https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

هل هناك “مسكوت عنه” في الصراع التجاري الحاصل راهناً بين الولايات المتحدة الأميركية والصين؟ لماذا يُصر الرئيس الأميركي على تصعيد هذا الصراع في الآونة الأخيرة؟ وهل أن الصراع التجاري بينهما يدور فقط حول فرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية محددة على الصين في السادس من تموز (يوليو) الماضي، وهو الإجراء الذي ردت عليه الصين بالمثل في اليوم ذاته؟ وإن كان ذلك صحيحاً، أين موقع التصعيد الأميركي من فرض قيود “قاسية” على عملاق الاتصالات الصيني “هواوي”، في هذا الصراع؟ ثم، هل يُمثل الصراع الحالي مجرد مقدمة لنزاع أكبر بكثير بين الدولتين صاحبتي أكبر اقتصادين في العالم؟ لا يعنينا كثيراً “المُصرح به” في الصراع التجاري الحاصل بين أميركا والصين، فهو معروف، ومبرراته واضحة. وتكفي متابعة تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتعرف على هذه المبررات؛ إلا أن الأهم، في نظرنا، هو محاولة تلمس “المسكوت عنه” في هذا الصراع، والذي يُمثل الأسباب الحقيقية لإصرار ترامب وإدارته على التصعيد. لعل الخطوة الأولى هنا، تتعلق بالتأكيد بأن الصين (ثاني أكبر اقتصاد وأكبر المُصدرين على مستوى العالم)، هي ما يؤرق الإدارة الأميركية حقاً؛ إذ إنها تُمثل واحداً من أهم التحديات أمام المحاولة الأميركية للهيمنة على العالم. ذلك أنها استفادت من الانشغال الأميركي بانتصارات “وهمية” في أفغانستان والعراق، وغيرهما، فانتهجت سياسة البناء الهادئ، حتى أصبح اقتصادها منافساً حقيقياً لنظيره الأميركي، إلى درجة وصل فيها الميزان التجاري بينهماالذي يُقارب نصف بليون دولار سنوياً – إلى أن يكون في صالح الصين، بفارق ليس بقليل. ربما يأتي ما تقدم، ضمن دوافع الرئيس الأميركي في مواجهة ما يمكن تسميتهالتحدي الصيني”، عبر معركة الرسوم الجمركية، والصدام مع “هواوي”؛ خاصة وأن واشنطن ترى في هذه الأخيرة لاعباً أساسياً من الصعب الالتفاف عليه في مجال الاتصالات؛ وبالتالي، فهي (“هواوي”) من وجهة نظر واشنطن تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي، بسبب علاقاتها الوثيقة مع الحكومة الصينية. إلا أن هذا لا يكفي ليكون سبباً في تصعيد الصراع الحاصل بين الطرفين، ذلك أن الفارق في الميزان التجاري لا يحتاج إلى التصعيد، بقدر ما يحتاج إلى سياسات أخرى أكثر هدوءاً وروِّية؛ فضلاً عن أن التصادم مع “هواوي”، ليس مبرراً للصراع التجاري مع الصين، بل على العكس، هو الأكثر صحة. ويرى البعض أن السبب يكمن في “الدور” الصيني في تمويل “الدين” الأميركي، عن طريق شراء أذون الخزانة والسندات الأميركية. صحيح أن كميات سندات الخزانة الأميركية وأذونها الموجودة بحوزة الصينناهيك عن الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا – هائلة؛ وصحيح أيضاً أن الصين تقود الائتلاف الدولي المموِّل للدين الأميركي، فضلاً عن كونها اللاعب الرئيس في سياسة سد العجز لدى حكومة واشنطن. لكن، على رغم هذا وذاك، من الصحيح كذلك، أنه كلما ازدادت ضغوط واشنطن على عصب الصراع التجاري مع الصين، كلما قلصت حكومة بكين من عمليات شراء أذون الخزانة الأميركية (من دون علم أحد)، ما عدا ما يتعلق بالاحتياطي الفيديرالي الأميركي ووزارة الخزانة الأميركية. يعني هذا في ما يعنيه، أن سندات الخزانة الأميركية وأذونها، هي “ورقةتفاوضية في يد حكومة بكين، تساعدها على إنجاز الاتفاق التجاري المتعثر مع الولايات المتحدة، عبر محاولة سعي هذه الأخيرة إلى تهدئة الأمور، بدلاً من الاندفاع إلى التصعيد الحاصل الآن. ويعني ذلك أيضاً، أن “المسكوت عنه” يبدو أكثر عُمقاً، وأكبر تأثيراً، مما سبق.. إنه القلق الأميركي الناتج عن المشروع الصيني الضخم المعروف بمبادرة “الحزام والطريق”، أو ما يُعرف بــ”طريق الحرير الجديد”؛ فضلاً عن تزايد القوة العسكرية الصينية خصوصاً في بحر الصين الجنوبي، بل وتمددها إلى شواطئ البحر الأحمر، عبر القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي. بعبارة أخرى، تبدو مبادرة “الحزام والطريق” محور الارتكاز في الصراع التجاري الناشب حالياً بين أميركا والصين؛ بل إنها توضح لماذا يكون الصراع التجاري مع الصين، في الإطار الاقتصادي الأشمل، الأمر الأبرز والأهم لدى ترامب والإدارة الأميركية، ولماذا يتقدّم هذا الصراع على الصراع العسكري مع روسيا. إذ يكفي أن نلاحظ أن هذا الطريق يمر عبر 56 دولة، وافقت 50 منها، حتى الآن، على المشاركة فيه، خاصة أنه يربط آسيا بأوروبا وإفريقيا. كما لنا أن نشير كذلك، إلى أن الدول التي وافقت على المبادرة الصينية، لا تنتمي كلها إلى دول العالم “الجنوبي”، بل بينها دول موجودة في الإطار “الشماليمن العالم، مثل إيطاليا.. التي تأتي ضمن الدول السبع الكبرى اقتصادياً، وتُمثل ثالث أكبر اقتصاد داخل الاتحاد الأوروبي؛ بما يؤشر إليه ذلك من أن انضمامها (إيطاليا) يساوي نصراً كبيراً بالنسبة إلى الصين، التي ألقت بثقلها الاقتصادي في بلد أساسي ومؤسس للاتحاد الأوروبي. إن نظرة فاحصة على تلك المبادرة، توضح أنها تشمل مدّ خطوط سكك حديد وشق طرق سريعة وبناء مرافئ في القارات الثلاث آسيا وأوروبا وإفريقيا، على نحو تُريد منه بكين – ولا ندري كيف يمكن تأكيد أهمية هذه النقطة – أن يُغير وجه الاقتصاد العالمي؛ وإلا، لماذا تطرح بكين مبادرة ستُكلفها تريليون دولار كـتقدير مبدئي؟ أو لماذا هذا التصعيد الأميركي المتنامي للصراع الاقتصادي معها؟ لنا أن نلاحظ أيضاً، أن الصين، بإعلانها عن مبادرة “الحزام والطريق”، بدأت في إنشاء منظومة عالمية خاصة بها وقيادتها، بما تشمله من مؤسسات دولية جديدة، وبديلة لكل المؤسسات الغربية، أو الأميركية بالأحرى، وعلى رأسهاالبنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي”. أضف إلى ذلك، الوجود العسكري الصيني المتزايد في مناطق جغرافية تختص بالمبادرة؛ وهو ما سيُنشئ إطاراً جغراسياً وجغراستياً جديداً، في إطار محاولة بكين قيادة المنظومة الجديدة للاقتصاد الدولي. بناء على ما سبق، يأتي التصعيد الأميركي للصراع الاقتصادي مع الصين، الذي يدخل في إطاره الصراع مع عملاق الاتصالات الصيني “هواوي”؛ إذ إن الكثير من الدول الأوروبية، تعتمد على “هواوي” في بناء شبكات الجيل الخامس للاتصالات، أكثر من اعتمادها على الشركات الأوروبية والأميركية، لأنها تقدم بنية تحتية متقدمة، وحلول تقنية متميزة، وبأسعار لا تُقارن بأسعار الشركات الأخرى، بكل ما يعنيه ذلك من دلالات مستقبلية في ظل التحول الرقمي الراهن، وتغير مفهوم السيادة الوطنية للدول؛ وما يؤشر إليه ذلك في الوقت ذاته حول حروب الجيلين الخامس والسادس المحتملة. ما نعاصره، إذًا، هو تحوّل في النظام الدولي، نحو وضعية قطبية تختلف عن تلك التي عرفها العالم في القرن الـ20 وفي العقدين السابقين تحديداً؛ تلك الفترة التي حاولت فيها الولايات المتحدة فرض هيمنتها على الساحة الدولية.

الحياة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 4 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube