كتب محمد خير الوادي :
عندما يتنادى مائة من القادة العسكرين الاسرائيليين السابقين لعقد اجتماع طارئ من اجل مناقشة موضوع واحد هو : امكانية انهيار النظام في اسرائيل، فهذا يعني ان شيئا ما خطيرا ، قد بدأ يطفو على السطح ، نتيجة الاحداث الاخيرة التي تهز المجتمع الاسرئيلي .
وفي واقع الامر ، فان استمرار الانقسام العمودي الحاد في اسرائيل ، قد افرز حقيقة جوهرية ،وهي ان ثلاثة من الاسس التي باعتها اسرائيل للغرب ، واستحوذت بالمقابل على دعمه الكامل، قد بدأت تهتز بعنف .
ونبدأ من الاساس الاول ، وهو ان الدعم الغربي اللا محدود للمشروع الاستعماري الصهيوني، قد ارتكز الى مقولة ان اسرائيل هي امتداد للغرب ،وانها خط الدفاع الاول عن القيم الغربية والقاعدة الغربية الاساسية المتماسكة داخليا، والتي يعول عليها لتبقى سدا في وجه ” الهمجية الشرقية “.
فنتيجة الانقسامات الحادة التي تجري الآن في المجتمع الاسرائيلي ، بدأت هذه القناعة الغربية تهتز، وصارت تتعالى اصوات وازنة في الغرب حول جدوى الدعم الكامل للمخططات الصهيونية ، وكيف تحولت اسرائيل من حارس لقيم الغرب ومصالحه ، الى عبء عليه .وانطلاقا من ذلك ، شرع جزء كبيرا من القوى الغربية – لا سيما في الولايات المتحدة – في اعادة حساباته ازاء الانحياز الاعمى للمشروع الصهيوني وتقديم “شك عل بياض ” لاسرائيل . وقد زاد التشرذم الحاصل في اسرائيل اليوم الطين بلة . فقد بدأت الانقسامات الحادة تتسرب الى الجاليات اليهودية المؤثرة في الغرب . وصرنا نسمع اصواتا في المؤسسات اليهودية الامريكية تتحدث عن ” حكومة المتطرفين في اسرائيل “. كما صبت ردود الفعل المتشنجة لقادة الاحزاب الدينية الحاكمة في اسرائيل على المواقف الرسمية الامريكية ، مزيدا من الزيت على الخلافات بين امريكا واسرائيل .
والاساس الثاني الذي بدأت التصدعات تتسرب اليه ، هو الوهم الكبير الذي سيطر طويلا على الوعي الغربي ، من ان اسرائيل هي واحة الديمقراطية في صحراء متوحشة من الهمجية والديكتاتورية .
وقد مزقت الاحداث الجارية في اسرائيل قناع الديمقراطية هذا ، وبينت كثيرا من الحقائق التي لم يرد الغرب رؤيتها : فاسرائيل بلا دستور ، والمتطرفون الدينيون يسعون للسيطرة على السلطة باي ثمن ، وهم لا يختلفون كثيرا عن داعش .
والاساس الثالث الذي بدأ يهتز في الوعي الغربي حيال اسرائيل ، هو ان اسرائيل لم تعد امتدادا للغرب ، وانها اصيبت “بالوباء الشرقي “بامتياز . ففي اسرائيل يحدث انقلاب على السلطة ، وليس مهما ان كان هذا الانقلاب قضائيا او عسكريا ، المهم انه افضى الى وضع مفاصل السلطة في ايدي متشددين ، تتحكم بهم عقلية دينية عنصرية متزمتة ومتخلفة ،وهم في سلوكهم اليومي لا يختلفون – كما ذكرنا -عن داعش .
وفي اسرائيل يجري شخصنة السلطة. فقد قام نتنياهو ” بانقلابه ” من اجل ضمان مصالحه الشخصية ، وابعاد شبح المحاسبه عنه بتهم الفساد .
وفي اسرائيل ” العلمانية “،تم احياء الاساطير الدينية حول اعادة بناء الهيكل ،والبقرة الحمراء، واطلاق اللحى والشعر ، وتحريم العمل ايام السبت ، الى اخر ذلك من وصايا التزمت الديني .
وفي اسرائيل ” ذات السحنة الغربية صار الابارتئيد والفصل العنصري سياسة رسمية .وتم احياء الاستعمار ، والدوس على حقوق الانسان الفلسطيني ونسف القيم الغربية التي تمنع مصادرة الارض وتدنيس المقدسات والاعتداء على الحرمات .
ولوقف هذا التدهور الخطير ، سارع قادة المؤسسات العسكرية السابقون الى الاجتماع ، واطلقت الادارة الامريكية اقتراحها حول حكومة الوحدة الوطنية ،علها بذلك تحمي اسرائيل من نفسها ومن متشدديها .
وبغض النظر عن نتيجة هذه الجهود ، فان امرا واحدا بات ثابتا ، وهو ان الكيان الصهيوني يعاني من ازمة خانقة ، وان امراض البلدان النامية قد انتقلت اليه ، وان اسرائيل باتت عبئا كبيرا على الغرب بقيادة الولايات المتحدة . وهي تطورات يمكن ان تدفع الغرب الى التفكير ، بان اسرائيل هي مشروع خاسر ، وانه من العبث الاستثمار المجدي فيه . واذا حدث ذلك ، فان احد الاعمدة التي قامت عليها اسرائيل – وهو الدعم الغربي – سيختفي من الوجود .
8/7/2023