كتب محمد خير الوادي :
لم يكن المرء يتصور قبل ثمانية عشر عاما ،ان يحل مودي رئيس وزراء الهند الحالي- والممنوع سابقا من دخول امريكا – ، ضيفا عزيزا على البيت الابيض ، وان يلقى من الحفاوة والتكريم ما لم يلقاه زعيم هندي آخر . والسبب في هذا التكويع الامريكي لم يكن تغيير سلوك مودي العنصري والراعي للقمع الديني في الهند . فكراهية مودي لبقية الاديان في الهند- لا سيما الاسلام -استمرت منذ كان رئسيا لوزراء احدى المقاطعات الهندية عام 2005 ( وهو امر حمل البيت الابيض آنذاك على منع دخول مودي لمدة عشر سنوات الى امريكا) ، لا بل ان التحامل على مسلمي الهند ( اكثر من مائتي مليون ) بات الشغل الشاغل لحكومة مودي منذ تسع سنوات .
لم يخفف مودي كراهيتة لبقية الاديان ، وانما الذي تغير هو الموقف الامريكي من شعار حرية الاديان وحقوق الانسان اللذان تتباها بهما امريكا ! ولذلك لم يجد بايدن حرجا في الربت بمودة على كتف مودي الزائر الى واشنطن ، واعتباره حليفا لامريكا وشريكا لها في صياغة القرن الحالي .
هكذا يستخدم البيت الابيض يافطتي حقوق الانسان وحرية الاديان .
بعد هذه المقدمة ،اعود الى صلب الموضوع وهو زيارة الدولة التي يقوم رئيس وزراء الهند الى امريكا ، والتي تعتبر من اهم الزيارات الهندية الى الولايات المتحدة .لم يخف البيت الابيض رغباته من هذه الزيار ة : اكمال حصار الصين ، وضرب التعاون الهندي الروسي ، وترغيب القارة الهندية في التقارب اكثر مع امريكا . لذلك اغدقت واشنطن على دلهي من خلال اتفاقات تحمل طابعا استرتيجيا . اولها اقامة مصنع امريكي لانتاج محركات للطائرات العسكرية في الهند ، والهدف منه هو تقليص اعتماد الهند عسكريا على روسيا . والاتفاقية الثانية هي تزويد الجيش الهندي بعدد لا محدود من الطائرات العسكرية بلا طيار ،بهدف التجسس ومهاجمة مواقع العدو الجبيلة ( ويقصد بها مواقع الجيش الصيني في المناطق المختلف عليها ). وثالث هذه الاتفاقات اقامة معمل امريكي هائل في الهند لانتاج الرقائق التي باتت اليوم تتحكم في عصب التقدم العالمي .وتشير بعض المصادر الى ان هناك اتفاقات اخرى لم يعلن عنها .
وقد سبق ذلك كله انتقال عدد كبير من الشركات الامريكية التي كانت تعمل في الصين الى الهند ، وفتح الابواب الامريكية على مصاريعها لتعاون نووي واسع بين الجانبين ،وازالة الحواجز من اما م التجارة بين البلدين ،والغاء جميع العقوبات المتبادلة في هذا المجال ، اضافة الى تعاون واسع بين بنوك الطرفين .
ونذٌكر ايضا ، ان واشنطن ابرمت سابقا صفقات كبيرة لمد الجيش الهندي باحدث الاسلحة ،كما تمكنت من ادخال الهند في الحلف الامني الرباعي المشكل من اليابان واستراليا وامريكا والهند، والهادف الى التصدي للنفوذ الصيني في جنوب شرقي آسيا .مقابل ذلك كله ، تأمل واشنطن من وراء كرمها هذا كله ، في ان تتخذ دلهي مواقف اكثر حسما من بكين وموسكو .
حتى الآن، اكنفى مودي بتصريحات عامة ازاء كل من الصين وروسيا ، ولكن لاتوجد ضمانة في ان لا تنحرف الحكومة الهندية باتجاه الغرب اكثر ، وتنسى ان الهند كانت ركنا اساسيا في سياسة عدم الانحياز . فحجم المغريات كبير ، وحجم علاقات دلهي مع امريكا ينمو بارقام فلكية ، وسياسة الدول تحددها اليوم مصالحها اكثر من مبادئها .
23/6/2023