https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png
لم يكن «حزب المؤتمر الوطني الهندي» عديم الواقعية لكي يأمل فعلاً إنعطافة شعبية عارمة في الإنتخابات الهندية بالضدّ من اليمين القومي ـ الدينيّ. ظفر نارندره مودي وحزبه، البهاراتيا جاناثا والحلف الذي يقوده، مجدّداً، بأكثرية مقاعد «اللوك سابها»، كان أقرب ما يكون إلى معاني الحتمية بالنسبة لكل شاخص في وقائع الهند وأمزجة الأكثرية الهندوسية تحديداً. وجاءت نتائج الولايات المختلفة لتظهر – اذا ما استثنينا حالات إقليمية معينة، أبرزها نتائج التاميل نادو موطن النزعة القومية «الدرافيدية» ذات المنحى الإستقلالي بإزاء الهيمنة «الآرية» الشمالية، أنّ النسب التي ينالها الحزب القومي الديني أعلى حيث نسبة الهندوس أعلى. لقد خاض «حزب المؤتمر» الإستحقاق بذهنية الحفاظ على وجوده، وزيادة رصيده البرلماني مقاعد إضافية، وهو نجح على هذا الصعيد، لكنه ما حققه، من 52 نائبا له، و91 نائبا للحلف الذي يقوده، يجعله يحظى بنصف المعارضة ضمن البرلمان. تقدّمه طفيف، مقرون بخسارة زعيمه الحالي راهول غاندي في معقل كان يبدو على امتداد العقود حصيناً للسلالة المتعاقبة على الهيمنة في المؤتمر وعلى مستوى الهند ككل. لكن هذا التقدّم الطفيف، بل الهزيل، كفيل بأن يفتح أزمة داخل الحزب أكبر من الهزيمة القصوى التي مني بها عام 2014. فبعد أن كان التحريض على حكم «السلالة» هو واحد من شعارات اليمين القومي الديني ضد صونيا غاندي ومن بعدها ابنها راهول غاندي، من المنتظر أن يتحوّل الموقف من هذه الهيمنة «السلالية» الى مدار أزمة داخلية ضمن «المؤتمر» أكثر من أي وقت مضى. والسلالة هنا هي تلك التي تعيد راهول واخته بريانكا، من طريق امهما الايطالية صونيا، ووالدهما راجيف، وجدتهما اينديرا، ووالد جدتهما، جواهرلال نهرو، ووالد الأخير، موتيلال، إلى خط عائلي تعاقب على الهيمنة على حركة التحرر الهندية من الاستعمار البريطاني ثم على الهند ما بعد الاستعمار، ورغم أن لقب «غاندي» في هذه السلالة لا علاقة له بالمهاتما موهنداس غاندي، بل بزواج اينديرا بنت نهرو من فيروز غاندي، الزرادشتي «البارسيس» في الأساس، إلا أنّ المهاتما نفسه كان لعب دوراً ترجيحياً، عشية استقلال الهند عن بريطانيا، لجهة ضمان رئاسة الوزراء لجواهرلال نهرو، في حين كانت غالبية المؤتمريين تفضّل فالاهبهاي باتيل. لم يكن تبلور هذه السلالة مصمّماً بوضوح منذ البدء، لكن تمتع آل نهرو بصفتين أساسيتين، وهي تحدّرهم من الطبقة الكهنوتية العليا في المجتمع الهندوسي، البراهمة، وتحديداً تحدرهما من براهمة كشمير، وتشرّبهم للثقافة الإنكليزية إلى أبعد حدّ، هو الذي فرض هذه الأرجحية، في فترة موتيلال، أي قبل أن يحوّل المهاتما غاندي حزب المؤتمر من حزب نخبوي إلى حزب جماهيري، وفي فترة ابنه جواهرلال، أي في أعقاب هذا التحويل. عند وفاة جواهرلال نهرو أيضاً، لم يكن استمرار هذه السلالة محتوماً، بل أن الوفاة المبكرة لرئيس الوزراء لال بهادور شاستري، الذي خلف نهرو، هي التي فرضت الاتيان بإنديرا غاندي ابنة نهرو، على اعتبار أنها ستكون الحلقة الأضعف، وضرورة انتقالية طالما أن التجاذبات بين أقطاب حزب المؤتمر لم تحسم بعد. البهاراتيا جاناتا يحسن الجمع بين نقيضين، النزعة المعادية للبراهمن لدى الطبقات الهندوسية الأدنى في التراتبية الأسطورية، وبين النزعة المتأصلة في الهيمنة البراهمانية الثقافية ولم يطل المقام بانديرا حتى أثبتت أنها على عكس هذه الحسابات، تمتاز من فوق الحنكة والكاريزما، بنزعة سلطوية، كادت تودي بالديمقراطية الهندية في السبعينيات عندما فرضت حكم الطوارىء، تلك الفترة التي لا تزال موضع نقمة، على يسار وعلى يمين حزب المؤتمر، إلى اليوم في الهند، وكلما يواجه حزب البهاراتيا جاناثا تهديدا باتهامه بالنزعة السلطوية تجده يذكّر أنّ «المؤتمر» وتحديدا انديرا غاندي هي الأولى بتحمّل وزر هذه التهمة. بعد انديرا، استدامت السلالة بالمارتيرولوجيا. في أعقاب قمعها للانفصاليين السيخ اغتيلت على يد حارسها من السيخ، وفي أعقاب اغتيالها اعطي الضوء الأخضر للميليشيات الاحيائية الهندوسية لارتكاب مجزرة كبرى ضد السيخ، بخاصة في دلهي. ثم جاء ابنها راجيف، وتدخل راجيف في سريلانكا، من بوابة التصادم العرقي بين الأقلية الهندوسية التاميلية والأكثرية البوذية، لينتهي الأمر سريعاً الى نقمة التاميل عليه بأنه تخلى عنهم، فيغتاله «نمور التاميل». أيضاً عندما اغتيل راجيف، وحدها «الصدفة المتكررة» أوجبت تزعم زوجته الايطالية، الكاثوليكية المولد، للحزب، وبالتالي للبلد، أيضاً من زاوية أنها ستكون الحلقة الأضعف، ونقطة التقاطع بين الاتجاهات المختلفة ضمن الحزب. لم تستطع صونيا أن تكون انديرا أخرى، لكن سريعاً ما تحوّل هدفها إلى توريث جيل جديد من آل نهرو ـ غاندي: راهول واخته بريانكا. لا يزال لحزب المؤتمر تغلغله في البيروقراطية، بصرف النظر عن استطالة فترة مغادرته للحكم، ولا يزال يشكّل بحدّ ذاته بيروقراطية ضخمة وكارتيلا مركبا من المصالح الاقتصادية والمالية. في الوقت نفسه يحاول هذا الحزب أن يجمع بين أشياء يصعب جمعها، أن يجمع بين خطاب موجه للاقليات غير الهندوسية ليخطب ودّها لتمدّه بأصواتها، وبين خطاب يحاكي الإحيائية القومية الدينية لليمين، علّه يسابق اليمين على أرضيته، بلغته ورموزه، وبين خطاب يستعيد شيئاً من معاني التقدمية والإشتراكية الديمقراطية، كلّ هذا مطعماً بنكهة الأصل البراهماني والمتأورب في آن للعائلة المهيمنة، هذا التأورب الذي تحوّل إلى إمداد «بيولوجي» مع صونيا غاندي. اليمين القومي الديني، ممثلا بالبهاراتيا جاناتا، يجمع بدوره تناقضات غير قليلة، ليس أقلّها المزاوجة بين تقليد كاره للديمقراطية، يفضّل «الدارموقراطية» أي النسق المبني على قاعدة «الدارما»، القانون الأزلي في الهندوسية، على الديمقراطية، أو باللغة التي يتداولها هذا اليمين، يفضل «مجتمع الواجبات» على مجتمع الحقوق، وبين ادعاء القيام بورشة «دمقرطة الهندوسية» نفسها، بمعنى تمكين الطبقات الوراثية الدنيا، وهذه بالذات ورقة يجيدها نارندره مودي، الذي حيناً يقدّم نفسها على انه سليل الطبقة الثالثة، التجار والصناع، في المجتمع الهندوسي، وحيناً سليل الطبقة الرابعة، طبقة الكادحين، السودرا. فالبهاراتيا جاناتا يحسن الجمع بين نقيضين، النزعة المعادية للبراهمن لدى الطبقات الهندوسية الأدنى في التراتبية الأسطورية، وبين النزعة المتأصلة في الهيمنة البراهمانية الثقافية، في حين أن «حزب المؤتمر» هو حزب سلالة كثيراً ما اعتبر انها ترمز الى اجتماع الأصل البراهماني مع القدس العربي .محاكاة الأرستوقراطية الانكليزية من جهة، ومحاكاة القيم التقدمية اليسارية من جهة أخرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

8 − 6 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube