المؤلف: بوب وودورد
في كل مرة ينشر فيها الصحافي الأميركي بوب وودورد كتاباً. تثار زوبعة، وتتكشف حقائق، ويتساءل الكثيرون: «لماذا يعطي الرؤساء مفاتيح البيت الأبيض لبوب وودورد؟».
لا جواب، سوى أن وودورد بات، على مدى الإدارات المتعاقبة، «الصحافي الأشهر»، أو ربما «بحكم الرئيس في مهنته». في كتابه الأخير، الذي صدر أمس، بعنوان «حروب أوباما»، يسرد الكاتب تفاصيل النزاع الذي دار في أروقة البيت الأبيض بشأن الحرب على أفغانستان، وكأنها تدور الآن. هي تفاصيل تسرّب، بالفعل، قسم منها إلى الإعلام قبل أيام.
ونشرت «واشنطن بوست» أمس الحلقة الأولى من ثلاث حلقات تستعرض فيها الكتاب. فيها روى وودورد تفاصيل النزاع بين أوباما وجنرالاته، وكيف أن وزير الدفاع روبرت غيتس وقائد القيادة الوسطى ديفيد بتراوس ورئيس الأركان مايكل مولن «كانوا يطهون ما يريدون من أجل الحرب على أفغانستان»، ليوحي وكأن هناك مؤامرة لإرغام اوباما على الأخذ بـ«خيار واحد»، وهو زيادة عديد الجنود في أفغانستان بـ40 ألفاً، لكسب الحرب.
لكن ما اكتشفته الكاتبة في «واشنطن بوست» كاثلين باركر، هو أن «حروب أوباما» يغذي الانطباع الساري بأن الرئيس الأميركي «ليس تماماً، قائداً للقوات المسلحة»، حيث يبدو أن سيد البيت الأبيض «مهتم أكثر بلعبة الدهاء السياسي أكثر من الفوز بما يسميها: الحرب الجيدة»، بعدما قرر «طي صفحة حرب لم تعجبه، هي حرب العراق».
وتذهب باركر إلى حد القول بأن أوباما «ليس من يمسك زمام الأمور»، لا في ميادين الحروب في الخارج، ولا في المناوشات الداخلية حول وول ستريت، كما أنه «لا يبدو حتى متأكدا من نياته الخاصة».
وللتدليل على ما خلصت إليه، نقلت باركر عن كتاب وودورد، حديثاً دار بين أوباما والسيناتور ليندسي غراهام، حيث كان اوباما يبرر اختياره لتموز 2011 موعداً للانسحاب من أفغانستان: «أود أن أقول أنني لن ادع هذه الحرب تكون بلا نهاية، كما أنه من غير الممكن أن اخسر الحزب الديموقراطي كله».
تستغرب باركر هذا التصريح «هل نقول لعدونا متى ننسحب من الحرب خوفاً من أن تنزعج قاعدة الحزب الديموقراطي؟». بالنسبة إليها «يفترض على القائد العام على الأقل معرفة ما يقاتل من اجله، والسبب الذي دفعه إلى الطلب من الاميركيين التضحية بحياتهم. وإذا لم يكن هناك من سبب كاف لتبرير الانتصار، فلا شك أن الحرب لم تعد الجيدة».
وختمت بأن أوباما بدأ يُظهر «أعراض وودورد»، ولهذا دعته إلى الامتثال بمقولة «اعمل كما لو لم تكن بحاجة إلى المال، أحب وكأنك لم تتعرض يوما للأذى، ارقص كما لو لم يكن هناك من يشاهدك»، بمعنى أن عليه ان «يقود البلاد كما لو لم يكن هناك غد، ولا انتخابات نصفية ولا قاعدة حزبية»، والأهم «تحرر من أعراض وودورد».
قد يلتبس على البعض أن «حروب أوباما» يتناول، حصراً، النزاع الذي دار بين أوباما وجنرالاته، في 2009، بشأن «استراتيجية خروج» أرادها الرئيس ولم يحصل عليها قط. لكن كتاب وودورد، كما ذكرت صحيفة «لوس انجلس تايمز»، ينطوي على «كشف لحقائق»، أهمها تقييمات استخباراتية بشأن جهود تنظيم القاعدة من أجل استقطاب عناصر من حملة جنسيات لا يحتاجون لتأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، وأن «هناك، على الأقل، 20 من حملة جوازات أميركية وأوروبية وكندية يتدربون مع القاعدة في ملاذات باكستان الآمنة». وفيه أيضاً، كشف عن أن الغارات التي شنتها طائرات بلا طيار على باكستان غالباً ما كانت تودي بحياة أميركيين، وأن وكالات الاستخبارات ضبطت الصينيين وهم يخترقون حواسيب استخدمها معسكر أوباما ومنافسه الجمهوري جون ماكين، خلال الحملة الانتخابية.
كما كشف وودورد في «حروب أوباما» كيف أن الأخير فوجئ، في أول جلسة له مع مولن، بأنه لم يكن هناك «أي استراتيجية» للحرب على أفغانستان، وأن «خطة الطوارئ من أجل شن ضربة عسكرية ضد إيران، تعود إلى أيام إدارة جيمي كارتر»، كما أنه ليس هناك «أي خطط للتعامل مع تنامي نفوذ القاعدة في الصومال واليمن»، ولا «خطة طوارئ في حال انهيار باكستان النووية».
ويروي وودورد تفاصيل زيارة «سرية» قام بها نائب الرئيس جو بايدن وغراهام إلى إسلام أباد وكابول في بداية ولاية أوباما، «خلصا بعدها إلى أن «الرئيس الباكستاني علي آصف زرداري لا يملك علاجاً لمسألة العلاقة بين الاستخبارات الباكستانية وطالبان»، وأن الرئيس الأفغاني حميد قرضاي «كان اللقاء معه عاصفاً»، وخاصة حين تناولوا الفساد في الحكومة.
خلال هذه الزيارة السرية، سمع بايدن من القياديين العسكريين «أننا لم نرَ أي عربي في أفغانستان. لا وجود للقاعدة هنا»، ليخلص نائب الرئيس إلى أن «القاعدة مشكلة باكستانية»، وأن كل ما رآه «يذكّره بحرب فيتنام» وهو ما يثير التشاؤم، بحسب وودورد.