المؤلف: جون حسين جازفنيان
قصة النفط
وعبر مقدمة وسبعة فصول، يتناول الباحث قصة اكتشاف النفط في القارة السمراء، ودور الغرب في صناعته والسيطرة عليه، خصوصا وأن النفط الأفريقي يتمتع بعدة ميزات، منها: أنه من النوع “الخفيف”، وهو أسهل استخراجا وتكريرا من خام الشرق الأوسط “الثقيل” نوعا ما، وأنه كذلك موجود في مناطق بحرية بعيدة عن اليابسة، مما يسهل تعبئته ونقله عبر السفن إلى موانئ أوروبا وأميركا، بعيدا عن المخاوف من سرقته أو الاضطرابات السياسية والحروب في الدول المنتجة له.
ويمتاز نفط أفريقيا أيضا، من منظور شركات النفط، بأن الدول المنتجة له توفر بيئة تعاقدية جيدة إلى حد كبير عن البيئة التعاقدية لبترول الشرق الأوسط، لأن معظم البلدان الأفريقية يتم التعاقد معها على أساس ما تسمى باتفاقيات الشراكة في الإنتاج، وأخيرا فإن معظم الاكتشافات الحديثة تمت في دول ليست عضوا في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، وبالتالي لا تخضع للقيود الصارمة على الإنتاج، التي تحددها المنظمة للحفاظ على مستوى الأسعار.
وعلى الرغم من ظهور النفط في أفريقيا بهذه الكثرة في السنوات العشرين الأخيرة، فإن إحدى فضائح هذا الانتعاش تتمثل في أنه خلق فرص عمل في الولايات المتحدة وأوروبا، بأكثر مما خلق في تلك البلدان الأفريقية!
ذلك أن 5% فقط من المليارات، التي يتم استثمارها في مشروعات النفط الأفريقية كل عام، تنفق في تلك البلدان، في حين أن الباقي يذهب إلى تطوير آلات الاستخراج، وصناعة السفن، ومد خطوط النقل وغيرها، أما البيئة المحيطة بإنتاج النفط فتبقى في وضع شديد البؤس.
نيجيريا البائسة
ويتحدث الفصل الأول عن نيجيريا باعتبارها نموذجا للدولة الفاشلة في الاستفادة من الثروة النفطية، على الرغم من ظهور البترول فيها في وقت مبكر، حيث انخفض مستوى معيشة سكانها باطراد، منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1960، إلى حد أن البنك الدولي يصنفها الآن على أنها واحدة من الدول العشرين، الأكثر فقرا في العالم، على الرغم من أنها تنتج أكثر من مليوني برميل نفط يوميا، بل إنها سابع أكبر دول العالم المنتجة للنفط!
“على الرغم من ظهور النفط في أفريقيا بهذه الكثرة في السنوات العشرين الأخيرة، فإن إحدى فضائح هذا الانتعاش تتمثل في أنه خلق فرص عمل في الولايات المتحدة وأوروبا بأكثر مما خلق في تلك البلدان الأفريقية!”
ويعيش 57% من سكان نيجيريا على أقل من دولار واحد في اليوم، وترتفع هذه النسبة إلى 70% في دلتا النيجر، التي يستخرج منها النفط بنسبة 100%، وبعد أن كانت عملتها قوية (ناير كان يعادل 4 دولارات أميركية، فأصبح 4 دولارات تساوي أكثر من ألف ناير).
إنها إذن محصلة لمجموعة من الأمور: الاضطرابات العرقية، والانقلابات العسكرية، والفساد، وفي النقطة الأخيرة -على سبيل المثال- كان هناك 33 من حكام الولايات الـ36 في البلاد عام 2006 يخضعون للتحقيق بتهم الفساد أو غسل أموال أو غيرها من جرائم المال العام! والخلاصة أن 80% من عائدات النفط والغاز في نيجيريا تعود إلى 1% فقط من السكان!
المرض الهولندي
ويتناول الفصل الثاني صورة أخرى من صور تأثير عائدات النفط سلبا على مدى نجاح إدارة الدولة، وهي حالة الغابون التي وجدت نفسها فجأة تحصد مئات الملايين من الدولارات بلا جهد، فأصابها ما يطلق عليه المؤلف “المرض الهولندي”، أي أن البلد -بفضل العائد الضخم الآتي من البترول- تتحول من الإنتاج إلى الاستيراد شبه الكامل من الخارج، ومن ثم الإنفاق ببذخ.
وعندما ينخفض الوارد من ثمن النفط تدخل الدولة في أزمة حقيقية، سواء في المنتجات الزراعية أو الصناعية، وعلى سبيل المثال فإن الغابون كانت تكتفي ذاتيا من “الموز”، وبعد اكتشاف النفط أصبحت تستورده كاملا من الكاميرون المجاورة، إنه نوع من الفشل في إدارة الموارد.
