عبد الله الردادي
هزت أزمة شركة إيفرغراند الصينية الأسواق العالمية بعد انكشافها بديون بلغت 300 مليار دولار وهو أكبر دين لشركة تطوير عقاري على الإطلاق. وباتت الشركة العملاقة على شفا انهيار بسبب عدم قدرتها على الوفاء بديونها مستحقة السداد في الفترة القصيرة القادمة. هذه الأزمة ظهرت بعد حملة الحكومة الصينية على الشركات ذات الديون العالية ضمن حملاتها خلال الأشهر الماضية في إعادة هيكلة تشريعاتها التجارية والتي على أثرها أوقفت اكتتاب (مجموعة آنت) المملوكة للملياردير الصيني (جاك ما) مالك ومؤسس علي بابا. وهو ما جعل الكثيرين يصفون هذه الحملات بأنها أشبه بـ(تقليم الأظافر) للشركات المحلية لتأكيد هيمنة الحزب الشيوعي الحاكم. فهل تشبه حالة إيفرغراند الحالات التي تعرضت لها الشركات التقنية سواء من ناحية الهدف أو التبعات؟
لفهم حالة إيفرغراند، يجب معرفة الوضع الحالي للقطاع العقاري الصيني، والذي شهد انفجارا في النمو خلال العقدين الماضيين جعله يشكل اليوم نحو 25 في المائة من الاقتصاد الصيني (ثاني أكبر اقتصاد في العالم). ولتلبية الطلب المتزايد للعقار، اعتمدت معظم شركات التطوير العقاري الصينية على الديون، وبشكل مبالغ فيه. ولعل إيفرغراند أكبر مثال على ذلك، فشكلت الديون قصيرة الأجل أكثر من 80 في المائة من ديونها، وهي ديون ذات فوائد مرتفعة ولا تتناسب – بسبب قصر أجلها – مع طبيعة الاستثمار العقاري. ونحو 45 في المائة من هذه الديون مقترضة مما يسمى بأنظمة الظل المصرفي، وهم وسطاء ماليون يقدمون خدمات مالية بفوائد أعلى بكثير من فوائد البنوك التي لا تتجاوز 25 في المائة. هذه الاعتماد شبه التام على الديون قصيرة الأجل، ذات الفوائد العالية، والخطر العالي، جعل القطاع العقاري الصيني أشبه بقنبلة يمكن انفجارها في أي لحظة.
لأجل ذلك بدأت الحكومة الصينية في أغسطس (آب) الماضي بحملة استهدفت الشركات ذات الديون العالية والتي قد تشكل خطرا على استقرار الاقتصاد الصيني. فاستحدثت عدداً من التشريعات، كان منها تقليص قدرة المطورين العقاريين على مراكمة الديون إلى أقل من 70 في المائة من تقييم أصولها، وألا تزيد ديون هذه الشركات على قيمتها المالية، وأن تكون لديها في أي وقت سيولة تكفي لتغطية ديونها قصيرة الأجل. هذه القرارات غيّرت من طبيعة القطاع العقاري الصيني، وهزت شركات عديدة وجعلتها عُرضة للانهيار. وبحسب مراكز الدراسات، فهناك ما لا يقل عن عشر شركات عقارية أخرى بنفس الموقف الخطِر تعاني منه إيفرغراند، هذه الشركات مرتبطة بعقود مبيعات لا تقل مبالغها عن 290 مليار دولار.
ولطالما حذرت مراكز الدراسات المالية من وضع قطاع العقار الصيني، كان آخرها مجموعة كريدت سويس السويسرية التي قللت من تمويلها للقطاع العقاري الصيني العام الماضي بسبب ارتفاع معدل الخطر فيه. وإيفرغراند نفسها عانت من أزمات مالية متعددة خلال السنوات الماضية، ولم تكن هذه الأزمات خفية على العالم، كان من ضمنها في عام 2018 عندما ساهم مؤسسها في تغطية أحد سنداتها بأكثر من مليار دولار بعد عدم تغطيته بالكامل من المستثمرين. وعانت شركة هوارونغ العقارية من ذات الأزمة في أغسطس الماضي عند بداية حملة الحكومة الصينية بسبب التزامات مالية تعدت مبالغها 230 مليار دولار، وما زاد الطين بلة أن مسؤولي الشركة احتالوا لإخفاء خسائر بقيمة 16 مليار دولار قبل أن تتدخل الحكومة الصينية بعد ذلك لإنقاذ الشركة. هذه الحالات مجرد أمثلة بسيطة على ما يحدث في قطاع العقار الصيني، والذي يهدد انهياره بأزمة حقيقية للاقتصاد الصيني، لا سيما مع كونه يشكل ربع حجم الاقتصاد الصيني إضافة إلى أثره المخيف على القطاع البنكي الصيني الذي يملك أصولا عقارية وصلت قيمتها إلى 50 تريليون دولار. وليس الانهيار فحسب ما يهدد الاقتصاد الصيني، فحتى تباطؤ نمو الاقتصاد العقاري (مع ما يشكله من نسبة من الاقتصاد المحلي) يهدد إجمالي نمو الاقتصاد الصيني. ولم يسبق للقطاع العقاري أن شكل هذه النسبة من إجمالي الاقتصاد المحلي لأي دولة في العالم، ولا حتى أميركا قبل الأزمة المالية. وما وصل إليه القطاع أصبح يشكل خطرا أمنيا حقيقيا للصين، فقد تنتشر عدوى التخلف عن السداد من القطاع العقاري إلى قطاعات أخرى من السلع الأساسية إلى الكماليات بسبب اهتزاز النظام المالي، وقد تأثر قطاع الصُلب بالفعل في الصين فهبط سعر طن الحديد إلى دون 100 دولار لأول مرة منذ عام. وما يقلق الصين أن المطورين العقاريين هم أكبر مصدري السندات الدولارية المتداولة في هونغ كونغ، أي أن أثر هذه الأزمة قد يمتد إلى هناك. إن إجراءات الحكومة الصينية لإعادة هيكلة القطاع العقاري الصيني جاءت لأهداف مختلفة تماما عن تلك التي استهدفت القطاع التقني، فالحكومة الصينية أبدت استياءها في الماضي كثيرا من الارتفاع الحاد في أسعار العقار، موضحة في أكثر من موقف أن العقار للسكن وليس للمضاربة. وما فعلته الحكومة الصينية ابتداء من الشهر الماضي هو محاولة تدارك القطاع العقاري حتى وإن كان الثمن أزمة حالية، حتى لا يتسبب لاحقا في دوامة اقتصادية لا يمكن للصين الخروج منها