المؤلف: احمد السيد عبد الرزاق
يقدم كتاب “إسرائيل وأفريقيا.. مصالح ومواقف” رؤية جديدة عن العلاقات الدبلوماسية الدولية، ودراسة تحليلية لعلاقة إسرائيل بغيرها من الدول، ومدى تفاعلها مع النظام الدولي، مما يجعلها دولة غير منسجمة مع محيطها الجغرافي إلى حد كبير، هذا الأمر يستدعي محاولة تحديد وتفسير المؤشرات الأساسية وطبيعة العلاقات الناشئة بين إسرائيل والبلدان الأخرى، لاسيما دول جنوب الصحراء الأفريقية، ومدى تأثير ذلك في السلوك التصويتي لهذه الدول تجاه القضايا المتعلقة بإسرائيل في المنظمات الدولية.
يركز الكتاب على السلوك التصويتي كونه أحد المؤشرات الدالة على توجهات السياسة الخارجية للدول، متناولا بشكل رئيسي القرارات المتعلقة بالممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكيفية تعاطي أجهزة الأمم المتحدة مع تلك الممارسات.
وفي رصده للقرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الفترة التي تبدأ من الدورة رقم 45 في عام 1991 وتنتهي بنهاية الدورة رقم 76 في أغسطس/آب 2022، أحصى الكتاب صدور 760 قرارا بإدانة ممارسات عدد من الدول، 593 منها تدين إسرائيل وحدها (الاستيطان، حقوق الإنسان، ممارسات العنف ضد المدنيين، رفض التوقيع على اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي) وبنسبة تمثل 78%، في مقابل 167 قرارا لباقي دول العالم بنسبة تمثل 22%.
أفريقيا في العقل الإسرائيلي
وأدركت إسرائيل أهمية القارة الأفريقية بوصفها إحدى ساحات الصراع العربي الإسرائيلي، لاسيما مع بروز دور الكتلة الأفريقية في الأمم المتحدة عام 1975 أثناء التصويت على القرارات المتعلقة بالمساواة بين الصهيونية والعنصرية.
الأمر الذي استدعى من إسرائيل تسليط الضوء على السلوك التصويتي للبلدان الأفريقية لاسيما دول أفريقيا جنوب الصحراء فيما يتعلق بالقضايا الإسرائيلية داخل أروقة الأمم المتحدة بمختلف أجهزتها.
وكان للعلاقات التاريخية بين إسرائيل وإثيوبيا الأثر الأكبر في تأييد الأخيرة لإسرائيل في ما اعتبرته “الدفاع عن النفس في مواجهة إطلاق الصواريخ من جانب حركة حماس في غزة”، وفي المقابل قدمت إسرائيل الدعم الفني والتكنولوجي والعسكري لإثيوبيا في تشييد سد النهضة.
ويهدف الكتاب إلى استعراض المحددات الداخلية والخارجية التي تؤثر في السلوك التصويتي للدول من خلال أهم القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن العديد من القضايا المثارة بشأن إسرائيل في إطار الأمم المتحدة، بداية من قضايا الاعتراف الدولي بإسرائيل، مرورا بقضية البرنامج النووي الإسرائيلي، واستعراض الدور الأميركي الداعم لإسرائيل.
العضوية المشروطة
تم قبول إسرائيل عضوا ولكن بشكل مشروط للمرة الأولى في تاريخ المنظمة، حيث تم قبولها بشرطين: احترام قرارات الأمم المتحدة بالتقسيم وبحق العودة للشعب الفلسطيني المهجّر من قراه ومدنه وتعويضه عما لحق به. كما أن إسرائيل لم ينتخبها الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن منذ انضمامها للمجلس وحتى وقتنا الحالي.
وأما قرار الجمعية العامة باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية، فكان نتيجة مباشرة للنشاط العربي والمصري بصفة أساسية في قلب أفريقيا، واتخذت منظمة الوحدة الأفريقية قرارا بذلك في دورتها المنعقدة في كمبالا يوم 28 يوليو/تموز 1975، بحسب الكتاب.
من ناحية أخرى، عملت الدول الأفريقية بأغلبية كبيرة على إصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية في نوفمبر/تشرين الثاني 1975.
رفضت الولايات المتحدة القرار، وظلت تأمل وتحاول إلغاءه منذ ذلك الوقت في ظل الرؤساء فورد وكارتر وريغان وبوش، الذي وجّه كلمته للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 1991 لإلغاء القرار مستعملا لغة التهديد، ونجحت أميركا بدعم من الدول التابعة في تمرير القرار بإلغاء مساواة الصهيونية بالعنصرية في ديسمبر/كانون الأول 1991، وذلك نتيجة لممارستها ضغوطا على الدول الأعضاء واستغلال انهيار الكتلة الشرقية.
وفي عام 2005 نجحت إسرائيل في الحصول على اعتراف دولي بالمحرقة اليهودية بمساعدة أميركا و19 دولة أفريقية.
ازدواجية دولية
ونرى مدى الازدواجية في التعامل الدولي من خلال تحليل المؤلف تطوّر قضية عضوية فلسطين في المنظمة الدولية، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 1974 شهدت الأمم المتحدة حدثا فريدا لم تشهده منذ نشأتها، فلأول مرة يقف رئيس حركة تحرير وطنية على منبرها ليلقي خطابا عن مطالب حركة التحرير، حيث ألقى رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقتذاك ياسر عرفات خطابا وجهه إلى وفود دول العالم المشتركة في الدورة الـ29 للجمعية العامة، واستُقبل عرفات استقبال رئيس دولة، كما حيّته جميع الوفود باستثناء إسرائيل وبعض الوفود المؤيدة لها.
تقدمت دول أفريقية عدة بمشروع قرار بدعوة منظمة التحرير كمراقب بالجمعية العامة، واعتمدت الجمعية العامة المشروع بأغلبية 95 صوتا منها 31 صوتا للبلدان الأفريقية، مما يظهر مدى الدعم والمساندة التي قدمتها الدول الأفريقية جنوب الصحراء للقضية الفلسطينية خلال حقبة السبعينيات نتيجة الدعم العربي لهذه الدول.
إعلان دولة فلسطين
فور إعلان المجلس الوطني الفلسطيني قيام دولة فلسطين في 1988، تقدمت اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه بقرار يتعلق بإعلان دولة فلسطين، وتضمن القرار اعتراف الجمعية العامة بدولة فلسطين دون المساس بمركز المراقب لمنظمة التحرير الفلسطينية، انضمت للقرار بعض البلدان الأفريقية وطالبت بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وعارضت الولايات المتحدة القرار بشدة.
تم طرح مشروع القرار للتصويت من جانب أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، واعتمدته الجمعية العامة بأغلبية 104 أصوات منها 35 صوتا للدول الأفريقية، وعلى الرغم من رفض مجلس الأمن عضوية فلسطين، فإن عددا من الدول منها بعض البلدان الأفريقية تقدمت بطلب منح فلسطين وضع دولة مراقب ليس عضوا في الأمم المتحدة، وهو الطلب التي استخدمت الولايات المتحدة تجاهه حق النقض (الفيتو).
وفي 2012 تم قبول فلسطين من قبل الجمعية العامة دولة مراقبة وليست عضوا، مما سمح لها بالانضمام لمنظمات الأمم المتحدة بأغلبية 138 صوتا ومعارضة 9 أصوات.
البرنامج النووي الإسرائيلي
إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لم توقع على اتفاقية حظر الانتشار النووي، وبعد أن قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية في يونيو/حزيران 1981 بقصف مفاعل تموز العراقي، تقدمت الدول العربية بمشروع يدين العدوان، وتبنى مجلس الأمن مشروع القرار، واجتمعت الجمعية العامة في ديسمبر/كانون الأول 1991 لمناقشة التقارير الواردة حول التسلح النووي الإسرائيلي، وصدر القرار بأغلبية 76 صوتا منها 28 صوتا من البلدان الأفريقية.
تم اعتماد مشروع القرار من الجمعية العامة في ديسمبر/كانون الأول 1992 بأغلبية 64 صوتا منها 24 صوتا من الدول الأفريقية ومعارضة 3 بلدان هي: إسرائيل والولايات المتحدة ورومانيا.
القدس
أصدر مجلس الأمن قراره رقم 478 في أغسطس/آب 1980 بعدم الاعتراف بقانون “الأساس: القدس عاصمة لإسرائيل” الذي صدر في الكنيست في يوليو/تموز 1980.
في ديسمبر/كانون الأول 2017 عقد مجلس الأمن جلسته لمناقشة والتصويت على مشروع قرار تقدمت به مصر بالاتفاق مع فلسطين على أن أي تغيير ديمغرافي في القدس يعدّ باطلا ولا حجية له، إلا أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار، وهو أمر لم تستخدمه واشنطن على مدى سنوات في مجلس الأمن، حيث بلغ عدد مرات استخدام الفيتو لإيقاف قرارات تتعلق بإسرائيل 53 مرة، بحسب الكتاب.
الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة
خلال العقدين الأول والثاني من القرن الـ21، تنوعت القضايا المتعلقة بإسرائيل ما بين العدوان المتكرر بشكل دوري على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومساندة الولايات المتحدة إسرائيل من خلال تأثيرها على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ومحاولة الحصول على قرارات أممية تدين حركات المقاومة الفلسطينية والمطالبة بإدراجها على قوائم الإرهاب، بالإضافة إلى إصرار إسرائيل على عدم الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، واستمرارها في أعمال الاستيطان، وإقامة جدار الفصل العنصري، في تحد واضح للقرارات الدولية.
ويحذر الكاتب في نهاية الكتاب من تزايد السلوك التصويتي الداعم لإسرائيل مع تسارع وتيرة التطبيع العربي مع إسرائيل وتأثيره في العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، ومع تزايد حالة التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا من خلال المشاركة في العملية التنموية للبلدان الأفريقية، والاستحواذ على أكبر قدر من ثرواتها، وزيادة الاستثمارات في السدود، ودعم النشاط الزراعي.
ويحذر أيضا من تراجع الدعم العربي للقضية الفلسطينية بشكل كبير خاصة بعد موجة تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية الأخيرة.
المصدر : الجزيرة