وفي الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن أنغولا، وهي نموذج آخر للدولة الأفريقية التي تحمل كافة التناقضات، حيث توجد فئة صغيرة شديدة الترف، تتصرف بطريقة لا تتوافق مع كون أغلبية سكان البلاد تعيش في فقر مدقع وعشوائيات، وتضخم يصل لأكثر من ألف في المائة في العام الواحد.
وفي عام 2003 كان ثلثا سكان أنغولا يعيشون تحت خط الفقر وهو دولار وسبعة أعشار الدولار في اليوم، بل إن واحدا من بين كل أربعة يكافح من أجل البقاء بأقل من ثلثي دولار في اليوم، وهو المعروف بـ “الفقر المدقع”.
“يتحدث الفصل الأول عن نيجيريا باعتبارها نموذجا للدولة الفاشلة في الاستفادة من الثروة النفطية، على الرغم من ظهور البترول فيها في وقت مبكر، حيث انخفض مستوى معيشة سكانها باطراد منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1960”
ويناقش الفصل الرابع الأوضاع الأكثر سوءا في غينيا الاستوائية، وهي أوضاع يصفها المؤلف بأنها “محاكاة ساخرة لحكم اللصوص، يحكمها رجل قتل عمه (منذ 35 عاما) ليصبح رئيسا، وهو متهم بكل شيء يتعلق بالفساد وغسيل الأموال”.
وعلى الرغم من أن دخل الفرد في هذا البلد يبلغ 6200 دولار، وهو من أعلى الدخول في أفريقيا، فإن غالبية مواطني غينيا الاستوائية غير متعلمين وتعاني من سوء التغذية وتعيش في عشوائيات عفنة، وكريهة الرائحة، بلا ماء ولا كهرباء.
نموذج مختلف
وفي الفصل الخامس يتحدث المؤلف عن نموذج مختلف قليلا عما سبق، وهو دور النفط في “ساو تومي”، تلك الدويلة الصغيرة التي احتلها البرتغاليون حتى عام 1975، ولا يزيد عدد سكانها عن 200 ألف نسمة، وربما يكون حاضرها أفضل قليلا من النماذج السابقة.
وقبل بضع سنوات كان البعض يمتدح جمهورية تشاد -وهي حالة ميؤوس منها تجمع بين الحرب والجوع والكراهية القبلية- باعتبارها “نموذجا” لإدارة الموارد النفطية الناجحة في بلد أفريقي، وعلى الرغم من كون تشاد واحدة من أفقر الأماكن على ظهر الأرض، وأكثرها فسادا ووحشية، فقد كانت ستمد خط أنابيب، وتثبت لأفريقيا أن النفط يمكن أن يكون نعمة لا نقمة بالنسبة للدولة وشعبها، فهل نجح ذلك؟ بالتأكيد لا.
ويتحدث الفصل السادس بتفصيل أكثر عن جمهورية تشاد، التي تقوم -كما يقول المؤلف- على نوع من السيادة المرسومة بشكل فج والمتنازع عليها من الشمال والجنوب والشرق والغرب، وربما من الداخل أيضا.
هذه الدولة، الواقعة على بعد مئات الأميال في أي اتجاه من محيطات العالم الكبيرة، عبارة عن مأساة حارة وخانقة ومهملة لدولة تحتل باستمرار قاع كل مؤشرات التنمية البشرية، في حين تبلغ مساحتها ضعف مساحة فرنسا، ويعيش ثلاثة أرباع السكان بأقل من دولار في اليوم (الفقر المدقع)، ويمزقها العنف العرقي والديني، وهو ما يجعل موارد النفط -مع الأسف- أداة لإذكاء الصراع بدلا من التنمية.
الصينيون قادمون
وتحت عنوان “الصينيون قادمون.. ولكن من الذي لن يأتي؟” يتحدث الفصل السابع والأخير عن الحضور الصيني في القارة الأفريقية من خلال زيادة التبادل التجاري مع معظم دول القارة في السنوات العشر الأخيرة، وهو ما يعزز قدرة الصين على المنافسة بقوة في استخراج النفط مع الشركات الغربية.
وهناك أيضا دور متزايد للهنود والماليزيين، بل والبرازيليين، وأصبح هناك تنافس دولي واضح على ثروة أفريقيا النفطية، فهل تنجح هذه المنافسة الدولية في تحسين أحوال ساكني القارة السمراء اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، أم أن بقاء هذه الأوضاع السيئة هو جزء من حرص الغرب على “استغلال” ثروات القارة، بعيدا عن أسس العدالة؟