https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

  كارينا  فايزولينا*  

حمل وصول قاسم جومارت توكاييف إلى كرسي الرئاسة معه آمالًا لشعب كازاخستان بتغير حياتهم نحو الأفضل، وبدأ الخبراء يتحدثون عن نموذج انتقالي ناجح في كازاخستان. إلا أن التغيير الحاصل على مستوى رأس السلطة لم يؤدِّ إلى تغيير جوهري لا سياسيًّا ولا اقتصاديًّا. من جهة أخرى، أدت المصاعب الاقتصادية، التي تفاقمت بسبب استفحال وباء كورونا المستجد، إلى استياء اجتماعي، ثم فاقمت الزيادة الحادة غير المدروسة في تكلفة أسعار غاز النفط المسال من الغضب الشعبي لتكون النتيجة اندلاع اضطرابات مدنية وسط أجواء غير محسوبة العواقب.

لتقييم الوضع بدقة، سنحتاج إلى الأخذ بعين الاعتبار عاملين أساسيين في تطور الأحداث، وهما: أولًا: عملية الانتقال من فترة نزارباييف؛ وثانيًا: تدخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي في إعادة فرض النظام في كازاخستان.

نموذج انتقال ناجح؟

دام حكم نور سلطان نزارباييف لكازاخستان ثلاثة عقود حتى عام 2019. وقد كنت قد نشرت مع مركز الجزيرة للدراسات، في العام 2013، ورقة تصف السياسة العشائرية التي بسطت هيمنتها على جميع مجالات الحياة في كازاخستان. ففي ذلك الوقت، توافر بين يدي الرئيس الأول ما يكفي من السلطات لبناء نموذج حكم أكثر عدلًا وشمولًا. لكنه، بدلًا من ذلك، استغل سنوات حكمه التالية لترسيخ نظامه الاستبدادي وتمكين أقاربه ورفاقه من تركيز جميع الموارد المالية للدولة في أيديهم.

في العام 2019، عيَّن الزعيم الأبدي للأمة، نور سلطان نزارباييف الملقب بـ”يلباسي”، خليفته، قاسم جومارت توكاييف، الذي كان حينها يشغل منصب رئيس مجلس الشيوخ في كازاخستان، كما أعلن نزارباييف نفسه رئيسًا لمجلس الأمن. وفي وقت لاحق من عام 2019، انتُخب توكاييف رئيسًا للبلاد، لكنه لم يحصل، عمليًّا، سوى على القليل من الأدوات التي تمكِّنه من وضع بصمته على ما يسمى بـ”الفترة الانتقالية” والتأثير فيها، وهي فترة اتسمت باشتعال المعارك حول تقسيم إمبراطورية نزارباييف.

ومع أن نزارباييف حوَّل، عمليًّا، اقتصاد كازاخستان إلى مؤسسة عائلية، إلا أن ميزان توازن العلاقات بين أقاربه ورفاقه لم تكن له من ضمانات سوى سلطة نزارباييف الشخصية. فعلى سبيل المثال، تتضارب مصالح عدد من أبرز المستفيدين من نظام نزارباييف، مثل: ابنته داريغا نزارباييفا وصهره تيمور كوليباييف وابن أخيه خيرات ساتيبالدي. وبسبب تزايد عدم اليقين بين النخب، فيما يتعلق بالامتيازات والحماية في المستقبل، فقد أدى تقاعد الرئيس الأول إلى مفاقمة الصراع على الموارد المالية والامتيازات السياسية(1).

منذ عام 2019، دأب الخبراء على إبراز الطبيعة المزدوجة للسلطة في البلاد، واصفين توكاييف بالزعيم الضعيف -“دمية”- الذي لم يكن له من دور بارز سوى المساعدة في إنجاز عملية الانتقال السلس. وفي تحرك غير متوقع للجميع، تخلَّى نزارباييف، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عن منصب رئيس حزب “نور أوتان” بشكل طوعي وعين توكاييف في ذلك المنصب. كان هذا التعيين مفاجأة للمحللين، ولم يترك لهم سوى التخمين؛ إذ لا يمكن الجزم بدوافع نزارباييف خلف قراره ذلك. لماذا لم يُعين ابنته داريغا نزارباييفا على رأس السلطة؟ هل راهن على سلطة توكاييف الشخصية ويعتقد بحق في إمكانية أن يصبح زعيمًا حقيقيًّا ويحمي الدولة من الصراع القبلي؟ قد نجد الإجابة على ذلك في مذكرات شخص ما في المستقبل.

مع دخول العام الجديد، 2022، وجدت كازاخستان نفسها في مواجهة تزايد منسوب الاستياء الشعبي بسبب ما يكابده الشعب من مصاعب اقتصادية، من جهة، وفي مرحلة تجري فيها إعادة توزيع السلطة بين النخب السياسية القديمة والجديدة، من جهة أخرى، وما يستتبع ذلك من عواقب غير معروفة لانتقال السلطة في قادم الأيام.

وفي هذا السياق، فإن الاعتقاد لدينا هو أن احتجاجات يناير/كانون الثاني في كازاخستان بدأت تلقائية ولم تبدأها أية قوى سياسية داخل البلد أو خارجه. لكن، وفي ظل غياب معارضة قوية ومتعقلة، لم يعلن أحد مسؤوليته عن الاحتجاجات، ولم يوحِّد أحد الشعب الغاضب أو “يسمح” له برفع مطالبه(2).

في هذه الأثناء، تمكَّن توكاييف من تحويل الوضع لصالحه، واستغل هذه اللحظة لإصدار مرسوم يقضي بحل البرلمان، وفصْل كريم ماسيموف من منصبه كرئيس للجنة الأمن القومي (KNB، وكالة الاستخبارات) وأمر باعتقاله بشبهة الخيانة. علمًا بأن ماسيموف من الموالين المقربين من نزارباييف وأحد الشخصيات الرئيسية في النظام؛ حيث كان قد شغل منصب رئيس الوزراء من 2007 إلى 2012 ومن 2014 إلى 2016، كما أنه شغل أيضًا منصب رئيس أركان نزارباييف، بين فترتي إشرافه على رئاسة الوزراء، عندما ترأَّس جهاز الاستخبارات منذ عام 2016. ولم يكتفِ توكاييف باعتقال ماسيموف فقط، بل أمر أيضًا باعتقال ضباط آخرين كانوا مسؤولين في لجنة الأمن القومي. ثم ذهب توكاييف أبعد من ذلك وقرر تولي رئاسة مجلس الأمن بعد إقالة الرئيس الأول، نزارباييف، نفسه من هذا المنصب الذي كان قد عُيِّن فيه مدى الحياة. وما زلنا، إلى حدِّ الآن، نجهل مصير نور سلطان نزارباييف؛ حيث إنه لم يُدلِ بأي تصريحات منذ بداية الاحتجاجات( فيما بعد ظهر نزاربايف على التلفزيون ليعلن ان تقاعد وانه سلم السلطة كاملة لخلفه ، وانه يؤيد اجراءات الرئيس الكازاخي .). أما توكاييف، فقد كان جريئًا بما يكفي لانتقاد سلفه علنًا، وكانت هذه هي المرة الأولى، منذ بداية الاضطرابات، التي يذكر فيها الرئيس نزارباييف على الإطلاق. بل إن توكاييف لم يذكر اسم نزارباييف حتى في 5 يناير/كانون الثاني عندما أعلن نفسه رئيسًا جديدًا لمجلس الأمن.

وقد جاء على لسان توكاييف، في معرض انتقاده العلني للرئيس نور سلطان نزارباييف، ما يلي: “يعود الفضل للرئيس الأول (……) في ظهور مجموعة من الشركات ذات الأرباح العالية وبروز طبقة من الأغنياء فاحشي الثراء حتى بالمعايير الدولية. وأعتقد أن الوقت قد حان لإعادة الثروة لشعب كازاخستان والبدء في مساعدته بشكل مدروس”(3).

من المؤكد أن إقالة حلفاء نزارباييف، الذين كانوا يزعجون الناس بثرواتهم وسلطاتهم غير المقيدة، سوف يساعده على كسب ثقة الشعب وترسيخ سلطته وإلقاء المسؤولية على عاتق النخب القديمة وتحميلهم وزر عدم الاستقرار الاقتصادي (ومع ذلك، فإنه من الإنصاف الإشارة إلى أن الوعود المقدمة من توكاييف بجعل حياة الناس أفضل جاءت متأخرة، خاصة أنه قد شغل منصب رئيس الوزراء من عام 1999 إلى عام 2002 ومنصب رئيس مجلس الشيوخ من عام 2013 إلى عام 2019). وبما أن توكاييف كان بيدقًا في يد نزارباييف يوجهه حيث يشاء دون أية مقاومة، فمن الصعب تصديق أنه لم تكن لديه أية فرصة للمساعدة في تطوير المؤسسات الديمقراطية).

إن ما حدث في كازاخستان هو إعادة هيكلة السلطة السياسية والموارد الاقتصادية من خلال الصراعات بين النخب القديمة والجديدة، والتي تكثف زخمها بسبب الاضطرابات السياسية، غير أن عملية تحول السلطة لن تتحقق طالما ظلَّت نخب نزارباييف القديمة تحتفظ بقوتها. فهل سيتمكن الرئيس توكاييف من ترسيخ سلطة حكمه؟ وهل سيتمكن من فرض التحول الديمقراطي الحقيقي وافتكاكه من هيمنة المؤسسات الحكومية عليه ويجد حلًّا وسطًا مع الأطراف الفاعلة الأخرى؟

لا شك في أن الطريق لا يزال طويلًا أمام توكاييف من أجل إرساء تحول ديمقراطي حقيقي؛ فقد طغى حكم نزارباييف الاستبدادي على كامل الساحة السياسية؛ حيث كان نزارباييف هو النظام نفسه، وبالتالي فإن عملية استبدال حاكم آخر به ستُدخل البلاد في حالة حرجة من عدم استقرار النظام. وسيتعين على توكاييف بناء نظامه الخاص وكسب ثقة الشعب والتوصل إلى حلٍّ وسط مع النخب الجديدة ومقاومة النخب القديمة، بالإضافة إلى ضرورة بسط سيطرته على سلطات تنفيذ القانون وجعلها فعَّالة.

أما الأهم من كل ما سبقت الإشارة إليه، فهو أن الأسباب التي أوصلت الوضع إلى ما كان عليه، وهي الفوارق الكبيرة بين شرائح المجتمع والفساد والإرهاق السياسي، لا تزال قائمة إلى اليوم. وبدون تحول سياسي واقتصادي عميق، فإن أية حكومة، مهما كانت، ستجد نفسها حتمًا أمام مواجهة اضطرابات مجتمعية جديدة.

دور منظمة معاهدة الأمن الجماعي

على إثر تصاعد الاحتجاجات، التي لم تكن في بدايتها سوى مظاهرات سلمية ضد ارتفاع سعر الغاز النفطي المسال ثم تحولت بعد ذلك إلى أعمال شغب، طلب رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، من منظمة معاهدة الأمن الجماعي إرسال مساعدات عسكرية لبلاده، معلِّلًا طلبه ذلك بأنه “من أجل مساعدة كازاخستان على التغلب على هذا التهديد الإرهابي”(4).

وتنص المادة الرابعة من ميثاق منظمة معاهدة الأمن الجماعي على ما يلي: “في حال ارتكاب عدوان (هجوم مسلح يهدد السلامة والاستقرار والسلامة الإقليمية والسيادة) على أي من الدول الأعضاء، فإن على جميع الدول الأعضاء الأخرى تقديم المساعدة الفورية اللازمة، بناء على طلب الدولة العضو (المعتدى عليها)، بما في ذلك المساعدة العسكرية…”(5).

تجدر الإشارة هنا إلى أن منظمة معاهدة الأمن الجماعي تضم في عضويتها كلًّا من روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان. وتتزعم روسيا، طبعًا، هذه المنظمة كونها تمتلك أكبر ترسانة من الأسلحة وأكبر عدد من القوات العسكرية. وعلى الرغم من عدم وجود دليل على أن أية دولة أجنبية أو أطراف أخرى من غير الدول قد شاركت في أعمال الشغب، إلا أن قادة الدول الأعضاء سارعوا إلى التأكيد على أن كازاخستان تواجه تهديدًا خارجيًّا.

وكان بوتين قد صرح بما يلي:  “لقد تبين، بما لا يدع مجالا للشك، استخدام مجموعات ذات تنظيم جيد، يُديرها مقاتلون متمرسون […] من بينهم مقاتلون خضعوا للتدريب في معسكرات الإرهابيين في الخارج، كما هو واضح”(6). وهو ما منح المنظمة سلطات رسمية لبدء عملية لحفظ السلام في كازاخستان، وهي أول بعثة لها منذ إنشائها في العام 2002.

وللتذكير في هذا المقام، فقد كانت هناك حالات سابقة طلبت فيها الدول الأعضاء المساعدة؛ ففي عام 2010، ناشدت الرئيسة المؤقتة لقيرغيزستان حينها، روزا أوتونباييفا، تدخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي بعد سقوط نظام باكييف، لكن المنظمة لم تتدخل لأنها اعتبرت المسألة داخلية تمامًا، هذا أولًا؛ أما ثانيًا، فلم تكن هناك سلطة شرعية رسمية لتأمين حماية العاصمة، بيشكيك. وفي عام 2021، طلبت أرمينيا مساعدة منظمة معاهدة الأمن الجماعي أثناء تصاعد الصراع مع أذربيجان، غير أن المنظمة رفضت الطلب بداعي أن ناغورنو قرةباغ، رسميًّا، هي جزء من أذربيجان. كما لم يكن تدخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي مطلوبًا خلال الثورة الأرمنية عام 2018. هذا، ولم تتدخل المنظمة قط في الصراعات الحدودية العنيفة بين قيرغيزستان وطاجيكستان، واصفة إياها بأنها ذات طبيعة ثنائية خالصة.

وفي هذا السياق، يُعد تدخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي في كازاخستان سابقة فريدة من نوعها وذلك لأنه، كما يقول الخبراء: قبل هذه المرة لم يحدث أن طلب بلد غني بالنفط وشعبه متعلم تعليمًا عاليًا ويمتد جغرافيًّا على رقعة من الأراضي الشاسعة، المساعدة العسكرية من جيرانه في مسألة تتعلق بالتعامل مع احتجاجات شعبية عادية(7).

ومن المفارقات في هذا الصدد، هو أنه إذا كانت التدخلات الخارجية، على الطريقة الأميركية، تعطي الأولوية للتدخل من أجل حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان على حساب السيادة والاستقلال، فإن التدخل، وفقًا للطريقة الروسية، يكون لمساعدة النظام الاستبدادي القائم على التشبث بالسلطة.

من ناحية أخرى، نحن لا نعرف أي شيء عن الملابسات التي تحيط بهذه العملية: مَنِ الطرف الذي مهَّد لاتخاذ هذا القرار: الروسي أم الكازاخستاني؟ وكيف جرى ذلك؟ أما الشيء الوحيد المؤكد فهو أن الآلة السياسية الروسية يغلب عليها الطابع الشخصي، ولا يمكن، بأية حال، قول أو فعل أي شيء مخالف لما يراه بوتين.

غير أنه لا ينبغي الاستهانة ببصيرة توكاييف وبراعته السياسية أيضًا. فبالرغم من أنه قد يُصوَّر في شكل السياسي التابع وغير المستقل، إلا أنه في الواقع دبلوماسي مثقف ويتمتع بمهارات وخبرات ممتازة منذ أن كان وزيرًا للخارجية (1994-1999، 2002-2007). فهو يعرف كيف يوازن بين العلاقات مع جميع الأطراف؛ فبعد أن أصبح رئيسًا، رفض أن يُطلِق على استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم اسم “الضم”، ولم ينتقد الصين بسبب قمعها الأويغور، وفي الوقت نفسه نجده يؤيد علاقات التعاون الجيدة والعمل المشترك مع أوروبا. كما أنه يتحدث الروسية والكازاخستانية، بالإضافة إلى الصينية والإنجليزية والفرنسية. وبالتالي، لا ينبغي للمرء أن يقلِّل من قدراته على التفاوض وعقد اتفاقات تحقق له منافع شخصية.

من اللافت للنظر هنا هو أن وكالات إنفاذ القانون والأمن لم تستطع -أو لم تُرد- القيام بعملها. فقد استولى السياسيون العزل، عمليًّا، على مبنى لجنة الأمن القومي والمطار في ألما آتا وغيرها من المؤسسات الاستراتيجية، تاركين وراءهم أسلحة استُخدمت في أعمال شغب سابقة. وهو ما يشير إلى أن قوات الأمن لم تكن موالية لتوكاييف، وإلا فبماذا يُفسَّر تخليها عن واجب حماية الأشياء ذات الأهمية الاستراتيجية؟

أما تبعات مشاركة منظمة معاهدة الأمن الجماعي فتبدو جلية:

    سواء أغادر (نزارباييف) عن طيب خاطر أم جرى تهميشه، فقد ولَّى عصرهوأمره بصراحة لم يعد مهمًّا، كما لم يعد مهمًّا أيضًا ما أبداه من تأييد لفكرة التكامل الاقتصادي مع روسيا، وأنه كان من بين حلفائها الأقوياء. فالسياسة براغماتية تقودها مصالح الأطراف الفاعلة ولا تُقاد عبر التقارب الشخصي أو المزايا السابقة للأشخاص. لقد حكم نزارباييف البلاد منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، وهو واحد من آخر الزعماء الذين تُختتم برحيلهم حقبة ما بعد التحول السوفيتي.

     من خلال دعوته منظمة معاهدة الأمن الجماعي لدعم أوراق اعتماده الرئاسية، فإنه من المحتمل أن يكون توكاييف قد فقد استقلاليته عن موسكو سياسيًّا واقتصاديًّا. والآن، وبعد أن حصل على فرصة لإبعاد ملوك المال والسياسة من أتباع نزارباييف، فإن شركات النفط والغاز الروسية، مثل لوك أويل وغاز بروم، ستحرص على ملء الفراغ وتوسيع نشاطاتها وحضورها في البلاد.

    إن مشاركة منظمة معاهدة الأمن الجماعي في تسوية أزمة سياسية داخلية لم يسبق لها مثيل، وقد تصبح نقطة تحول ليس للمنظمة نفسها فحسب، بل لمنطقة آسيا الوسطى بأكملها وعلى امتداد المنطقة الجغرافية التي وُلدت في حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي. وعلى سبيل المثال، في بيلاروسيا، وعلى الرغم من أن رئيسها، ألكسندر لوكاشينكو، يشغل منصبه منذ عام 1994، فإن السلام السياسي الداخلي فيها هش، وبالتالي فلا ينبغي لأحد أن يفاجأ إذا تخلَّت روسيا عن لوكاشينكو عند أول انتفاضة شعبية مقبلة على غرار ما فعلته مع نزارباييف.

وفي نفس هذ السياق، فقد ألمح رئيس أرمينيا، نيكول باشينيان، إلى عدم ممانعته مشاركة منظمة معاهدة الأمن الجماعي في القضايا بين أرمينيا وأذربيجان؛ قائلًا:

“للأسف، يجب القول: إنه لا يوجد انخفاض في التوتر في منطقة مسؤولية منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وما زلنا نواجه تهديدات من نوع جديد. في الماضي القريب، واجهنا بدورنا ظهور إرهابيين ومقاتلين أجانب في منطقتنا”(8).

ملاحظات ختامية

من المؤكد أنه لا توجد دولة في المنطقة، وبالأخص روسيا والصين اللتين استثمرتا بقوة في كازاخستان، تريد رؤية كازاخستان تتحول إلى ما آلت إليه كل من قيرغيزستان وأوكرانيا. فموقع كازاخستان الجيوسياسي، بالإضافة إلى حجمها الجغرافي والديمغرافي ومواردها من الطاقة، هي من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن أن تسمح للبلاد بالانزلاق إلى مرتبة الدول الفاشلة.

وفي خطوة فاجأت الجميع، تمكنت بعثة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي شاركت فيها روسيا بشكل رئيسي، من إنهاء مهمتها في أقل من أسبوع وحالت دون انهيار الدولة. لم تسع روسيا هنا إلى فرض حكومة عميلة، بل كان هدفها الأساسي الحفاظ على الدولة وهي مستقلة موحدة ومستقرة تحكمها قيادة سياسية راشدة.

من جهة أخرى، فإن توكاييف لم يتمكن فقط من الاحتفاظ بمنصبه الرئاسي، وهو أمر مهم، إلا أن الأهم من ذلك هو تمكنه، أيضًا، من كسب تعاطف الناس من خلال نأيه بنفسه عن النخب الفاسدة القديمة، وكذلك حصوله على مصداقية تسمح له بالتخلص من كبار تجار المال والسياسة، ومن كل مَنْ عيَّنهم نزارباييف خلال حقبة حكمه.

من جانبه، وكما كان يحدث دائمًا في منطقة ما بعد الاتحاد السوفييتي، وعد توكاييف بتوزيع أكثر عدلًا للثروة وتحرير السوق. لكن، عمليًّا، فإنه غالبًا ما تُنسى أغلب مثل هذه الوعود ولا ترى طريق التنفيذ، وعلى الأغلب فإنها تؤدي إلى نقل الأصول والثروات إلى الحسابات البنكية لنخب جديدة.

في عام 2001، كان توكاييف، الذي كان حينها يشغل منصب رئيس الوزراء، الشخصية الرئيسية التي عملت على سحق الحركة الديمقراطية في كازاخستان -وهي مجموعة من السياسيين الذين طالبوا بالإصلاحات وإرساء الديمقراطية- وبالتالي فمن غير المرجح أن يعمل اليوم على بناء نظام أكثر عدلًا وشمولًا(9). 

ومهما يكن من أمر، فإننا نعتقد أن المسؤولية عن مستقبل الدولة تقع على عاتق شعب كازاخستان وحده. ولا شك في أن تحقيق الاستقرار السياسي والرفاه الاقتصادي بدون التوصل إلى إرساء عقد اجتماعي جديد تشارك فيه جميع أطياف الشعب، سيكون ضربًا من المستحيل.

* (مركز دراسات  الجزيرة)

مراجع

    Chatham House (2019) “Казахстан: испытание «транзитом власти»,  https://www.chathamhouse.org/sites/default/files/CHHJ8054-RUSSIAN-Kazakhstan-Report-FINAL.pdf (accessed 12 January 2022).

    DW (2022) «Эксперты о Казахстане: Транзит власти Назарбаева был “фиктивным”»,  https://www.dw.com/ru/jeksperty-o-kazahstane-tranzit-nazarbaeva-provalilsja/a-60341424 (accessed 10 January 2022).

    FT (2022) “Kazakhstan leader vows to tackle inequality behind protests”  https://www.ft.com/content/67568ccc-f64a-4b1b-b757-50c212d51837 (accessed 10 January 2022).

    Reuters (2022) “Kazakh president seeks help from Russia-led security bloc “ https://www.reuters.com/world/asia-pacific/kazakh-president-seeks-help-russia-led-security-bloc-2022-01-05/ (accessed 10 January 2022).

    See Article 4 of the Collective Security Treaty, available fromhttps://en.odkb-csto.org/documents/documents/dogovor_o_kollektivnoy_bezopasnosti/

    BBC (2022) “Kazakhstan unrest was coup attempt, says president” https://www.bbc.com/news/world-asia-59900738 (accessed 11 January).

    F. Lukyanov (2022) “Коллективизация безопасности. Какие далеко идущие последствия будет иметь задействование сил ОДКБ в Казахстане”, Россия в Глобальной Политике, 6 January 2022,  https://globalaffairs.ru/articles/kollektivizacziya-bezopasnosti/ (accessed 12 January 2022).

    Public Radio of Armenia (2022) “Tensions have not decreased in CSTO area of ​​responsibility, Armenian PM says”https://en.armradio.am/2022/01/10/tensions-have-not-decreased-in-csto-area-of-%E2%80%8B%E2%80%8Bresponsibility/ (accessed 14 January 2022).

    Радио Азаттык (2021) “Назарбаев вначале поддерживал». Как ликвидировали движение ДВК” https://rus.azattyq.org/a/31567089.html (accessed 11 January 2022)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر − عشرة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube