كتب محمد خير الوادي :
بات جليا ، ان خلط التشدد الديني مع التطرف القومي ، ينتج مزيجا متفجرا ساما يفتك في كيان اية دولة تدمن عليه ،لا سيما في مجال الاقتصاد .وخير مثال على ذلك احوال الهند اليوم .
فمنذ ان جاء الى الحكم عام2014، اقر حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي نهجا قوميا متطرفا ، متخذا من التشدد الديني الهندوسي اساسا لذلك . فقد اعلن الحزب المذكور ان مسلمي الهند وعددهم مئات الملايين -ليسوا مواطنين هنود ، وان عليهم المغادرة . ولذلك اقر الحزب سياسة قمعية ضد المسلمين هناك ، فاحرق المساجد وارتكب المجازر ، وضيق اقتصاديا وسياسيا على الكيانات المسلمة . ووصل الامر الى حد ان مودي – رئيس الوزراء ،امر بتغيير مناهج التعليم في البلاد بحيث يتم شطب كل اثر للمسلمين في تاريخ الهند ، بما في ذلك اسماء حكام الهند المسلمين ، وازالة اية اشارة الى المجزرة التي ارتكبها مودي نفسه بحق المسلمين عام 2002 في ولاية غوجارات . كما اختفت من الكتب المدرسية الهندية الجديدة اقوال مؤسس الهند غاندي عن الوحدة الوطنية بين الهندوس والمسلمين .
وبغية حشد المشاعر القومية المتطرفة حول حزبه ، مارس مودي نهجا شعبويا ، يروج ” للقفزات الكبرى ” المزعومة التي تمت في مجال الاقتصاد وادت – كما يقول شعبويو بهاراتيا جاناتا – الى تحسين ظروف الحياة لمواطني الهند . كما تم التضييق على الحريات العامة ومنعت الصحافة المحلية من الكتابة عن السلبيات التي يعاني منها الاقتصاد الهندي .لكن الاعلام العالمي غير الخاضع لسلطة مودي ، يتحدث عن الوجه المظلم للسياسات الاقتصادية للحزب الحاكم . فقد وعد مودي خلال حملاته الانتخابية بتوفير مائة مليون وظيفة في قطاع الصناعة . لكن الواقع يشير االى العكس . فقد فقدت الصناعة الهندية 24 مليون وظيفة ما بين اعوام 2017-2021،وتضاعف اعداد العاطلين عن العمل .وخير شاهد على ذلك مسابقة التوظيف التي اعلنتها ادارة السكك الحديدية في الهند . فقد تنافس 12مليون ونصف شخص على 35 الف وظيفة .
كما تراجعت خطط مودي الرامية الى انعاش الاقتصاد الهندي . ويكفي ان نشير في هذا المجال الى ان فيتنام صاحبة المائة مليون من السكان، تصدٌر سلعا صناعية توازي ما تصدره الهند ذات المليار واربعماية مليون شخص ! و اخفقت محاولات مودي في مضاعفة حجم الانتاج الصناعي في الاقتصاد الهندي ،وبقيت نسبة الصناعة – كما كانت في السابق – تشغل ربع حجم الناتج المحلي في البلاد.
وتتخذ السطات الهندية مواقف عدائية ازاء اية جهة خارجية تتحدث عن الواقع الحقيقي في البلاد.ويكفي ان نشير بهذا الخصوص الى ضجة الاحتجاجات الهائلة التي اثارتها الحكومة الهندية بسبب نشر مجلة دير شبيغل الالمانية قبل عدة ايام ،رسما كاريكاتيريا يقارن الاقتصادي الهندي بالصيني .ويحتوي الرسم على قطارين متقابلين ، الاول قطار سريع صيني يسير بسرعة فائقة ولا يظهر منه سوى السائق ومساعده ، وبالمقابل يظهر القطار الهندي المتداعي، والذي يئن تحت ثقل الاف المسافرين الذين ضاقت بهم عربات القطار ، فانتشروا على السطح وتعلقوا على جوانب القطار .
لقد استدعت الحكومة الهندية السفير الالماني في دلهي وابلغته احجاجا شديد اللهجة ، كما شنت اجهزة اعلام حزب بهاراتيا جاناتا حملة مركزة ضد المجلة الالمانية ،واتهمتها بتزيف الوقائع . ويبدو ان الكاريكاتير المذكور قد اصاب المواطن التي تؤلم حكومة مودي ، ولذلك علا صراخها وتهديدها . وبالمناسبة، فقد اتخذت السلطات الهندية موقفا مشابها من الفيلم الوثائقي الذي عرضته محطة بي بي سي البريطانية قبل فترة وجيزة ، والذي يتحدث بالوقائع عن مجزرة غوجارات عام 2002 ، ودور مودي الشخصي في ارتكابها . ونذكٌر ، ان الولايات المتحدة كانت قد حظرت دخول مودي الى اراضيها لمدة عشر سنوات بسبب الجرائم لتي اقترفها في تلك المجزرة !
ان نظام مودي يمثل انموذجا سيئا لفداحة الاضرار التي يخلفها اعتماد التشدد القومي والديني سياسة رسمية للدولة . لقد حول هذا النهج الهند من اكبر ديمقراطية في العالم ، الى بلد تنهشه الفتن والضغائن الدينية ، وتظلله الشعبوية التي تخدرملايين البشر وتحرفهم عن الطريق السليم . ويؤسف حقا ان تصبح الهند ،وهي بلد التسامح الديني والعرقي ، وملهم الشعوب نحو الحرية والتقدم والاستقلال ، حلبة تتقاذفها الكراهية الاتنية ، وتتحكم بمفاصلها شهوة التمسك بالسلطة .
11/7/2023