سلط اتفاق “أوكوس الأمني بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، الضوء على صراع النفوذ في منطقة “الهندي-الهادي”، وهو المصطلح الذي بات يشير إلى جميع الدول المتاخمة لهذين المحيطين عوضا عن منطقة “آسيا والمحيط الهادي”.
ودفعت تطورات الصراع أستراليا إلى شراء غواصات نووية بالنظر لعدد الدول النووية الموجودة في المنطقة (الهند وباكستان وروسيا والصين)، فضلا عن الأسطولين النوويين الأميركي والبريطاني اللذين يبحران في هذين المحيطين.
وتتحرك أستراليا بأقصى سرعة للحصول على غواصات نووية بعد التقدم الكبير الذي أحرزته الصين، ونجاحها في الدفع بحدودها البحرية لأبعد مسافة، وبناء الجزر في بحر جنوب الصين، ثم الاهتمام المتزايد بالمحيط الهندي. علاوة على استفادة الصين من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة الإستراتيجية بين روسيا والولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الماضية، لتقوم بتطوير ترسانتها النووية.
وتبرّر الصين تحركاتها بأنه لا يمكن مقارنة مئتي صاروخ نووي لديها بحوالي 6 آلاف صاروخ نووي هو مجموع الترسانة الروسية والأميركية.
وتملك 6 دول في العالم غواصات نووية، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا والهند، 5 منها تحرك غواصاتها حاليا في منطقة المحيط الهندي والهادي، لتصبح بذلك المنطقة البحرية المأهولة بأكبر عدد من الرؤوس النووية. وكلما زاد التوتر زاد سباق التسلح النووي، أو كما وصفها المعهد الدولي للدارسات الإستراتيجية بألمانيا بأنها “نهضة صاروخية” في تلك المنطقة.
القوة الأميركية الضاربة
تملك الولايات المتحدة 68 غواصة جميعها تشتغل بالطاقة النووية. صيف هذا العام وجهت البحرية الأميركية 3 من غواصاتها النووية من طراز “ذئب البحر” إلى المحيط الهادي لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي هناك. إضافة إلى 6 غواصات من طراز “أوهايو” تنتشر أيضا في المحيط نفسه، وجميعها يحمل صواريخ نووية من طراز “تريدينت دي 5 ” التي تعتبر أقوى سلاح ردع نووي في المحيط.
ولا يمكن معرفة موقع هذه الغواصات بالنظر لما تحمله من صواريخ نووية (حوالي 12 صاروخا في كل غواصة)، مما يجعلها غير مؤهلة لترسو في أي ميناء خارج الولايات المتحدة، ومهمتها هي الاختباء في انتظار أوامر الإطلاق.
كما تنشر البحرية الأميركية 16 غواصة نووية من طراز “لوس أنجلوس”، وهي واحدة من أقدم الغواصات النووية وتخدم منذ حوالي نصف قرن.
تسعى الولايات المتحدة والغرب لنشر غواصات نووية بالمحيطين الهندي والهادي لردع النفوذ الصيني (الموقع الرسمي للبحرية الملكية البريطانية)
تنين تحت الماء
بالمقابل، تختلف التقديرات العسكرية حول أسطول الغواصات النووية الصيني، لكنها تبقى بين 12 و18 غواصة نووية. وحسب دراسة أجرتها كلية الأمن القومي بالجامعة الوطنية الأسترالية، فإن الحملة التي تقوم بها بكين لبناء جزر في بحر جنوب الصين الغرض منها أن تتحول لمعقل ومرفأ للغواصات النووية، ولمواجهة أي هجوم أميركي محتمل.
وحسب الدراسة نفسها، فإن الصين تنشر بهذه المنطقة 6 غواصات نووية من طراز “جين 094″، وهي أحدث غواصات تستلمها البحرية الصينية، لتنضم إلى الأقدم من فئة “جين 092″، التي تستطيع حمل 12 صاروخا باليستيا من صراز “جي إل-2” (JL-2)، والتي يبلغ مداها 7200 كيلومتر، مما يعني أنها قادرة على ضرب أهداف في هاواي جنوبي اليابان، أو ضرب البر الغربي الأميركي وسط المحيط الهادي.
وحسب تقديرات الوثيقة نفسها، فإن أكبر عقبة أمام الصين وتحركات غواصاتها النووية هي الجغرافيا، ذلك أنها محاطة بالمياه الضحلة والكثير من الممرات البحرية الضيقة.
6 دول تملك غواصات نووية، ومع تصاعد التوتر بين أميركا والصين يزداد إقبالها على مزيد من التسلح (الموقع الرسمي للبحرية الملكية البريطانية)
الدب في المحيط
أما روسيا، فتمتلك 29 غواصة تشتغل بالطاقة النووية، و11 قادرة على إطلاق الصواريخ النووية. وتتعمد موسكو كل حين إظهار بعض من أسطولها البحري النووي، في استعراض للقوة.
ومباشرة بعد الاحتكاك مع البحرية البريطانية في البحر الأسود مؤخرا، قررت روسيا إرسال 3 من غواصاتها النووية إلى المنطقة والعبور من بحر البلطيق لإرسال رسالة إلى الغرب عموما.
ويتعلق الأمر بالغواصة من طراز “أوسكار”، التي تعتبر ثاني أكبر غواصة في الأسطول الروسي من حيث الطول والقدرة على إزاحة المياه، إضافة إلى قدرتها على إطلاق الصواريخ من ناحيتين.
إضافة إلى غواصة “كنياز فلاديمير”، وهي من أحدث الغواصات في الأسطول الروسي ومسلحة بـ16 صاروخا باليستيا من طراز “بولافا”، ويستطيع هذا النوع من الصواريخ حمل 10 رؤوس نووية موجَّهة ذاتيا وقابلة لتغيير مسار التحليق عموديا وأفقيا وإصابة الأهداف على مدى 8 آلاف كيلومتر.
وفي الأسطول الروسي أيضا غواصة “أوسكار 2″، التي صُممت خلال الحرب الباردة لمهاجمة حاملات الطائرات المعادية، وهي مجهزة بصواريخ أسرع من الصوت ويصل مداها إلى 350 ميلا بحريا، كما يمكنها حمل رؤوس نووية.
الغواصة البريطانية “إتش إم إس تايرليس” (الأوروبية)
بريطانيا.. عودة جديدة
ومن المتوقع أن تستفيد المملكة المتحدة من اتفاق أوكوس لتعود للمحيط الهادي بقوة أكبر. حيث ينص الاتفاق على استخدام الغواصات النووية البريطانية لأستراليا كقاعدة لها حتى يكون لها وجود أكثر ثباتا في المحيطين الهندي والهادي.
وكشفت صحيفة “تلغراف” (Telegraph) البريطانية أن الاتفاق ينص على نشر 3 غواصات من طراز “Astute” أو “المخضرمة” في المحيطين الهادي والهندي، وتعتبر هذه الغواصات أحدث قطع الأسطول البريطاني، وتبلغ كلفة الواحدة منها حوالي 1.8 مليار دولار، ولها القدرة على إطلاق صواريخ باليستية بعيدة المدى، بدقة متناهية.
الهند.. الوافد الجديد
لدى الهند غواصة نووية واحدة، تم تصنيعها سنة 2016، وهي الغواصة “آي إن إس أريهانت”. لتكون بذلك أول دولة من خارج الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن تملك هذه الغواصات. ومن المتوقع أن تعلن عن تشغيل غواصة جديدة من الطراز نفسه، ولكن بتعديلات حديثة هذا العام.
وتحمل هذه الغواصة 12 صاروخا باليستيا قصير المدى ويصل إلى ألف كيلومتر، ويمكن تعديله لإطلاق 4 صواريخ باليستية متوسطة المدى قد تصل إلى 3500 كيلومتر.
ومع ذلك، تشير التقديرات العسكرية إلى أن نطاق عمليات هذه الغواصة هو خليج البنغال لمواجهة باكستان والصين.