كتب محمد خير الوادي :
جسد اللقاء الذي جرى قبل يومين بين الرئيس الصيني شي جينغ بين والامريكي بايدن في دولة البيرو ، حقيقة ما يجري في قارة امريكا اللاتينية كلها . فقد كانت ملامح الرئيس الصيني تشي بالقوة والاطمئنان والثقة بالنفس والرضى عن حجم الانجازات التي حققنها الصين في دول تلك القارة خلال العقد الاخير ، بينما ظهرت علامات التعب والانهاك وعدم اليقين والخيبة على وجه الرئيس الامريكي بسبب تعاظم النفوذ الصيني هناك .
وقد سعت بكين الى استغلال قمة منتدى آسيا والمحيط الهادي في بيرو، كي تستعرض عضلاتها القوية في منطقة امريكا اللاتينية . ولذلك نُظمت للرئيس الصيني فعاليات واسعة افتقدها الرئيس الامريكي .
فقد انشغل الرئيس الصيني بالاحتفالات التي اقيمت في عاصمة البيرو بمناسبة تدشين ميناء تشانكاي ،وهو من اكبر موانيء امريكا اللاتينية، والذي نفذ بخبرات واموال صينية بلغت ثلاثة ونصف مليار دولار . وسيوفر ذلك الميناء امكانية نقل خامات الحديد الى الصين من مناجم البيرو التي تسيطرعلى 80% منها شركات صينية . ونضيف كذلك ، ان الشركات الصينية تدير كذلك ،جميع محطات الكهرباء التي تغذي العاصمة ليما والمشروعات الحيوية فيها – بما في ذلك المرفأ المذكور .
وبكين لم تعزز وجودها في البيرو فحسب . فقد اصبحت الصين الشريك التجاري الاول لدول امريكا اللاتينية كلها بمبلغ وصل العام الماضي الى 480 مليار دولار سنويا .
كما استثمرت الصين عشرات المليارات من الدولارات في مشروعات البنية التحتية في دول امريكا اللاتينية ، بما في ذلك بناء السدود والمرافيء والمطارات والسكك الحديدية . وأولت بكين عناية خاصة لقطاع الاتصالات في امريكية اللاتينية . فهي – اي بكين – قد استثمرت بكثافة في مشروعات اقامة محطات فضائية في دول امريكا اللاتينية . حصل ذلك في الارجنتين مثلا ، حيث بنت الصين محطة فضائية في منطقة باتاغونيا الأرجنتينية ، تحتوي على هوائي مكون من 16 طابقًا .كما ادخلت بكين تقانة التعرف على الوجه الى عدد من دول تلك القارة ، وفي طليعتها فنزويلا، التي يبلغ حجم الاستثمارات الصينية فيها نحو سبعين مليار دولار . وهناك شواهد اخرى على عمق الوجود الاقتصادي الصيني في قارة امريكا اللاتينية . ف22 دولة في تلك القارة انضمت رسميا الى مبادرة الحزام وطريق الحرير الصينية ، وهناك كذلك خمس دول وقعت على اتفاقية التجارة الحرة مع بكين ، في الوقت الذي لم يتمكن الاتحاد الاوربي – حتى اليوم –من توقيع تلك الاتفاقات مع دول امريكا اللاتينية .
وتنامي الحضور الاقتصادي الصيني في دول تلك القارة ، ضمن لبكين نفوذا سياسيا واسعا هناك .
والدليل على ذلك، ان معظم دول امريكا اللاتينية تساند الصين في المنظمات الدولية وفي الامم المتحدة ،والاغلبية العظمى من تلك الدول قطعت علاقاتها مع تايوان . كما رفضت دول كثيرة في تلك القارة الانضمام الى الحرب التجارية الامريكية ضد الصين والتي شنها عام 2016 الرئيس الامريكي السابق والقادم ترامب ، ولم تلتزم بالعقوبات الامريكية ضد شركة هواوي الصينية .
هذه الوقائع تشير الى حجم وعمق التغييرات التي حدثت خلال ربع القرن الاخير لصالح الصين في تلك القارة ،والتي كانت تسمى ” الحديقة الخلفية ” لواشنطن .
بالتأكيد ، فان واشنطن لن تكون ابدأ راضية عن التنامي السريع للنفوذ الصيني في دول امريكا اللاتينة ، وستسعى بكل السبل للوقوف في وجه الزحف الصيني الشامل هناك ، لا سيما خلال ادارة الرئيس ترامب المقبلة ، والذي –كما ذكرنا – بدأ في ولايته الاولى حربا تجارية واسعة ضد الصين ونفوذها في كل العالم . وهناك مؤشرات تدل ، على ان مثل تلك الحرب يمكن ان تعود بشراسة ، ويمكن ان تكون دول امريكا اللاتينة احدى ساحاتها .
18/11/2024