https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

أصبحت القمم التي عقدها الرئيس دونالد ترامب مع زعيم كوريا الشمالية كيمجون أون في سنغافورة، ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي، ومعمجموعة السبع في كيبيك، ومع الحلف الأطلسي في بروكسيل؛ من الماضي. وهناك محادثات بشأن عقد قمة أخرى بين ترامب وبوتين في واشنطن العاصمة؛ فبعدمرور 30 عاما على نهاية الحرب الباردة -التي دامت أربعة عقود وشهدت حوادثخطيرة- استأنف رؤساء أميركا ونظراؤهم في الاتحاد السوفياتي عقد قممهمالرفيعة المستوى. وينبغي معرفة أن كلمة “قمة” ليست دقيقة في معناها؛ إذ قد تُقصد بهاالاجتماعات الرفيعة المستوى بين الأصدقاء وكذلك بين الأعداء. وقد تكونالقمم ثنائية الأطراف أو متعددة الأطراف. وليست هناك أية قواعد متفق عليها بالإجماع تحدد متى يصبح اجتماع ما قمة. وعلاوة على أي شيء آخر؛ يحمل المصطلح دلالات تتعدى كونه يشير إلى اجتماععادي فقط. والسبب الرئيسي وراء استئناف تلك القمم هو كونها المقاربة المفضلة لدىترامب في نشاطاته الدبلوماسية، وليس صعبا شرح سبب ذلك. فدبلوماسية ترامبتتخذ بعدا شخصيا، وهو يؤمن بفكرة (رغم كونها مثيرة للجدل) أن العلاقات بينالأفراد قد تشكل العلاقات بين الدول التي يتزعمها، حتى لو تطلب الأمر تخطيالاختلافات السياسية الكبيرة بينها. إن ترامب بارع في التمثيل أكثر من قيادة دولة ويتقن الاحتفال أكثر منالسياسة. وهو يحب عقد المؤتمرات لعدة أسباب ذات صلة؛ فهو يثق في قدرته علىالقيادة، أو على الأقل النجاح في ذلك. فقبل التحاقه بالبيت الأبيض؛ أمضىترامب معظم حياته المهنية في العقار، حيث كان دائما يحصل على ما يريده فياجتماعات صغيرة مع شركائه أو منافسيه. وأضاف ترامب العديد من الأشياء إلى الصيغة التي تُعقد بها القمم؛ فعادة ماتدرج القمم في جدول الأعمال بعد أشهر عدة -بل حتى بعد سنوات من التحضيربدقة- من طرف مسؤولين على مستوى منخفض. وكانت هذه القمم تحد من الخلافات أوتنهيها، كما أنها كانت تحرر بشكل محكم. كما كانت الاتفاقيات والبيانات تناقش بشكل جزئي أو بشكل كامل، ويكونالأطراف على استعداد لتوقيعها. كانت هناك إمكانية أخذ ورد، لكن احتمال وقوعالمفاجآت كان صغيرا، كما أنها كانت فرصة لإعطاء شكل نهائي لما تم الاتفاقعليه مسبقا. لكن ترامب يقوم بعكس ذلك؛ فهو يرى أن القمة محرك أكثر من كونها سِبِنْسَة،إذ كانت التحضيرات لقمتيْ كيم وبوتين قليلة جدا. ويفضل ترامب الجلساتالمنتظمة التي تنتهي باتفاقيات غامضة كما حدث في سنغافورة، أو تلك التيتنتهي دون أي اتفاقية كما وقع في هلسنكي. وتشكل هذه المقاربة العديد من المخاطر؛ إذ قد تنتهي بتبادل الاتهامات وعدمالوصول إلى أي اتفاق. وهذا ما شهدته باستمرار الاجتماعات التي عقدها ترامبمع الحلفاء الأوروبيين لأميركا، وسيطرت عليها انتقادات ترامب لما تقوم بهأوروبا بشأن التجارة، أو ما لا تقوم به بخصوص إنفاقها على الدفاع. وعلاوة على ذلك؛ قد تبدو قمة اتفاقية لم توثّق ناجحة في البداية، لكن الوقتأثبت أن ذلك ليس صحيحا. وهذا ما حدث في قمة سنغافورة؛ إذ تم تداول حديث عنانتهاء القمة باتفاق تلتزم كوريا الشمالية بموجبه بالتخلي عن الأسلحةالنووية، لكن ذلك مناقض تماما للواقع الذي يقول إن كيم لا ينوي التخلي عنأسلحته النووية أو صواريخه الباليستية. وهناك احتمال أن تكون قمة هلسنكي أسوأ حالا، حيث لم تنته القمة بأي اتفاقمكتوب (هذا إن كانت تمت مناقشة أي اتفاق أصلا) خلال المحادثات التي دامتساعتين بينه وبين بوتين. والخطر الثالث الذي تشكله القمم التي تنتهي باتفاقيات مبهمة أو بدونها هوأنها تخلق عدم الثقة مع الحلفاء وعلى المستوى المحلي أيضا. فقد لاحظت كورياالجنوبية أن مصالحها كانت مهددة في قمة سنغافورة، وتخاف دول حلف شمالالأطلسي أن توضع مصالحها جانبا في قمة هلسنكي. ورغم محاولة الكونغرس -بل وحتى المجلس التنفيذي- معرفة ما تمت مناقشته؛فإنه يستحيل القيام بمتابعة فعالة. وستصبح الإدارات المستقبلية أقل التزاماباتفاقيات لا تعرف شيئا عنها، مما يجعل الولايات المتحدة الأميركية أقلتناسقا وأقل ثقة. وقد زاد ترامب من هذه المخاطر بكونه يميل إلى الجلسات الانفرادية دون أخذالنقط، وهذا ما وقع في كل من سنغافورة وهلسنكي. ولا يمكن الاستغناء عنالمترجمين الفوريين في مثل هذه اللقاءات، ولا ينبغي على المترجمين ترجمةالكلمات فقط، بل حتى نبرات الصوت للتعبير عما قيل. لكن المترجمين ليسوا دبلوماسيين ليعرفوا متى يتطلب خطأ ما تصحيحا أو تبادلالاتصالات للتوضيح. إن عدم توثيق ما قيل وما اتفق عليه سيسبب خلافات بينالأحزاب وغيابا للثقة لدى من لم يحضروا الاجتماع. وللتوضيح، فإن المشكل ليس في القمم في حد ذاتها؛ فقد أوضح التاريخ قدرة هذهالقمم على حل الأزمات والخروج باتفاقيات من شأنها رفع مستوى التعاون والحدمن خطر المواجهة. إلا أن توقع الكثير من عقد القمم أمر خطير، خاصة في غيابالاستعدادات أو المتابعة الكافية. وفي هذه الحالات؛ تزيد القممُ احتمالَ فشل الدبلوماسية، مما يسبب عدمالاستقرار على المستوى الجغرافي عوض تخفيف حدته. وفي وقت يتعرض فيه السلموالرفاهية العالميان للخطر؛ فإن هذا هو آخر ما نحتاج إليه .

بروجيكت سينديكيت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − 10 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube