إعداد: مجموعة مؤلفين يبدأ الكتاب في مبحثه الأول بتطورات النظام السياسي الإيراني وسلطاته، مستعرضا طبيعة النظام الإيراني قبل الثورة وبعدها، وأهم السلطات التي قام عليها، وفي قمتها سلطة الولي الفقيه، ثم السلطة التنفيذية المتمثلة في رئاسة الجمهورية، والتشرعية في مجلس الشورى، والسلطة القضائية التي تعود كلها بشكل أو بآخر إلى السلطة العليا وهي “ولاية الفقيه”. غير أن النظام الإيراني أكثر تعقيدا من سلطاته الظاهرة، فهناك مؤسسات سياسية وعسكرية واقتصادية تشكل قوى مؤثرة في صنع الإستراتيجيات الإيرانية، وهذا ما يسلط الضوء عليه المبحث الثاني، حيث يسرد أهم تلك المؤسسات وفي المقدمة منها، مجلس خبراء القيادة الذي ينتخب المرشد الأعلى للجمهورية، ويصدر توصياته بشأن أي تعديلات دستورية قبل أن يصوت عليها البرلمان، ومجلس صيانة الدستور الذي يحق له نقض القوانين الصادرة عبر البرلمان بما يعطيه دور الهيئة العليا في الواقع العملي، ومجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يتكفل بحل الأزمات بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى، بالإضافة إلى وضع إستراتيجيات الجمهورية الإيرانية في مختلف المجالات، وتوفير خدمات استشارية للمرشد الأعلى للجمهورية، كما تتضمن تلك المؤسسات مجلس الأمن القومي الإيراني والمجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية. أما المؤسسات العسكرية، فتأتي في صدارتها -بل ربما صدارة كل المؤسسات- الحرس الثوري الإيراني المستقل عن جيش الجمهورية الإسلامية، ويعتبر الذراع الأقوى لصناعة وتنفيذ السياسة الخارجية الإيرانية، خاصة أنه اضطلع بدور تصدير الثورة، كما أن رجاله متنفذون في كل مؤسسات القوة في إيران، ويشكلون غالبية الحلقة القريبة من المرشد الأعلى للجمهورية، بالإضافة إلى تبعيتهم له مباشرة في استقلالية كاملة عن جيش الجمهورية. ويتكون الحرس الثوري من نحو 350 ألف عنصر ينفذون مهماتهم بأسلحة البر والبحر والجو، ويمتلكون أسلحة نوعية وحديثة كما يتكون من خمسة فيالق أهمها قوات التعبئة العامة (الباسيج) وفيلق القدس. ويكشف البحث عن محاولات للرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني لتحييد الحرس الثوري عن الدور السياسي، وذلك ضمن مساعيه لدمج مؤسسات الثورة في مؤسسات الدولة. وإضافة إلى المؤسسات السياسية والعسكرية يكشف البحث عن مؤسسات اقتصادية لها نفوذ، وهي تعمل تحت إمرة المرشد الأعلى للجمهورية مباشرة، كما أن الدستور لم يأت على ذكرها، حيث تأخذ طابع “الخيرية”، وتمارس نشاطات كثيرة من التجارة إلى التصنيع والإنتاج الصناعي، بالإضافة إلى حصولها على مساهمات مالية عالية من خزائن المرشد الأعلى الرسمية. وتشمل مهماتها نشر التشيع في العالم الإسلامي عن طريق تمويل أحزاب ومؤسسات، وتبرز في واجهة هذه المؤسسات، مؤسسة المعوقين والمستضعفين، ومؤسسة الشهيد، ومؤسسة الإمام الرضا التي تمتلك مناجم ومصانع نسيج، وتستحوذ على ثلاثة أرباع الأراضي في مدينة مشهد من كبريات مدن إيران. وجدير بالذكر أنه كلما كثرت المؤسسات وتداخلت صلاحياتها وتعقدت تركيبتها، كان من الصعوبة بمكان تغيير السياسات الإستراتيجية للدولة، ويصبح الحفاظ على المكان والمكانة لكل مؤسسة رهن العقل الجمعي والمعتقدات الراسخة للدولة. “ترى إيران أن لديها من المبررات التاريخية والجغرافية والعقائدية والسياسية ما يؤهلها للعب دور القائد في المنطقة، إدراكا منها لقوتها الذاتية وإمكانياتها الطبيعية ” ينتقل الكتاب إلى مبحث ثالث يرصد فيه أهم الثوابت والمحددات الإستراتيجية في الفكر السياسي الإيراني وعلاقتها بسياسة إيران الخارجية مع دول الخليج العربي، ومن أهم تلك المحددات الرؤية العقائدية حيث شكل الإسلام البنية الأيديولوجية الفوقية لإيران ما بعد الثورة، خاصة في نسخته الشيعية التي تقوم على وضعه ونشره كهدف رئيسي معتبرة نفسها قائدة العالم الإسلامي ومنوط بها الدفاع عنه، كما نص الدستور على إيجاد الحكومة التي تمهد السبيل لإنشاء أمة عالمية واحدة تمهد الطريق لأن يقيم الإمام الغائب (محمد المهدي المنتظر) الحكومة العالمية للإسلام، وفي زمن غيبة الإمام تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة بيد الإمام (الولي الفقيه). وتأتي “الثورية” محددا ثانيًا، فالدستور الإيراني ينص على استمرار الثورة الإيرانية ودعم الجمهورية “للمستضعفين ضد المستكبرين في أي نقطة في العالم”، ومن هذا المنطلق رفضت إيران الدخول تحت عباءة أي من القوى الكبرى بل عادت كثير من الدول العربية خاصة تلك التي توجد قوات أجنبية على أراضيها. ولعل الدور الإقليمي من أبرز المحددات التي تلعب دورها في السياسة الإستراتيجية لإيران لاسيما في علاقتها بدول الخليج العربي، فإيران ترى أن لديها من المبررات التاريخية والجغرافية والعقائدية والسياسية -التي تمثل عناصر قوتها- ما يؤهلها للعب دور القائد في المنطقة، إدراكا منها لقوتها الذاتية وإمكانياتها الطبيعية وإحساسها بحقها في الريادة على سائر دول المنطقة. ثم أبرز الكتاب في مبحثه الرابع أهم قضايا النزاع وملفات التفاعل بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، ومن بينها الملف النووي الإيراني وتأثيره على توازن القوى ومسار العلاقات بين الطرفين، إضافة إلى الجزر الإماراتية وممرات الملاحة في الخليج، والاقتصاد في العلاقات الخليجية-الإيرانية وأوضاع ومطالب الشيعة في دول الخليج وأنماط التعامل معهم. وتتعامل إيران مع دول الخليج من عدة منطلقات أهمها التفوق الإيراني من وجهة نظرها سواء على المستوى العرقي أو الطائفي أو الإقليمي، كما تستند في تعاملها مع العرب على ميراث تاريخي وحضاري رسّخ لدى الأنظمة المتعاقبة مبدأ الفوقية، خاصة أن الدولة الإيرانية التي برزت قبل 12 قرنا من ظهور الإسلام كانت تسيطر على مناطق شاسعة شرقا وغربا، وقد كان لها في عهد الإمبراطورية الفارسية سلطة على بعض الدول العربية. وفي ضوء تلك المنطلقات الثابتة لدى إيران اتبعت تكتيكات عدة في التعامل مع القضايا الإقليمية والأزمات الكبرى، وأهمها -كما ورد في المبحث الخامس من الكتاب- تكتيكات الضغط والإنهاك والتهديد باستخدام القوة وكسب الوقت واستثمار ازدواجية السلطة لمؤسساتها في التشتيت والتمويه وفرض الأمر الواقع والمساومة بأوراق إقليمية. “تسعى إيران لتغيير ثقافي في المجتمعات المحيطة بها، بهدف تغيير المعادلة الإقليمية على المدى البعيد، لذا فإن الدبلوماسية الثقافية تعد إحدى ركائز السياسة الخارجية لإيران التي توظفها ضمن قوتها الناعمة” ويشير البحث إلى أن إيران تتبع سياسة التلاعب بالخصم وتوزيع الأدوار بين معتدل وراديكالي، ورغم الخلافات بين التيارين فإنها خلافات ليست جذرية بل هي من داخل النظام، وهو ما يصب في خلق تشويش للمراقب الخارجي، كما تخلق هذه الثنائية وهمًا لدى الطرف الخارجي بالأمل دومًا في التوصل إلى حل يعتقد أنه حقيقي، وهو ما يوفر للنظام الإيراني الوقت اللازم للمراوغة السياسية وتفكيك التحالفات الخارجية. وألمح البحث إلى أن الإدارة الإيرانية تسعى لتغيير ثقافي في المجتمعات المحيطة بها، بهدف تغيير المعادلة الإقليمية على المدى البعيد بما يحقق لها الهيمنة بعيدا عن أدوات السيطرة السياسية والاقتصادية التي لا يمكن استخدامها دون توفر شبكات من رأس مال بشري على المستوى الإقليمي يرتبط بها أيديولوجيا، ولذا فإن الدبلوماسية الثقافية تعد إحدى ركائز السياسة الخارجية لإيران التي توظفها ضمن قوتها الناعمة. ثم تناول الكتاب في مبحثيه الأخيرين على ضوء معطيات المباحث المتقدمة الموقف الإيراني من تغيير أنظمة الحكم في الشرق الأوسط بعد ثورات الربيع العربي، كما قدم رؤية استشرافية لمستقبل العلاقات بين إيران ودول الخليج العربي