-الكتاب: الفيل والتنين (صعود الهند والصين ودلالة ذلك لنا جميعا)
-المؤلف: روبين ميريديث
– ترجمة: شوقي جلال
– -الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, الكويت (عالم المعرفة)
فتحت الصين أبوابها على مصاريعها للعالم الخارجي في العام 1978، وهو ما لم تفعله الهند إلا في العام 1991، ومن ثم بدأت حظوظ الدولتين في التغير. وبعد 25 سنة من تلك “الإصلاحات الاقتصادية” زادت الدخول في الصين إلى الضعف مقارنة بالهند، وفي 2003 تجاوز 87% من الصينيين خط الفقر المقدّر بدولار في اليوم، بينما لم يتجاوزه سوى 69% من الهنود.
واستثمرت الشركات الأجنبية 7.5 مليارات دولار في الهند خلال السنة المالية المنتهية في 2006، بينما يستثمر المبلغ نفسه في الصين كل ستة أسابيع. وهكذا يتحرك اقتصاد الهند بطيئاً متثاقلاً، بينما تحلق الصين في السماء على طريق المستقبل (ص 16-17).
وبعد ذلك الإنجاز الصيني المدهش، تتساءل المؤلفة: كيف كان ذلك؟ الهند مجتمع ديمقراطي متنوع الثقافات واللغات، ويتحدث أغلبية سكانها الإنجليزية، وبها نظام قضائي راسخ ومستقر، وتربطها بالغرب روابط كثيرة لا حصر لها، وكل هذا بعكس حال الصين.
ولكن ثمة شيئاً واحداً مشتركاً بين البلدين: وهو أن تحولاتهما والطريقة التي سيحولان بها الكوكب حدث يذهل العالم الذي لم يشهد مثله منذ ظهور أميركا على مسرح الاقتصاد العالمي. وهنا تشير المؤلفة إلى أن الكتاب يحكي قصة تغيّر الصين والهند، وكيف تغيران مصير العالم (ص 18-19).
أين التقى ماو الطبقة الوسطى
يتكون هذا الكتاب من تسعة فصول: تتناول المؤلفة في الفصل الأول (أين التقى ماو الطبقة الوسطى، 23-54) الدور الخطير الذي تلعبه الطبقة الوسطى في تحقيق التنمية والتمرد على الدكتاتورية وقد تعرضت المؤلفة للمجاعة الكبرى التي واجهت الصينيين، ثم أوردت المؤلفة قصة اجتماع بعض الريفيين في 1978 للخروج عن نسق “شيوعية ماو” والمتمثلة في “المزارع الجماعية”، فأعادوا تقسيم الأراضي الزراعية بطريقة تفعّل دور الأسرة مما زاد الإنتاج إلى أربعة أضعاف، وقد هيأت تلك الإصلاحات الزراعية لشرارة التغييرات الكبرى في الصين.
“
زار “دينغ” -خليفة ماو- العديد من الدول منها سنغافورة للتعرف على تجاربهم والإفادة منها ثم شرع في وضع برنامج إصلاحي تدريجي يقوم على الصناعة والتحول إلى اقتصاد السوق تحت لافتة مقبولة سياسياً “اشتراكية ذات خصائص صينية
“
كما تم التعرض لمفاصل المشروع الإصلاحي الشيوعي لـ”ماو” الذي توفي عام 1976، وخلفه “دينغ” الذي سمح للفلاحين بأن يدخلوا في مجال الصناعات ليصل عدد المشاريع إلى 22 مليون وذلك بعد 25 سنة من بداية المشروع الإصلاحي.
وقد زار “دينغ” العديد من الدول منها سنغافورة للتعرف على تجاربهم والإفادة منها ثم شرع في وضع برنامج إصلاحي تدريجي يقوم على الصناعة والتحول إلى اقتصاد السوق تحت لافتة مقبولة سياسياً “اشتراكية ذات خصائص صينية”، ثم أعدوا خطة لتحقيق نمو بمعدل 8% سنوياً لتأسيس تنين اقتصادي أبدي، وهو ما حققوه فعلاً.
من دولاب الغزل إلى أسلاك الألياف البصرية
بينما يركّز الفصل الثاني (من دولاب الغزل إلى أسلاك الألياف البصرية، 55-82) على التجربة الإصلاحية الهندية، وتقفز المؤلفة بنا إلى 1991، وهو عام وصل عدد الذين هم تحت خط الفقراء إلى 230 مليون نسمة، وانهارت الموارد المالية الحكومية، ووصلت إلى حد الإفلاس، مع مشاكل سياسية خطيرة، فما الذي حدث بعد ذلك؟
بعد اغتيال “راجيف غاندي” في 21-5-1991، تولى “نارشيما راو” رئاسة الحكومة، وعين العالم الاقتصادي “مانموهان سينغ” وزيراً للمالية، حيث تولى وضع خطة إصلاح اقتصادية واسعة، مما دفع بصندوق النقد الدولي إلى تقديم قروض، وأعلن في الهند عن الاستمرار في إدخال إصلاحات هيكلية ضخمة تقوم على تشجيع الصناعة، ودعوة المستثمرين إلى الدخول في الصناعات، وقد أدت تلك الإصلاحات إلى نتائج اقتصادية مذهلة.
وقد أشارت المؤلفة إلى أن الهند قد تأخرت كثيراً في “عزلتها”، كما تعرضت الكاتبة إلى تأثير أفكار كل من “غاندي” و”نهرو” على الثقافة الهندية كما تطرقت إلى جهود “جامستي تاتا” في تحقيق الاكتفاء الذاتي والقوة الاقتصادية بدءا من العام 1868، ثم عرجت على المفاصل والمشاريع الإصلاحية الهندية، ومنها تجربة “نارايانا مورثي” أو “بيل غيتس الهند” وكيف استطاع أن يؤسس للتقدم الحاسوبي في الهند.
كما أشارت المؤلفة إلى أن الهنود بدؤوا يحولون أنظارهم نحو الصين بصفتها “ملهماً” لهم، وقد اعترف الهنود بأن الصينيين قد سبقوهم كثيراً، إلا أنهم عازمون على الالحاق بهم، كما اعترف الهنود بأن “البنية الأساسية” هي المشكلة الكبرى التي يواجهونها، وفي كلمة لها دلالات هامة، قال أحد ساسة الهند: الصين قادرة على السير بحركة الإصلاح بشكل أسرع لأن نظامها دكتاتوري. وأنا أقول: هذا يعني أن الدكتاتورية إذا كانت مخلصة فإنها تحمل بذورا مفيدة للإصلاح مع قبحها.
صناعة أميركية
الصين اتبعت سياسة جذب الاستثمارات الأجنبية مما أسهم في دخول عدد كبير من الشركات متعددة الجنسيات التي وجدت الصين سوقا يحقق لها: تخفيض التكاليف مع نمو مستمر في العائد
“
أما الفصل الثالث (صناعة أميركية، 83-108) فقد استعرضت فيه المؤلفة بعض مظاهر التقدم الاقتصادي كما تناولت بعض المشاكل الكبرى التي تواجهها الصين للمحافظة على ذلك التقدم.
وقد ركزت المؤلفة على اتباع الصين سياسة جذب الاستثمارات الأجنبية مما أسهم في دخول عدد كبير من الشركات متعددة الجنسيات التي وجدت الصين سوقا يحقق لها: تخفيض التكاليف مع نمو مستمر في العائد، وكمثال على ذلك وفرت الشركات الأميركية العاملة في الصين سبعين مليار دولار في عام 2005، ليس ذلك فحسب بل مارست الصين إغراء شديداً للمستثمر الأجنبي من خلال الاكفتاء بمبالغ ضئيلة كعوائد، وقد أشارت المؤلفة إلى معالم الفساد المستشري في الصين.
طريق التوابل عبر الإنترنت
في حين أن الفصل الرابع (طريق التوابل عبر الإنترنت، 109-140) تخصصه المؤلفة لتحليل العوامل التي دفعت الشركات الأجنبية إلى نقل وظائف ذوي الياقات البيض عبر البحار Offshoring وتحديداً في الهند، وأشارت إلى بعض التقديرات التي تذهب إلى انتقال ثلاثمائة ألف وظيفة أميركية سنوياً لمدة ثلاثين سنة.
وقد شبهت المؤلفة الصين بأنها أصبحت “مصنع العالم” في حين باتت الهند هي “المكتب الخلفي” Back Office للعالم، وتشرح المؤلفة كيفية ومراحل انتقال وظائف ذوي الياقات البيض إلى الهند، ومن أبرز المشاكل الخطيرة التي تواجه الهند -بحسب المؤلفة– أن الطلب على الوظائف “منحاز” لذوي الياقات البيض، مما حرم شرائح كبيرة فرصة الحصول على وظائف (نسبة الأمية في الهند 39%)، غير أن هناك اتجاهاً نحو تعزيز قدرات الهند الصناعية من أجل توفير مئات الآلاف من الوظائف لذوي الياقات الزرق.
خط التفكيك الإنتاجي وثورة الهند الثقافية
أما الفصل الخامس (خط التفكيك الإنتاجي، 141-168) فيناقش مسألة عولمة التصنيع من خلال القيام بعملية تفكيك لخطوط الإنتاج وتوزيعها على دول متعددة، ثم أخذت المؤلفة بالحديث المفصّل عن الفوائد المترتبية على ذلك (انخفاض التكاليف وتسهيل عملية النقل) والجوانب الفنية والإجرائية المتعلقة بتلك المسألة، واستعرضت نماذج ناجحة في ذلك المجال، وأشارت المؤلفة إلى أن تفكيك الخطوط لم يعد مقتصراً على السلع بل شمل الخدمات أيضاً وبوتيرة متزايدة.
وفي الفصل السادس (ثورة الهند الثقافية، 169-214) تكثّف الحديث حول الأبعاد الثقافية في محيط المجتمع الهندي وتضمن مسائل عديدة كالملابس والمرأة والزواج، كما تعرضت المؤلفة إلى مسألة التعليم مشيرة إلى جودة التعليم في بعض الجامعات، وإلى أن الكثير من أبناء النخبة كانوا يدرسون في الخارج مما أدى إلى نزيف العقول، غير أن الانتعاش الافتصادي بدأ يقنع الكثيرين للعودة مرة أخرى.
كما ناقشت المؤلفة مشاكل الفقر والعنف ضد المرأة والتمييز الطائفي والاحتقان الديني، وقد تطرقت المؤلفة إلى بعض التقديرات الهامة ومنها ما يتعلق بالانفجار السكاني، حيث تشير التقديرات إلى أن الهند ستتجاوز عدد الصينيين في 2030، غير أن علماء الاقتصاد يتوقعون أن تكون الهند ثالث أكبر اقتصاد بعد أميركا والصين وستصبح أكبر قوة عاملة في العالم لأن 68% من سكانها سيكونون في سن العمل (986 مليون نسمة).
ثورة باسم حفل عشاء
“
تتنامي ظاهرة الرغبة في البقاء في الصين على الرغم من الإغراءات الكبيرة ويعود ذلك إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية، إلا أن الأغلبية مع ذلك يرغبون بالعمل في الشركات الأجنبية العاملة بالصين لجودة ثقافتها التنظيمية
” وفي الفصل السابع (ثورة باسم حفل عشاء، 215-244) أكدت المؤلفة على أن الانفتاح الاقتصادي لم يحدث تغييرات في البنية الاقتصادية فحسب بل جر إلى تغييرات جوهرية في الفضاء الثقافي، وقد أشارت المؤلفة إلى السلوك الإدخاري باعتباره سمة هامة للصينيين، كما عالجت التغير في أنماط المعيشة نتيجة للتغير في دخول الأفراد في ضوء حديثها عن وجود تفاوت في الدخول مما أوجد فجوة متنامية بين الأغنياء والفقراء.
غير أنه في العام 2025 سيكون هناك 520 مليون صيني قد وصلوا المستوى الأعلى للطبقة الوسطى، ثم عرجت المؤلفة على بعض الأبعاد الثقافية التفصيلية كوضع المرأة من حيث العمل والملابس وحفل الزفاف، وأكدت المؤلفة على تنامي ظاهرة الرغبة في البقاء في الصين على الرغم من الإغراءات الكبيرة وعزت ذلك إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية، إلا أن الأغلبية مع ذلك يرغبون بالعمل في الشركات الأجنبية العاملة بالصين لجودة ثقافتها التنظيمية.
وثمة سبب آخر له دلالة شديدة الأهمية يعزى إلى ترسّخ الشعور بالنزعة القومية، وذلك كما يعبر بعض شباب الصين حين يرغبون في العمل لدى الأجانب من أجل نقل معارفهم إلى الصين، وقد تناولت المؤلفة حقيقة عدم تغير النظام السياسي وكذلك الثقافة السياسية لدى الصينيين في الوقت القريب.
جيوبوليتيكا ممزوجة بالنفط والماء
وفي الفصل الثامن (الجيوبوليتيكا ممزوجة بالنفط والماء، 245-284) أعادت المؤلفة تذكيرنا بالدور المحوري لكل من الهند والصين في الاقتصاد العالمي، فقد كانتا في عام 1600 تقدمان أكثر من نصف الناتج الاقتصادي العالمي.
تقدم الصين والهند المذهل سيجعلهما تهتمان بقضايا كبرى هي: الوظائف والحصول على المزيد منها، والحاجة إلى المزيد من الموارد الطبيعية بسبب الثورة الصناعية، وزيادة الطلب وارتفاع الأسعار العالمية
“وتستعرض المؤلفة بعض الإحصائيات منها: بحلول 2003 أصبح البلدان يمثلان 20% من الاقتصاد العالمي، وسيرتفع نصيبهما إلى 28% في عام 2030، وهنالك توقع بأن تتجاوز الصين في ذلك العام اقتصاد أميركا لتصبح الثانية وتكون الهند هي الثالثة.
وتذكر المؤلفة أن تقدم الصين والهند المذهل سيجعلهما تهتمان بقضايا كبرى هي: الوظائف والحصول على المزيد منها، والحاجة إلى المزيد من الموارد الطبيعية بسبب الثورة الصناعية، وزيادة الطلب وارتفاع الأسعار العالمية، وتحديث القوات العسكرية مما يسبّب تغيرات في الجيوبوليتك وتصدعات متزايدة فيما بين الصين وأميركا، والتلوث البيئي العالمي، وقد عضّدت تلك التحليلات بإحصائيات دقيقة.
حافز للمنافسة
وفي الفصل التاسع والأخير (حافز للمنافسة، 285-320) عرضت المؤلفة للقلق الأميركي الكبير جراء صعود الصين والهند، بالإضافة إلى تعقد عمليات التنبؤ بما يمكن أن يحدث فعلاً للاقتصاد الأميركي والاقتصاد العالمي، مع الإشارة إلى تردي التعليم الأميركي وضمور التفكير الإستراتيجي لدى الشركات. وقد أشارت المؤلفة إلى أن ذلك الصعود خلق سؤالاً كبيراً: هل الهند والصين أصدقاء أم أعداء؟ وهل يمثل الصعود خيرا أم شراً على الغرب؟
وتناقش المؤلفة سيناريوهات متوقعة للصعود على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك احتمال توسع الغربيين في نظام “الحمائية” في الأسواق، واختتمت المؤلفة بالقول إنه من العسير توقع أي الوظائف ستكون أفضل في الغرب، وذهبت إلى القول “لعل أكثر الوظائف رسوخاً في الغرب هي وظيفة العرّاف” (ص 318)، ثم مضت تقول: “ليكن صعود الهند والصين عامل حفز إعادة ترسيخ القدرة التنافسية لأميركا” (ص 320).
المصدر: الجزيرة