https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :
كثيرة هي المقالات التي كُتبت عن المعجزات الاقتصادية التي تحققت في العالم خلال نصف القرن الاخير ، مثل المعجزة الصينية والماليزية والسنغافورية .لكن مالا يعرفه كثيرون ، ان هناك مأثرة حقيقة ترقى الى مستوى المعجزة ، اُنجزت بصمت وبعيدا عن الاضواء ، مأثرة جرت في بلد اسلامي ، كان مضربا للمثل في التخلف والفقر والكوارث الطبيعية وعدم الاستقرار ، هذا البلد هو بانغلاديش. والشيء المثير في الامر ، ان هذه المعجزة قادتها امرأة اسمها الشيخة حسينة واجد .
التقيت الشيخة حسينة في مناسبات كثيرة . وكنت في كل مرة ازداد اعجابا بثقتها بنفسها وبذكائها وقدرتها على الاقناع وتوسيع دائرة الاصدقاء . ورَسخَ في ذاكرتي كثير من المقولات التي اطلقتها هذه السياسية الرفيعة. منها ، ان الفقر والتخلف ليسا قدرا مكتوبا على المسلمين ، وان السلطة ينبغي ان تكون وسيلة لتطوير البلد ، وان الاصلاحات تبقى معلقة في الهواء مالم يتم تحسين المستوى المعيشي للناس ،وان الاستقرار السياسي – وهو الشرط الاساسي للنمو – لايتحقق ،الا اذا كان الحاكم متسلحا بالصبر وبُعدَ النظر ، وبالحكمة والمسؤولية الوطنية وحس العدالة .
قادت الشيخة حسينة بنغلاديش خمس فترات متقطعة ، وتمكنت خلال ربع قرن من حكمها المتواصل حتى الآن ، من صنع معجزة نادرة في بلد ، التصق اسمه بالفقر الازلي والتخلف والكوارث الطبيعية وقلة الموارد . فقد بدأتـ الشيخة حسينة عهدها بتصفير المشكلات والخلافات مع الدول المجاورة – لا سيما الهند، واقنعت الحركات الداخلية الدينية المتطرفة بالانضمام الى جهود الحكومة للنهوض بالبلاد . وبهذا ، استطاعت الشيخة حسينة توفير بيئة سياسة داخلية وخارجية مناسبة لتنفيذ برنامجها التنموي الطموح . كما تمكنت من استمالة الصين لاستثمارعشرات المليارات في بنغلاديش .وفعلت الامر نفسه مع كوريا الجنوبية واليابان وماليزبا . وقد افلحت سياسة حكومة حسينة في تخليص شعبها البالغ 170 مليونا، من براثن الجوع والامية والانقلابات العسكرية والصدامات الاهلية وعدم الاستقرار . وارتفع الدخل الفردي في بنغلاديش من خمسة دولارات في سبعينات القرن الماضي الى نحو 3000دولار الآن ، متفوقا في ذلك على الهند والباكستان واندونسيا . كما تحولت بنغلاديش من دولة تفتك الامية ب 80 بالمائة من سكانها ـ الى بلد يشغل المركز الثاني عالميا بعد الهند – في تزويد شبكات الاتصالات العالمية بالخبراء والمختصين . وباتت بنغلاديش تشغل مراكز قيادية في العالم في تعليم الاناث والشبان، وفي نسبة الانفاق على برامج التعليم والتاهيل . ورفع برنامج ” ديجيتال بنغلاديش” الحكومي نسبة القادرين على المشاركة في شبكات الانترنت الى 90 بالمائة ، وهي من اعلى النسب في العالم . كما حافظ الاقتصاد البنغلاديشي خلال السنوات الخمس الماضية على واحدة من اعلى نسب النمو في العالم، بلغت نحو 7%.وفي الوقت نفسه ، اصبحت بنغلاديش ذات المساحة المحدودة (148 الف كم مربعا ) ثاني اكبر مصدٌر للمنسوجات والارز والمانغو والجوت والخضروات في العالم ، ومقصدا مهما للاستثمارات العالمية .
وتثير الاعجاب التجربة الفريدة في مكافحة الفقر ،والتي اسسها الاقتصادي والمصرفي البنغلاديشي محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للسلام .فقد انشأ هذا الشخص مصرف “غرامين ” الذي قدم قروضا صغيرة الى الفقراء دون اشتراط ضمانات مالية . واصبحت هذه التجربة ابرز برامج التنمية في دول الجنوب .وتمكن هذه البنك من انقاذ ملايين البشر من الفقر ( اغلبهم من النساء ) ،وذلك من خلال مساعدتهم في اقامة مشروعات تنموية صغيرة. ووصل عدد المتعاملين مع هذا البنك الى نحو اربعين مليون شخص . وقد اسهم محمد يونس في تسريع وتائر المشروعات الصغيرة في القطاع الخاص ، الذي يشكل اليوم نحو 90 بالمائة من اقتصاد البلاد .
وقد احتفلت حكومة الشيخة حسينة عام 2019 بقرار الامم المتحدة ،الذي اعتبر ان بنغلاديش قد خرجت من حيز الدول الاقل تطورا في العالم . وقد وضعت هذه الحكومة برامج مستقبلية بعيدة المدى لتنمية البلاد وادخالها في عداد الدول المتقدمة اقتصاديا في العالم .
اردت من مقالتي هذه ، تسليط الضوء على بروز عملاق اقتصادي جديد في آسيا هو بنغلاديش ـ التي استطاعت – بفضل حكومتها ورغم قلة الموارد – ان تنقل البلاد من خانة التخلف والفقر والامية ، الى معارج التقدم والثراء والحياة الرغيدة لشعبها .
18/3/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 + 13 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube