https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png
على المديين القريب والمتوسط، يبدو أن تركيا تنوي اتباع سياسة خارجية متوازنة من شأنها تعزيز مصالحها السياسية ، حتى لو على حساب حلفائها الغربيين التقليديين، أما موسكو، فهي تنوي الحد من محاولات الغرب منع إنشاء أنابيب النفط والغاز الروسية بهدف الحفاظ على نفوذها الجيوسياسي في أوروبا.
لطالما اعتُبرت روسيا العدو رقم واحد في تركيا، فعلى مدى الحقبة العثمانية الطويلة، خاضت تركيا وروسيا عدداً من الحروب الوحشية، وبين عامي 1923 و1991، كانت الجمهورية التركية مسؤولة عن حراسة الجناح العسكري الجنوبي التابع لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
لكن تغيرت هذه الظروف بعد نهاية الحرب الباردة، حين توجه عدد كبير من المقاولين الأتراك نحو الشرق بحثاً عن فرص عمل جديدة في الأنظمة الاقتصادية المتخلفة في الدول السوفياتية.
سرعان ما أعطت هذه الاستثمارات ثمارها، فقد تفوقت روسيا على ألمانيا، في عام 2008، بعد أن أصبحت أكبر شريك تجاري لتركيا، ومن المتوقع أن تبلغ قيمة التجارة بين البلدين 40 مليار دولار مع نهاية عام 2010. توفر روسيا لتركيا 68% من غازها الطبيعي و20% من نفطها المستورد، وكذلك، يقوم آلاف السياح الروس بزيارة تركيا سنوياً، وقد وقع البلدان أخيراً اتفاقاً لإلغاء ضوابط تأشيرة الدخول، فضلاً عن ذلك، شطبت تركيا اسم روسيا من ‘الكتاب الأحمر، وهو عبارة عن وثيقة خاصة بالأمن القومي، تَرِد فيها التهديدات الأمنية الخارجية التي تواجهها تركيا.
يعود معظم النمو الحاصل في قطاع التجارة إلى تنامي حجم الواردات التركية من موارد الطاقة الآتية من روسيا. ها هي تركيا تجد نفسها في وسط الشرق الأوسط ومنطقة أوراسيا الغنيين بالنفط، وهي تسعى في المقام الأول إلى التحول إلى محور للنفط والغاز بالنسبة إلى أوروبا، أما روسيا الحريصة على السيطرة على ممرات إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، فهي تعتبر تركيا نقطة محورية استراتيجية وتنوي إنشاء عدد من العلاقات الدبلوماسية لضمان حماية مصالحها على مستوى الطاقة والاقتصاد.



غالباً ما يؤدي هذان الهدفان دور المحرك للاتفاقات الأخرى. على سبيل المثال، يرتبط اتفاق روسيا على بناء أول مفاعل نووي للطاقة في تركيا برغبة البلدين في تعميق التعاون بينهما في قطاع الطاقة. اتفقت شركتا ‘أتوم ستروي اكسبورت‘ (Atomstroyexport) و’إنتر راو‘ (Inter RAO) على بناء أربعة مفاعلات تصل مجمل طاقتها إلى 4.8 غيغاوات، بقيمة تقارب 20 مليار دولار، وسيكون حجم هذا الاتفاق غير مسبوق في حال إتمامه، وستصبح تركيا موطن أحد أكبر المنشآت الخاصة بمفاعلات الطاقة في العالم، وفقاً لتحليل الشركة الاستشارية الكبرى ‘ستراتفور’. حتى أن روسيا لا تملك مصنعاً بهذا الحجم على أراضيها الخاصة، كما أنها لم تعلن عن أي خطط لبناء مفاعل بهذا الحجم في المستقبل القريب.
في تصرف بعيد كل البعد عما هو مألوف، وافقت روسيا على تمويل المشروع، على أن تعوض عن النفقات المترتبة عليها من خلال مبيعات الكهرباء المضمونة على مدى 15 عاماً. ستحافظ روسيا على 51% من ملكية الشركة وستُقدِم على الأرجح على بيع ما نسبته 49% إلى شركة ‘أكسا‘ (Aksa) التركية التي تعمل في مجال الطاقة، كذلك، ستضطر تركيا إلى الاعتماد على روسيا في أعمال الصيانة وتوفير وقود اليورانيوم واستبدال العناصر اللازمة. بالتالي، وافقت تركيا على إنشاء مصنع لتوليد الطاقة النووية على أراضيها، على أن يبنيه ويموله ويشغله الروس، مقابل مبيعات مضمونة للكهرباء الروسية، ويرى منتقدو الاتفاق أن تركيا سيزيد اعتمادها على روسيا للحصول على الطاقة ولن تستفيد من التقنيات التكنولوجية النووية المدنية التي ستحصل عليها.
استغلت تركيا المفاوضات المتعلقة بمشروع المفاعل لكسب التنازلات من الجانب الروسي بهدف إقامة مشاريع طاقة أخرى. خلال المفاوضات، توصل الفريقان إلى الاتفاق على ضخ النفط الروسي من ساحل البحر الأسود في تركيا نحو ساحل البحر المتوسط. كُلّفت شركة ‘غازبروم‘ (Gazprom) الروسية العملاقة في مجال الطاقة وشركة ‘شاليك’ القابضة (Çalık Holding) التركية وشركة ‘إيني‘ (Eni) الإيطالية ببناء خط الأنابيب. ويهدف هذا الأخير إلى تسهيل عملية مرور ناقلات النفط في مضيق البوسفور المكتظ، وهو مجرى ملاحي ضيق يفصل بين أوروبا وآسيا. يُعتبر هذا المشروع عنصراً أساسياً من سياسة الطاقة التي يعتمدها حزب العدالة والتنمية.
على المستوى الجيوسياسي، تتشارك تركيا وروسيا عدداً من الأهداف السياسية المتداخلة في البلدان التي تحدّ البحر الأسود وبحر قزوين. لطالما كانت القوقاز تقليدياً منطقة تتنافس فيها تركيا وروسيا على النفوذ السياسي، فقد دعمت تركيا استقلال أذربيجان وأرمينيا وجورجيا، ووسعت نطاق مساعداتها في الصراع على الاستقلال في الشيشان، وصولاً إلى حرب الشيشان الثانية، في المقابل، شكّلت روسيا مدافعاً شرساً عن حقوق الأكراد ودعمت حزب العمال الكردستاني، لكن بعد توقيع خطة عمل التعاون في أوراسيا، في ديسمبر 2001، اتفق البلدان على وقف دعمهما للانفصاليين في كردستان والشيشان، ما يزيل مصدر توتر كبير في العلاقة بين البلدين.
تزامنت هذه التطورات مع تدهور العلاقات الأميركية الروسية بسبب أوكرانيا وجورجيا وبسبب إقدام إدارة بوش على إلغاء المعاهدة المضادة للصواريخ البالستية بشكلٍ أحادي الجانب، بالنسبة إلى تركيا، تزامنت هذه الأحداث مع انهيار سريع في العلاقات الأميركية التركية بسبب غزو العراق.
في تلك الفترة، بدا وكأن سياسات واشنطن تتعارض مع مصالح تركيا الإقليمية. لطالما قامت تركيا، تماماً مثل روسيا، بدعم سياسة ترتكز على عامل الاستقرار، لا تعزيز الديمقراطية، في القوقاز. فضلاً عن ذلك، اتفق البلدان في معارضتهما للحرب على العراق، ما دفع الطرفين إلى معارضة تمسك إدارة بوش بنشر الديمقراطية، ولإثبات وجهة النظر هذه، قامت تركيا بالتأكيد على شروط اتفاقية مونترو، ما سمح بدخول حد أدنى من السفن البحرية الأميركية إلى البحر الأسود خلال الحرب بين روسيا وجورجيا.
تعتبر تركيا أن أي خطة أمنية إقليمية يجب أن تشمل روسيا وأن ‘القوى الخارجية’ (مثل الولايات المتحدة) يجب أن تتوقف عن التدخل في نطاق النفوذ التركي المباشر. كذلك، تعترف أنقرة بدور روسيا في حل صراعات المنطقة المعلقة، وتحديداً بين أرمينيا وأزربيجان.
على المديين القريب والمتوسط، يبدو أن تركيا تنوي اتباع سياسة خارجية متوازنة من شأنها تعزيز مصالحها السياسية الشخصية، حتى لو على حساب حلفائها الغربيين التقليديين، أما موسكو، فهي تنوي الحد من محاولات الغرب منع إنشاء أنابيب النفط والغاز الروسية بهدف الحفاظ على نفوذها الجيوسياسي في أوروبا. تبدو الظروف مناسبة حتماً كي يعمق البلدان روابطهما الثنائية في المستقبل القريب. وفقاً للسياسة السائدة في تركيا، يتماشى تعميق التعاون مع موسكو مع سياسة تركيا الخارجية ‘الخالية من المشاكل’، كما أنه يخدم عدداً من أهداف السياسة الخارجية التركية المباشرة.
*
صحيفة تودي زمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 1 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube