كتب محمد خير الوادي :
يُثار سؤال كبير الان حول الموقف الحقيقي للصين من المواجهة الروسية الغربية المستعرة حول اوكرانيا .رسميا ، اعلنت بكين دعمها للمطالب الامنية الروسية ، مع ملاحظة ان المواقف الصينية قد اتسمت بالهدوء والمطالبة بعدم التصعيد .
قد يكون مرد هذا الهدوء ،حرص بكين على نجاح الالعاب الاولمبية الشتوية التي تجري في بكين ، ولكن – برأي – هناك اسباب اكثر عمقا ، تفرض على الصين التزام الحذر تجاه الصراع الدائر عند الاطراف الشرقية لاوربا .
فالصين تختلف عن روسيا ، بانها دولة تجارية بالدرجة الاولى وعسكرية بالدرجة الثانية . فاذا كانت المنتجات العسكرية تحتل الرقم الاول في قائمة السلع المصنعة التي تصدٌرها موسكو ، فان نسبة السلع المدنية في صادرات بكين تفوق ال 95% من تجارة الصين الخارجية .
ومعروف ان نجاح التبادلات التجارية المدنية ، بحاجة الى اجواء من الهدوء والاستقرار ، على عكس الصادرات العسكرية التي تزدهر ويزداد الطلب عليها اثناء الازمات وفي المناطق االملتهبة .
ولذلك ، تسعى الصين الى ضمان بيئة سلمية عالمية ،تمكٌن سلعها من التدفق بسلاسة الى الاسواق العالمية .وهذه النقطة شديدة التأثير على مواقف الصين وتوجهها العالمي .
اضافة الى ذلك ، فان ثلثي المبادلات التجارية الصينية التي تضمن تدفق التقانة العالية والعملات الاجنبية الصعبة للصين، تتم مع الدول الغربية. ثم ان بكين تولي اهتماما خاصا لاستمرار وتطوير مبادرة الحزام والطريق- خاصة بشقه البري – كوعاء اساسي لتنشيط التبادل التجاري مع اوربا .فالقطارات الصينية التي تحمل على متنها مئات الالاف الاطنان من البضائع الصينية تصل الان الى لندن، بعد ان تمر عبر روسيا واوربا كلها . واكرانيا- بالتحديد -، تشغل حيزا كبيرا في الشق الاوربي من مبادرة طريق الحرير والحزام. واي توتر يحل في اوربا ، سيؤثر سلبا على تدفق البضائع الصينية ،ويشل مبادرة الحزام والطريق التي اطلقها الرئيس الصيني شي عام 2013.
الامر الآخر الذي يفرض نفسه على بكين ، هو انشغالها اولا بقوس الازمات المتفجرة الذي يحيط بها .فهناك قضية تايوان المستعصية على الحل ، والتي تعتبرها الصين مسألة وطنية ، اضافة الى الاوضاع المتفجرة في بحر الصين الجنوبي ، والعداء التاريخي مع اليابان.
ثم ان مشكلة الصين الاساسية ، تكمن في ان علاقاتها ليست مستقرة مع الاربعة عشر دولة التي تملك حدودا معها .فهناك توترات اتنية ودينية مع دول في اسيا الوسطى ، وهناك خلافات حدودية متفجرة مع الهند وفيتنام والفيليبين وسنغافورة وماليزيا. وقد دخلت امريكا على خط تلك الخلافات كلها ، وضاعفت واشنطن عدة مرات من وجودها العسكري حول الصين .
والتحدي الاكبر الذي يواجه الصين ، ويقيد الى حد ما امكانية انخراطها في الازمات الدولية ،يتجسد في حرص القيادة الصينية على تأمين حياة مستقرة ورغيدة للشعب الصني البالغ عدده اليوم نحو مليار واربعمائة مليون نسمة . لقد اعلن الرئيس شي رسميا قبل فترة ، ان الصين قد دفنت الفقر وتخلصت من التخلف والفاقة . وبات الشعب الصيني معتادا على نمط متقدم من الحياة ، واصبحت متطلباته المعيشية في ازدياد مستمر . ان تحسين الظروف المعيشية للشعب الصيني ، يعتبر من اكبر الانجازات التي حققتها الصين في تاريخها الحديث . لكن ، بالمقابل ، فان الحفاظ على هذا الانجاز والارتفاع المستمر به ، بحاجة الى اعتمادات مالية هائلة وجهود جبارة متواصلة . وهو امر يفرض على القيادة الصينية وضع هدف توفير الحياة الرغيد للشعب الصيني على رأس اهتماماتها ، ورصد المخصصات المالية لذلك ، بدل انفاقها خارج الصين . ولذلك فان بكين تناى – في اغلب الاحيان – بنفسها عن الانخراط المباشر في ازمات دولية بعيدة عن حدودها ـ لأن احدا من قادة الصين لا يملك ترف المغامرة والمشاركة في صراعات دولية خطرة مكلفة .
لهذه الاسباب ، فان الموقف الصيني من الازمة حول اوكرانيا يمكن ان يسير – برأي – بخطين متوازيين : اولهما دعم سياسي واعلامي لمواقف موسكو ، وثانيهما عمل هاديء وفي غرف مغلقة وبعيدا عن الاضواء ، هدفه خفض التوتر في تلك المنطقة والحيلولة دون انجراف الاوضاع هناك الى هاوية الحرب .
19/2/2022