https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :

لا بد من القول ، ان عودة ترامب الى البيت الابيض ستترافق مع حدوث تغييرات كبيرة وطويلة الامد  في السياسة  الداخلية  والخارجية الامريكية .

فالترامبية” الجديدة ”  لن تكون  محصورة زمنيا بالسنوات الاربع القادمة ، بل ستتحول الى نهج  طويل الامد  قد يحكم امريكا عقودا قادمة .

.وسأحاول بعجالة ،ان اتلمس بعض خصائص ذلك النهج .

اولا :هناك رأي  مفاده ، ان ترامب قد انهى عمليا هيمنة العائلات التقليدية والارستقراطية السياسية على القرار الامريكي لسنوان كثيرة  . فتحت راية التجديد والتغيير، اسس  ترامب نظاما جديدا ، يقوم بالدرجة الاولى على الولاء السياسي والاسروي  ، ويعتمد خليطا من  الشعبوية والشمولية الاوربية والاستبداد الآسيوي المتمركز حول شخصية واحدة ، هي شخصية الزعيم الملهم  .  كما تمكن ترامب  من صياغة  شعارات جذابة وسهلة الابتلاع ، تدغدغ مشاعر الجمهوروتأسر القلوب مثل : امريكا أولا ، وبناء العصر الذهبي ، واعادة امريكا العظمى ، وفرض السلام عبر القوة . وقد استقطبت تلك المقولات  فئات شعبية واسعة من المحافظين  والاثرياء والمتدينين والفقراء والعاطلين عن العمل  والطامحين  بمناصب مريحة .  ولا بد من القول ، ان بقية القوى والاحزاب السياسية الامريكية تفتقد الى مثل  هذه القاعدة الاجتماعية الوا سعة ،التي يمكن ان تمكنها مستقبلا من استعادة السلطة من ترامب .

ثانيا :  من المسلم به ، ان هناك نغييرات جذرية تنتظر السياسة الامريكية في عهد الرئيس ترامب . وبالمناسبة ،فقد الفت مع ابني د. كريم الوادي ، كتابا  بعنوان: ” الهلع من الصين والفرص الضائعة”   تحدثت فيه بالتفصيل عن الاستراتيجات التي اعتمدها الرئيس ترامب في فترة رئاسته الاولى خاصة ازاء الصين . وانطلاقا من ذلك استطيع ان اقدم  بعض التوقعات حول سياسة ترامب  المقبلة .

من حيث الاسلوب : سيعتمد رجل الاعمال ترامب  مبدأ الربح والخسارة في  ممارسة  سياسته المقبلة ،وهو لن يقيم وزنا كبيرا للايدولوجيا ولقضايا حقوق الانسان،ولشعارات الديمقراطية والحرية ،التي اعتمدتها واشنطن خلال العقود الماضية .  وهو لن يجامل حلفاءه ، ولن يتهاون مع خصومه . وهو يفضل اسلوب  الصدمات ،ويكره  الغرق في التفاصيل والمتاهات النظرية . ونرامب لا يحبذ المناورات السياسية واللجوء الى المماطلة للتهرب من القرارات الكبيرة . وترجمة هذا السلوك الى الواقع ، تعني عدم التروي والتمهل في اتخاذ القرار، والحزم في تطبيقه ،وعدم الصبرعلى مرؤوسيه  ،وتغيير من لا ينسجم معه من  الاشخاص . وترامب يسعى لتقديم نفسه على انه قوي ويكره اظهار جوانب الضعف والتردد .

ومن حيث المضمون ، فاننا سنشهد تطورات مثيرة في سياسة امريكا في العالم  خلال فترة ترامب .

ففي ما يتعلق يالصين .  يعادي ترامب العولمة لانها قدمت للصين انجازات كبيرة .وهو – اي ترامب- لن يصمت على اختلال الميزان التجاري لصالح الصين ، وهو مستعد لاشعال حروب تجارية ومالية جديدة ، اذا لم تبادر بكين  الى اصلاح الخلل في الميزان التجاري . والرئيس ترامب لا يمكن ان يتعايش مع فكرة ان الصين باتت في مستوى واحد مع امريكا . ولذلك سيسعى الى  كبح النفوذ الصين عالميا ، والحد من قدراتها على النمو عبر اقرار سلاسل لا تنتهي من العقوبات  .وقد بدأ ترامب خطواته في التصدي لنفوذ الصين عبر التهديد باحتلال قناة بنما ،بذريعة ان القناة باتت تحت هيمنة بكين . وسنرى مزيدا من الخطوات الامريكية  تجاه  الدول التي سمحت  بتوسع النوذ الصيني في اراضيها .

فيما يخص روسيا . فرغم الانطباع الموجود حول العلاقة الجيدة التي تربط ترامب مع بوتين ، الا ان الخوض في المسائل المختلف عليها بين البلدين لن يكون امرا سهلا . وابدأ من الازمة الاوكرانية .  فقد اعلن ترامب انه سيفرض اتفاقات تجلب السلام الى المنطقة . وهناك فهم مختلف حول مضمون هذا السلام  .فموسكو تقول ان السلام يحل عندما تعترف كييف  بضم روسيا للمناطق التي استولت عليها نتيجة العمليات العسكرية ، وان على اوكرانيا ان تقدم التزاما بعد دخول الناتو وان تعلن كييف حيادها . من جانبه ، فان ترامب لم يفصح عن مضمون فهمه للسلام في تلك المنطقة .  ولن يكون سهلا عليه الموافقة على المفهوم الروسي للسلام وهذه نقطة يمكن ان تثير كثيرا من الاشكالات ، لا سيما ان الرئيس الامريكي هدد سابقا بانه سيغرق السوق العالمية بالنفط لاجبار موسكو على القبول بالسلام . ثم ان توقيع موسكو قبل ايام على معاهدة التعاون الاستراتيجي مع ايران ، لم يترك ارتياحا في معسكر ترامب ، الذي اعلن  سابقا ان هدفه اضعاف ايران.

ونقطة اخرى لا بد من ايرادها في هذا المجال ، وهي ان المجمع العسكري الاميركي لا يرغب في ان تكون روسيا منافسة له ، اضافة الى ان مجمع الطاقة الامريكي ينظر الى روسيا كمنافس شديد له . ومثل هذه النقاط يمكن ان تؤثر سلبا على مواقف ترامب تجاه روسيا  .ولا بد من التذكير ، ان العلاقة الجيدة بين ترامب و بوتين ، لم تمنع امريكا من اقرار عدد كبير من العقوبات ضد روسيا في ظل رئاسة ترامب الاولى .

اما بالنسبة الى اوربا ، فان تغيرات كبيرة ستحدث على علاقات التحالف مع امريكا . فترامب يطالب الاوربيين برفع نفقاتهم العسكرية ، ويهدد بفرض عقوبات تجارية اذا لم يصحلوا الميزان التجاري مع امريكا . والاهم من ذلك ، ان عودة ترامب قد نشطت القوى  اليمينة في اوربا  . ومن شبه المؤكد ، ان ترامب سيدعم اليمين الاوربي في وجه القوى الليبرالية . ومثل هذا الموقف سينعكس سلبا على علاقات التحالف بين الجانبين ، ويمكن ان يحدث شروخا تؤذي الهيمنة الامريكية في العالم.

بقي ان نتوقف  بعجالة عند التغييرات المتوقعة لسياسة ترامب تجاه الوضع في الشرق الاوسط .

هناك امر ثابت ، وهو ان الدعم الامريكي  لاسرائيل سيزداد ، وفي الوقت نفسه ستنشط  الجهود الدبلوسية الامريكية باتجاه تطبع علاقات اسرائيل مع الدول العربية . وستضاعف واشنطن جهودها لاضعاف حزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية . وهناك امر ثابت آخر ، وهو ان ادارة ترامب ستزيد من ضغوطها على ايران ، وقد يصل الامر الى حد دعم تدخل اسرائيلي في ايران . واللافت للانتباه ، ان من اولى القرارات الامريكية التي اتخذها ترامب ،كان قرار بالسماح بتزويد اسرائيل بقتابل من وزن  اثنين طن . وليس من الصعوبة  الافتراض ، ان تلك القنابل يمكن ان تسنخدم ضد ايران ، او ضد القوى المتحالفة معها في اليمن والعراق . امر اخر  سيطاله التغيير في السياسة الامريكية ، وهوما يخص  علاقات كل من السعودية والامارات مع امريكا .  وفي هذا النقطة بالذات ،يمكن ان تحصل المقايضة التالية : توسيع علاقات الخليج مع امريكا ينبغي ان تتم على حساب تضييق علاقات الدول الخليجية مع الصين . وهناك توجهات في ادارة ترامب مفادها،ان على الرياض وابو ظبي تقليص اعتمادهما على بكين ان كانتا تريدان تطوير تحالفهما مع واشنطن  . ونذكر في هذا المجال ، ان التبادل التجاري لهاتين الدولتين مع بكين وصل العام الماضي الى نحو مائتين وخمسين مليار دولار .

في النهاية لا بد من القول ، ان سياسة ترامب في المسائل الخارجية ،ستكون كالجرافة ، التي يمكن ان تلحق الاذى  بالصالح والطالح  بالنسبة لأمريكا– اي بالعدو والصديق  على حد سواء .ومثل هذا التوجه سيخلق ردود فعل دولية سلبية تجاه امريكا ، وسيظهر خصوم جدد  لواشنطن ،كانوا في السابق محسوبين في خانة الحلفاء . ويمكن ان اضيف ، ان يدي ترامب لن تكونا طليقتن  في اتخاذ القرارات الكبرى . صحيح ان الترامبية تهيمن على مؤسسات القرار الرئيسية  في امريكا ، ولكن ينبغي ان لا ننسى انه ليس جميع العاملين في تلك المؤسسات من انصار ترامب ، وهؤلاء  قادرون على عرقلة كثبر من قراراته وتوجهاته . فامريكا بلد ديمقراطي ، ولن تهضم وتستسلم بسهولة  امام سلطة ترامب الشمولية .

21/1/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد + ثلاثة عشر =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube