https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كيف تنظر التيارات السياسية الرئيسية الفاعلة في العالم العربي من إسلاميةويسارية وعروبية إلى مسألة العنف، إن عنف الحكومات أو العنف الأهلي؟ هلتتغير تراتبية أولويات المفكرين وصناع الرأي على نحو يدفع إلى الواجهةبقضايا كاحترام التنوع الديني والمذهبي وقبول التعددية العرقية ويعلي منشأن المنطق الديمقراطي في التعامل معها؟ هل تطورت بنية النقاشات العامة حولشؤون المجتمع والسياسة والدين على نحو يفرض احتراما متزايدا لحرية التعبيرعن الرأي والحق في الاختلاف؟قد تكون المنابع التبريرية للعنف التي ارتبطت في الماضي ببعض التياراتالسياسية في انحسار. إلا أن الثابت أيضا أن ثقافة الإدارة السلمية للاختلافداخل المجتمعات العربية مازالت إما غائبة أو محدودة الفاعلية في العديد منالحالات. في الجوهر، ترتبط الديمقراطية بمنهج وإجراءات الإدارة السلميةللاختلاف التي تسمح بتعددية الطروحات والفاعلين وبتداول السلطة بينهم فيإطار من حكم القانون والمشاركة الشعبية واحترام قيمة الفرد، الإنسان،المواطن. لا إدارة سلمية للاختلاف في الدول التي تعاني من نزاعات مسلحة إنتجاوز المواطنون الخطوط الحمراء للقوى السياسية والطائفية المستعدة دوماللقمع أو تصارعت هي فيما بينها. تغيب ثقافة الإدارة السلمية للاختلاف بيننخب الحكم والمعارضات في الدول المستقرة، فلم تتبلور بعد لدى الحكام قناعةإستراتيجية بإمكانية صناعة التوافق بينهم وبين المعارضات على نحو يضمنمصالح المجتمعات الحيوية ويصيغ من القواسم المشتركة ما يسمح بتفعيل مبدئيحكم القانون وتداول السلطة وبإشراك الأفراد بوصفهم مواطنين ذوي أهلية فيإدارة الشأن العام من خلال آليات كالانتخابات الدورية. يرتب غياب ثقافة الإدارة السلمية للاختلاف داخل المجتمعات العربية أومحدودية فاعليتها إن وجدت نزوعا مستمرا نحو عسكرة المجتمع والسياسة، وتلكتتناقض جذرياً مع مبادئ حقوق الإنسان والفكرة الديمقراطية. يتضخم المكونالأمني-الاستخباراتي في معظم الدول العربية المستقرة، ملكية وجمهورية،ويهيمن على الهيئات التنفيذية الأخرى ويلغي استقلالية السلط التشريعيةوالقضائية. وقد تمتد العسكرة من مؤسسات الدولة والقوى السياسية إلى تركيباتالمجتمع الأولية الطائفية، وتتداخل معها على نحو يصنع دويلات داخل الدولةتمتد كالخلايا السرطانية لتجهز عليها. هنا لا يمكن الحديث بمصداقية عنتنامي الإيمان العام بحقوق الإنسان وانفتاح الثقافة العربية على مضامينالديمقراطية في لحظة يصلح بها اختزال الواقع السياسي العربي الراهن فيرمزية مقولة سلاح أو أداة قمعية في وجه كل مواطن يتجاوز الخطوط الحمراء؟فرغت المواطنة من معانيها الحقيقية، واستحالت حديثاً بالياً لنخب حاكمةسلطوية وكيانات دينية وطائفية تسلب الفرد آدميته وحقه في الحياة كيفماشاءت. من جهة ثانية، لم يزل وباء الشمولية العربي الذي أورثتنا إياه العقودالطويلة من الحكم السلطوي عصياً على الاستئصال. ترتبط إفرازات وباءالشمولية قبل أي شيء آخر بفرض نظرة استعلائية تجاه المجتمع والتاريخ تتناقضمع جوهر مبادئ حقوق الإنسان والفكرة الديمقراطية. وتكمن خطورة النظرةالاستعلائية في شيوعها بين التيارات السياسية المختلفة والتباسها بأطروحاتالعديد من المفكرين وصناع الرأي على نحو يجعل من رصدها ومحاصرتها أمراً منالصعوبة بمكان. مصدر الاستعلاء الشمولي المناقض للفكرة للديمقراطية هنا هو تجريدالحقيقة المجتمعية من مضمونها وتأويلها القسري بصورة تلائم فقط قناعاتالذات الناظرةترفض النظرة الاستعلائية تجاه المجتمع الاعتراف بواقعه الاجتماعي والسياسيبل وتستبيح نفيه باسم صياغات أيديولوجية، علمانية كانت أو دينية. تعالت علىسبيل المثال خلال الأعوام الماضية أصوات العديد من اليساريين والقوميين،بل وبعض الليبراليين العرب، في أعقاب نجاحات القوى والأحزاب الدينيةالانتخابية مهونةً من شأنها ومفسرةً إياها باختزالية ملحوظة إما كتعبير عنوعي جماهيري زائف أو كظاهرة انتقالية مآلها إلى الزوال أو كدليل على عزوفالأغلبيات «علمانية الهوى» عن المشاركة وتركها ساحة الفعل للإسلاميين جيديالتنظيم. مصدر الاستعلاء الشمولي المناقض للفكرة للديمقراطية هنا هو تجريدالحقيقة المجتمعية من مضمونها وتأويلها القسري بصورة تلائم فقط قناعاتالذات الناظرة. أما استمرارية النظرة الاستعلائية للتاريخ فيدلل عليها ويعيدها إلى الأذهانالنقاش الرديء المستمر إلى اليوم بين صفوف الإسلاميين بشأن عداء الفكرةالعلمانية للدين وعدم ملاءمتها للواقع العربي. وفي ذلك الكثير من التعميموالافتئات على أحد أهم مرتكزات الدول الحديثة. فالعلمانية تشير إلى معانأربعة رئيسية. أولها هو المساواة الكاملة بين المواطنين بغض النظر عنانتماءاتهم الدينية. فمن رحم العلمانية ولد مفهوم المواطنة المدنية الجامعةوكفلت الدول الحديثة في دساتيرها وتشريعاتها حقوق اجتماعية وسياسيةمتساوية لأبناء الوطن الواحد من أتباع الديانات المختلفة. وثانيها هو ضمانحرية ممارسة التعاليم والشعائر الدينية في إطار من المساواة القانونية لايفرق بين دين الأغلبية ودين أو ديانات الأقلية ويحمي التعددية القائمة. فتقديم المواطنة المدنية على الانتماء الديني استتبع التزام الدول الحديثةالحياد التام بالامتناع في فعلها ومؤسساتها عن التمييز، إن الإيجابي أيالمحاباة أو السلبي أي الاضطهاد، باسم الدين. أما المعنى الثالث للعلمانيةهو خضوع الهيئات الدينية، كغيرها من الهيئات الحكومية وغير الحكومية فيالمجتمع الحديث، لرقابة السلطات العامة خاصةً السلطة القضائية بهدف المنعالمسبق لأية تجاوزات قد تحدث داخلها أو الكشف اللاحق عنها ومعاقبةمرتكبيها. فالعلمانية تستند إلى نظرة واقعية للهيئات الدينية لا ترى بهامجرد كيانات طاهرة لا يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها ولا تضفيقداسة على رجال الدين ومن ثم تعاملهم كغيرهم من المواطنين المسئولين عنأفعالهم أمام القانون. ويتمثل المعنى الرابع في تحول الدين بتعاليمهوهيئاته ورجاله ليصبح أحد الإطارات والأنساق القيمية الموجهة لحركة الدولةوالمجتمع وليس الوحيد. لا تعادي الدول والمجتمعات الحديثة الدين، بل تمزجفي تشريعاتها وتنظيمها بين معايير دينية وأخرى وضعية على نحو يبتغي تعظيممساحات الكفاءة والرشادة والعقلانية والحرية ويحول دون تسلط فئة باسم الدينعلى بقية المجتمع. لا ترتبط العلمانية، إذا، بمعاداة الدين أو فصله عن الدولة والمجتمع، إنماهي قبل كل شيء وفي الجوهر دعوة ومحاولة لتنظيم دور الدين ودمجه في إطارحديث يضمن المساواة بين المواطنين ويحمي التعددية والحرية الدينية. كذلك لاتنطوي العلمانية على رفض لدور الدين في الحياة السياسية. معظم المجتمعاتالغربية صريحة العلمانية بها أحزاب وحركات تمارس السياسة والعمل العام بصورة علنية وفقاً لمرجعيات دينية مختلفة. إلا أن الفيصل هنا هو التزامهابمعايير المواطنة المدنية بالبعد عن الممارسات التمييزية وعدم نزوعهالاحتكار السياسة باسم الدين. تلك هي بعض شواهد غياب ثقافة الإدارة السلمية للاختلاف واستعصاء وباءالشمولية العربي وانتشار النظرة الاستعلائية للمجتمعات والتاريخ، وتلك هيبعض الحقائق المفسرة لتواصل انتهاكات حقوق الإنسان وتعثر الديمقراطية بينالخليج والمحيط.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة − 4 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube