تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن في 20 يناير/كانون الثاني 2021 رسميا رئيسا للولايات المتحدة يعني آليا حرمان الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب من الحماية القانونية التي يتمتع بها حتى الآن؛ وهذا ما يعرضه للمساءلة أمام القضاء في بعض القضايا التي تورط فها.
بهذه المقدمة افتتحت صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية تقريرا بقلم أود ليجونيا، قالت فيه إن الأوراق الفدرالية التي يرجع إليها في تفسير القانون الأساسي تقول إن الرئيس “بعد ولايته يمكن أن يحاكَم ويعاقب بموجب القانون العام”.
وقبل أن تدخل في التفاصيل، قالت ليجونيا إن مقالا لمجلة نيويورك (New York) بعنوان “الشعب ضد دونالد ترامب” سرد التهم الموجهة إلى الرئيس الخاسر في الانتخابات، والذي يخضع هو أو أقاربه لـ10 تحقيقات جارية بالفعل.
التحقيق الروسي
وقالت الصحفية إن من بين أكثر القضايا حساسية ضد ترامب “التحقيق الروسي”، الذي بدأ في ربيع عام 2017، وعُهد به إلى المدعي المستقل روبرت مولر، ويركز على الروابط المحتملة بين الحكومة الروسية وحملة ترامب الرئاسية لعام 2016.
وفي التقرير المكون من 448 صفحة، الذي نُشر في أبريل/نيسان 2019، خلص المدعي العام إلى أن الكرملين كان يحاول التدخل، لكنه فشل في إثبات التواطؤ الطوعي من الجانب الأميركي، كما قال إنه غير قادر على اتخاذ قرار بشأن إعاقة سير العدالة التي اتهم بها الرئيس.
وبالفعل، سارع وزير العدل وليام بار إلى إسقاط جميع التهم الموجهة إلى دونالد ترامب لعدم وجود أدلة رسمية، كما تقول الصحفية. لكن روبرت مولر عاد بعد شهرين لتأكيد حقيقة أنه كانت هناك “جهود متعددة ومنهجية لإيذاء واحد فقط من المرشحين”، وهي الديمقراطية هيلاري كلينتون.
كما أوضح مولر أن ما منعه من التوصل إلى أي استنتاج بشأن شبهات العرقلة التي كان من الممكن أن يكون رئيس الولايات المتحدة مذنبا بها هو توجيهات وزارة العدل لا غياب الدليل.
ومع أن إجراءات العزل التي قد تسمح بإقالة الرئيس من منصبه في حالة “الخيانة أو الفساد أو غيرهما من الجرائم” كانت جدية في ذلك الوقت، فإن الديمقراطيين كانوا مترددين في مثل هذه الخطوة، التي كانت لا تحظى بشعبية ومحكوما عليها بالفشل بسبب عدم وجود أغلبية في مجلس الشيوخ.
ورغم ذلك، خضع ترامب لإجراءات العزل خلال فترة ولايته، لكن في حالة أخرى تتعلق “بالقضية الأوكرانية”، وتمت تبرئته من قبل مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، غير أن القضية لم تغلق بالكامل، وبقيت في يد المدعي العام في بروكلين بنيويورك، حسب صحيفة نيويورك تايمز (The New York Times).
اختطاف القضاء
قد يضطر الرئيس 45 -كما تقول الصحفية- للرد على الانتهاكات المتكررة لقانون “هاتش” الصادر عام 1939، والذي يحظر على أي موظف اتحادي الانخراط في أنشطة حزبية، حيث إن “دافعي الضرائب، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، يمولون الحكومة للعمل لصالح جميع الأميركيين، لا لصالح حملات حزب أو مرشح معين”.
وفي هذا السياق، يؤكد التنظيم غير الحزبي لمراقبة الحياة السياسية (مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق) في واشنطن وجود ما لا يقل عن 15 انتهاكا للقانون المذكور أثناء انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري هذا الصيف وحده.
ومن ناحيته، يوضح موقع بلومبرغ (Bloomberg) أن الرئيس المنتهية ولايته مهدد بانتهاكات محتملة لقواعد تمويل الحملات الانتخابية، حيث أقر مستشاره السابق مايكل كوهين بالذنب، وحكم عليه بالسجن 3 سنوات في قضية تتعلق بدفع مبلغ كبير من المال للممثلة الإباحية السابقة ستورمي دانيلز، كجزء من صفقة سرية قبل أيام من الانتخابات الرئاسية لعام 2016.
وأشارت لوموند إلى احتمال أن يواجه ترامب مشكلة قانونية بشأن ضرائبه، حيث دفع رجل الأعمال 750 دولارا فقط ضرائب فدرالية في عام انتخابه قبل 4 سنوات، إضافة إلى أنه لم يدفع ضريبة الدخل 10 سنوات من آخر 15 سنة، وارتفعت أصوات عديدة للتحقيق في هذه المسألة بعمق.
ونبهت الصحفية إلى أن هذه الحالات المذكورة تتعلق فقط بالجرائم الاتحادية، في حين أن ترامب متورط أيضا في سلسلة من القضايا على مستوى الولاية، حيث واجه إجراءات جنائية بتهمة الاحتيال الضريبي والاحتيال في التأمين أطلقها المدعي العام في مانهاتن سايروس فانس.
غير أنه في بلد منقسم بشدة -كما تقول الصحفية- سيكون على بايدن ضمان عدم وجود أي شخص فوق القانون، مع تجنب الظهور بمظهر المهتم الحريص على “معاقبة” من هاجمه بشكل متكرر ومباشر هو وأقاربه، علما أن ترامب متهم باختطاف القضاء لصالح إدارته.
هل يعفو ترامب عن نفسه؟
وفي انتظار أن يتولى الرئيس المنتخب مهامه رسميا، سيبقى ترامب في منصبه بضعة أسابيع، ويمكنه استغلال ذلك الوقت لمنح نفسه عفوا رئاسيا، خاصة أن سلطاته واسعة جدا في الولايات المتحدة، وأن “العفو الرئاسي -حسب سي إن إن (CNN)- يعد عصا سحرية قانونية قادرة على توفير حصانة كاملة ضد جميع الجرائم الفدرالية الماضية والحالية، سواء تم توجيه تهم بشأنها أم لا”.
لذلك يمكن أن يعفو ترامب عن أصدقائه أو عائلته، كما فعل مع روجر ستون في التحقيق المتعلق بالتدخل الروسي في الحملة الرئاسية لعام 2016، إلا أن المشكلة تكمن في أن هذا العفو لا يشمل إلا الجرائم الفدرالية، أما التهم المرفوعة في محاكم الولايات فلا يتطرق إليها.
وبما أنه لا توجد سابقة في تاريخ الولايات المتحدة التي عفا فيها رئيس عن نفسه، فإن الأمر متروك لتقدير إحدى المحاكم أو المحكمة العليا، خاصة أن بعض الخبراء القانونيين يرون أنه غير دستوري، حيث إنه لا يحق لأحد أن يحاكم نفسه، حسب صحيفة إندبندنت (The Independent) البريطانية.
وفي مثل هذه الشكوك يبدو هناك احتمال آخر وارد، وهو تسليم ترامب السلطة في آخر ولايته إلى نائبه مايك بنس، تاركا له منح العفو الرئاسي، فيما يشبه عفو جيرالد فورد عن ريتشارد نيكسون بعد فضيحة ووترغيت عام 1974، وإن كان ذلك العفو أثار حفيظة قطاع كبير من الرأي العام لوموند