع كلها في نطاقات جغرافية وإقليمية متقاربة، هي دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتتيح هذه الميزة إجراء مقارنات بين الدول المختلفة، والتركيز على العوامل المتشابهة والمختلفة بينها.

مع ذلك، فإن أحد التحديات عند مراجعة كتاب جماعي، مثل الذي بين أيدينا، هو كيفية الربط بين دول لها سياقات سياسية واجتماعية متباينة، حيث يمكن عرض الظاهرة محل البحث من زوايا نظر مختلفة، من دون أن يكون ذلك على حساب أي من الحالات الدراسية التي دُرِست. لذلك، لن يكون محور هذه المراجعة تركيزها على تقديم الحالات الدراسية للبلدان المختلفة، حالة تلو حالة، بل على ظاهرة نشاطات الجيوش الاقتصادية وعلى تجلياتها المختلفة في الدول محل الدراسة، وعلى محاولة إيجاد عوامل التشابه والاختلاف داخل هذه السياقات. وإذا كان مستوى التحليل في فصول الكتاب هو مستوى الدولة أو القُطر، حيث ركّز كل باحث/ باحثة (من مؤلفي الكتاب) على حالة دراسية/ دولة، فإن مستوى التحليل في هذه المراجعة سيكون هو الإقليم كله، حيث يصبح التركيز على الكيفية التي تموضعت فيها هذه الظاهرة داخل الإقليم وتتبّع مراحل تطورها، وأهم الخصائص التي تميزها. وبناء على هذا الشكل، تتحول فصول الكتاب إلى المصدر الذي من خلاله يتم إعادة النظر إلى الظاهرة كلها على مستوى إقليمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 2 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube