https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

من الواضح أن القرار الذي اتخذته وزارة الدفاع الأميركية (فيأبريل/نيسان الماضي) بإسقاط قنبلة الدفع الهوائي الهائلة الحجم (مواب – MOAB) والتي تزن 11 طنا، على أحد معاقل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فيأفغانستان؛ لا يعكس سياسة متماسكة لمكافحة الإرهاب. فكما أشار العديد من المعلقين، كان ذلك مجرد حالة أخرى من إستراتيجياتاستيعاب التكتيكات، وهي طريقة في صنع السياسات جرى اختبارها قبل أسبوع (منإسقاط القنبلة “مواب”) في سوريا (قصف مطار الشعيرات)، وربما تؤدي إلى كارثةإذا جُرِّبَت مرة أخرى في التعامل مع شبه الجزيرة الكورية مثلا. وبشكل أكثر تحديدا؛ كان الهجوم الأفغاني مثالا للسماح للوسائل العسكريةبتحديد الغايات السياسية. فبدلا من تحديد تهديد وشيك للأمن الوطني ودراسةخيارات التصدي والمواجهة؛ يبدو أن القادة العسكريين الأميركيين راجعواترسانة الأسلحة الأميركية غير المستخدمة، فصادفوا هذه القنبلة وبحثوا عنمكان يمكنهم فيه استعراض قوتها. وبطبيعة الحال، كان عليهم أن يجدوا هدفا خاليا من المدنيين نسبيا، ولكنه لايشكل بالضرورة تهديدا مباشرا للأمن الوطني، أو يشكّل معقلا مهما للتمردالأفغاني. ويتلخص الأساس المنطقي المغرض وراء إسقاط القنبلة “مواب” على الجبالالأفغانية في أن استخدام أضخم قنبلة أميركية غير نووية على الإطلاق -بعدثماني سنوات من الضعف المزعوم من قِبَل إدارة باراك أوباما- من شأنه أن “يستعيد قدرة الردع”. غير أنه من غير المعقول أن ترتدع شبكة عالمية غيرمركزية من المتطرفين بفِعل تفجيرات بالغة الشِدة على منطقة نائية وعرة. الواقع أن وزارة الدفاع هي الجهاز البيروقراطي الوحيد -المتخصص في الأمنالوطني- الذي نجا من نزوات الرئيس دونالد ترمب العاصفة. ولكن في حين تلعبالمؤسسة العسكرية دورا بالغ الأهمية في مكافحة التطرف العنيف، فإن من الخطأأن تطلق إدارة ترمب يد البنتاغون لتتصرف على هواها. وهذا النهج خطير لسببين؛ فأولا، يتبنى مسؤولو البنتاغون نهجا شديد الانحيازفي التعامل مع تهديدات الأمن الوطني. فهم يميلون إلى المبالغة في تقديرفعالية الوسائل العسكرية في إزالة التهديدات بينما يقللون من شأن الدورالذي تلعبه الدبلوماسية، والمعلومات الاستخباراتية، وإنفاذ القانون. وأما السبب الثاني فهو ترمب ذاته؛ فعندما سُئِل عن قرار إخراج قنبلة “مواب” من المخازن، تهرب من الإجابة عن السؤال قائلا: “الجميع يعرفون بالضبط ماذاحدث، وما أقوم به الآن هو تفويض جيشي. نحن نملك أعظم مؤسسة عسكرية فيالعالم، وقد أدت وظيفتها كالمعتاد. ولهذا أعطيناها تفويضا كاملا”. إن التفويض المطلق الذي يمنحه قائد أعلى مُختَلَف عليه جيوسياسياً على هذاالنحو، يعني أن البنتاغون تعمل ليس فقط دون رقابة، بل وأيضا مع القدرة علىالإفلات من العقاب. وغني عن القول إن إيكال مهمة وضع سياسات الأمن الوطنيلهيئة تستخدم الأدرينالين وقودا لها، وتعلم أن مساءلتها عن قراراتهاباستخدام القوة أمر غير وارد؛ من غير الممكن أن ينتهي إلى خير. ولفهم المخاطر المترتبة على هذا النهج؛ فما علينا إلا أن ننظر إلى رد نائبالرئيس الأميركي السابق ديك تشيني ووزير الدفاع السابق دونالد رمسفيلد علىالهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/أيلول عام 2001. فانطلاقا من عزمهما الرد على هجوم تنظيم القاعدة باستعراض القوة العسكرية،قررا البحث عن ساحة قتال حيث تستطيع المؤسسة العسكرية أن تتباهي بأشيائها. ولم تكن المناطق الحضرية المختلفة التي شهدت التخطيط والإعداد لهجمات 11سبتمبر/أيلول (هامبورغ مثلا) مناسبة لاستعراض قدرات “الصدمة والرعب” التيتتمتع بها القوة العسكرية الأميركية. ولهذا السبب، استهدفت الولايات المتحدة العراق الذي وصفه تشيني -على نحوبالغ الحماقة- بأنه “القاعدة الجغرافية للإرهابيين الذين ظلوا يعتدون علينالسنوات عديدة، ولكن بشكل خاص في 11 سبتمبر/أيلول”. غير أن صدّام حسين لميكن على أي علاقة بتلك الهجمات، ولم يكن إسقاط دكتاتور عربي علماني ليفعلأي شيء لوقف متطرفين يتبنون توجهات دينية ولا ينتمون لدولة بعينها. وكان من الواجب أن يخدم الدور الحاسم الذي لعبه غزو العراق في صعود تنظيمداعش، فضلا عن الانهيار الجاري الذي يشهده النظام الدولي الليبرالي، كتحذيرلصناع السياسات الذين لا يجدون غضاضة في إيكال الأمن الوطني الأميركيلأصحاب قرار لا يمكن إخضاعهم للمساءلة السياسية. ولكن من الواضح أن هذا لميحدث. ولم يتمكن حتى أوباما من تجنب فخ السماح للسبل العسكرية بتحديد غاياتالسياسة الخارجية الأميركية. وكان جيفري غولدبرغ (من مجلة أتلانتيك) محقافي الأغلب عندما قال إن ترمب أهدر النهج الحذر الذي تباه أوباما. ولكنبلجوئه إلى استخدام الطائرات بدون طياربكثافة أداةً لمكافحة الإرهاب؛ أعطىأوباما سابقة خبيثة لقرار إسقاط القنبلة “مواب”. من المؤكد أن أوباما كانت لديه أسباب وجيهة دفعته إلى الاعتماد علىالطائرات بدون طيار؛ فعلى النقيض من القوات البرية التي تضطر إلى اتخاذقرارات سريعة تحت نيران حية، ينعم مشغلو الطائرات بدون طيار بأجواء أقلتحفيزا للخوف والغضب من تلك التي قد تقود إلى مذابح مدنية ومجازر في ساحةالمعركة. بيد أن أوباما استخدم أيضا الطائرات بدون طيار لأنها كانت ببساطة تحت يده. ويبدو أن مجرد وجود هذه الأسلحة لعب دورا في اتخاذ القرار باستخدامها، وإنلم يكن بوسعنا حساب هذا الدور بدقة. ولأن هذه الطائرات تزيل خطر وقوع خسائر بين الأميركيين؛ فيمكن استخدامها ضدأهداف لا تشكل بالضرورة تهديدا مباشرا وكبيرا للأمن الوطني. وهذا هو علىوجه التحديد ما حدث في عهد أوباما؛ فقد سُمِح للكيفية التي تقاتل بهاأميركا بتحديد أين ولماذا تقاتل. وكما أدت الفكرة المريحة المتمثلة في استخدام الطائرات بدون طيار إلى تمددالمهام وتجاوزها لغاياتها الأصلية، أذنت إدارته بتنفيذ مهام القتل وليسالأسر في مناطق من العالم، حيث التهديد المباشر لمصالح الولايات المتحدةيكاد لا يُذكَر. وبوسعنا أن نقول نفس الشيء عن استخدام القنبلة “مواب” لمحو بضع عشرات منالمقاتلين المتعصبين القساة القلوب ولكنهم عديمو الأهمية نسبيا، والذينكانوا يتوارون في شبكة أنفاق بمنطقة سبين جار الجبلية. وإذا كان الهدف هوبث رسالة مفادها أن “أميركا عادت”، فلا يملك المرء إلا أن يتساءل: مَن لذيتحديدا تلقى تلك الرسالة؟ وكيف سيكون رد فعله المحتمل؟تشير إحدى الإجابات المحتملة إلى وسائل الإعلام الأميركية. فكما أظهرتالانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 بوضوح شديد، لا تعمل “الصحافةالحرة” رقيبا على السلطة السياسية بقدر ما تلعب دور الحزام الناقل للخداعغير الأخلاقي وتشتيت الانتباه. وفي أعقاب إسقاط القنبلة “مواب”، لعبتالصحافة الأميركية هذا الدور باقتدار، فوفرت التغطية المثيرة الواجبة. ولا تستطيع قنوات الكابل الإخبارية بشكل خاص -وحتى تلك التي تُظهِر “انحيازا ليبرالياً” أسطورياً- أن تقاوم التهليل لأحاديث ترمب التافهةوتلفيقاته السخيفة. ولكن عندما تفقد “أنتيكات” ترمب حداثتها، فستضطرالإدارة إلى إيجاد سبل جديدة لتحويل انتباهنا بعيدا عن فضائح ترمب الحاليةوالماضية. ومؤسفٌ أن المؤسسة العسكرية الأميركية تبدو راغبة ومستعدة لقيادةالطريق. الآن، لا يسعنا إلا أن نأمل أن تمر الضربة العسكرية الأميركية التالية -سواء في كوريا الشمالية أو في منطقة الخليج- دون أن تشعل شرارة حالة طوارئتهدد الأمن الوطني حقا. وإذا فعلت بكل أسف؛ فستكون أجهزة الأمن الوطني -التي تنقصها الكوادر، وتحركها رغبة عسكرية مفرطة، ولا يمكن المساس بها علىالمستوى السياسي- غير مستعدة على نحو مخيف لمواجهة هذا التحدي.

روجيكت سينديكيت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة + 8 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube