مع فرضها قواعد جديدة هزت أسواق المال وفتحها تحقيقات، فإن تدابير بكين الصارمة تجاه كبرى شركاتها طالت كل نواحي الحياة العصرية تقريباً، لتطيح بمليارات الدولارات من الأسهم المُدرجة في يورصات الصين وهونغ كونغ، وتثير ارتباك خبراء في الاستثمار.
فمن القيود على الدروس الخصوصية للطلاب بعد انتهاء الدوام في المدرسة، إلى تطبيقات البث الموسيقى التدفقي، والتسوق، وصولا إلى تشارك الدراجات، فقد تضررت مؤسسات كبرى في وقت تُضيق فيه بكين الخناق على الشركات لأسباب تقول إنها تتعلق بالأمن القومي ومكافحة الاحتكار.
وسواء كان ذلك مدفوعاً بميل الحزب الشيوعي إلى التحكم بمسار الأمور، أو لتجنب تقلبات السوق التي تضر بجيوب الصينيين وسلامتهم، فإن قلة من الناس تتوقع أن تكون هذه نهاية التدابير.
فيما يأتي عدد من القطاعات التي طالتها تدابير الجهات الناظمة حتى الآن.
■توصيل الطعام: تراجعت أسهم تطبيق توصيل الطعام الأبرز “ميتوان” أمس قرابة 15 في المئة مقارنة بيوم الجمعة، بعدما أعلنت الهيئات الناظمة عن قواعد جديدة لحماية العمال.
وبات على أصحاب المصالح في قطاع توصيل الطعام المزدهر في الصين، والذي يعول عليه الملايين من موظفي المكاتب، الالتزام بالحد الأدنى للأجور و”تخفيف القيود المتعلقة بفترة التوصيل”.
وتعرضت “ميتوان” ومنافستها “إيل.مي” المملوكة لمجموعة “علي بابا” العملاقة للتجارة الإلكترونية لانتقادات في الأشهر الأخيرة، بعدما كشفت وسائل إعلام محلية، عن الطرق الخطرة التي يسلكها سائقون للالتزام بمهلة زمنية ضيقة للتوصيل.
ومنيت أسهم “ميتوان” المدرجة في بورصة هونغ كونغ بضربة في نيسان/أبريل عندما فتحت الهيئات الناظمة تحقيقا في شبهات احتكار تطال تطبيقها الواسع الذي يسمح للمستخدمين بحجز خدمات ترفيه وصحة وتسلية.
■التعليم الخاص: أعلنت الصين أيضاً عن قواعد جديدة، تفرض على مؤسسات الدروس الخصوصية أن تصبح غير ربحية وتمنع الدروس في عطلة الأسبوع، ما أدى إلى تراجع قيمة أسهم شركات التعليم الخاص. ويقول محللون أن تلك الخطوة جعلت الشركات عمليا غير قابلة للاستثمار.
وقالت الحكومة أن القطاع الذي كانت قيمته 260 مليار دولار في 2018، وفق مؤسسة “إل.إي.كي للاستشارات” أصبحت “رهينة في يد رأس المال”.
وفقد مؤسسو شركتي “نيو اورينتال” و”غاوتو تيشيدو”، على الفور تقريباً، تصنيفهم في نادي أصحاب المليارات، بعد الإعلان عن القواعد.
وقد راكموا ثرواتهم بالاستفادة من النظام التعليمي شديد التنافسية، حيث يسعى الأهالي لتقديم أي ميزة يستطيعونها لأبنائهم.
■خدمة حجز سيارات الأجرة: حظرت السلطات شركة حجز السيارات “ديدي شوكينغ” من متاجر التطبيقات الصينية في مطلع تموز/يوليو، بعد أيام على تحقيقها 4.4 مليار دولار لدى طرح أسهمها في نيويورك.
وكانت الشركة قد مضت في خطط طرح أسهمها رغم معارضة السلطات الصينية القلقة من أن يؤدي إدراجها في البورصة إلى جعل بيانات مستخدميها في أيد أجنبية.
وأرسلت بكين في حزيران/يونيو مسؤولين من سبع دوائر حكومية إلى الشركة لإجراء تحقيقات بشأن الأمن المعلوماتي في مكاتبها.
والشركة، التي تراجعت أسهمها بنحو 40 في المئة منذ إدراجها في بورصة وول ستريت، يمكن أن تواجه غرامة بمليارات الدولارات، أو قراراً عقابياً بتعليق عدد من العمليات، حسبما ذكرت بلومبرغ الأسبوع الماضي.
■ العملات المُشَفَّرة : جردت الصين أيضا المتداولين من عملة “بتكوين” وغيرها من العملات المُشَفَّرة، واعتقلت أكثر من ألف شخص بتهمة غسل الأموال باستخدام عملات مُشَفَّرة في حزيران/يونيو.
وحظرت الصين التداول بعملة “بتكوين” في 2019، وأمرت عدة أقاليم بإغلاق أجهزة تعدين مُشَفَّرة شديدة الاستهلاك للطاقة، مشيرة إلى مخاوف بشأن زيادة استهلاك الطاقة.
ويقول محللون إن الصين تخشى أن يسهم التداول بـ”بتكوين” في الاستثمارات غير القانونية، وأن يهدد سيطرة الحكومة على تدفقات رأس المال. وتفسح القوانين المشددة المجال للصين لطرح عملتها الرقمية الخاصة التي يمكن أن تراقبها الحكومة المركزية.
■ التسوق عبر الانترنت: فرضت سلطات مكافحة الاحتكار على عملاق التجارة الالكترونية “علي بابا”، المملوك للمليادير جاك ما، غرامة قياسية قدرها 18,2 مليار يوان (2.8 مليار دولار) في نيسان/أبريل، بعدما قالت الحكومة أن المجموعة “استغلت وضعها المهيمن في السوق” بمنع تجار من الترويج لسلعهم على مواقع منافسة.
وألغت السلطات في أواخر العام الماضي إدراجاً مخططاً له بقيمة 35 مليار دولار للذراع المالية للمجموعة “آنت فاينانشال” في البورصة، وأمرت “آنت” بالتخلي عن خدماتها المالية والعودة إلى أساسها كمنصة دفع الكتروني.
■الترفيه: تعرض عملاق منصات التواصل الاجتماعي والترفيه “تنسنت” لضغوط متزايدة. فقد اجهضت الجهات الناظمة خطط دمج بين “هويا” و”دويو”، أكبر موقعين لالعاب الفيديو بالبث التدفقي المباشر، واللذين تملك “تنسنت” حصصا فيهما. وكان من شأن الاندماج أن يمنح “تنسنت” سيطرة كبرى على الشركة المُدمجة.
وواجهت “تنسنت” انتكاسة أخرى السبت الماضي بعدما قضت “الإدارة الرسمية لتنظيم السوق” بأن على الشركة أن تتخلى عن صفقاتها الحصرية مع شركات موسيقى بسبب انتهاكها قوانين مكافحة الاحتكار.
كذلك استدعت الجهات الناظمة “بايتدانس” الشركة الأم لـ”تيك توك”، و”تنسنت”، والعشرات من الشركات الخاصة الأخرى في نيسان/أبريل، وحضتها على “الاصغاء للتحذير” الموجه لمجموعة “علي بابا”.
■ من التالي؟ : تتطلب مُسوَّدة قانون صادرة عن سلطات الفضاء الالكتروني أن تقدم المنصات التي تضم أكثر من مليون مستخدم طلبا لدى إدارة الأمن الإلكتروني قبل الاكتتابات العامة في الخارج.
وقد يُلجم ذلك عمليات إدراج مستقبلية لشركات صينية في البورصة، لأنها ستفكر ملياً قبل أن تثير غضب بكين.
ويطال ذلك أيضا جميع أنواع الشركات الناشئة في السوق الاستهلاكية الواسعة في الصين
فقد أعلنت منصة تشارك الدراجات “هيلو إنك” أنها ستلغي الاكتتاب العام المقرر في بورصة “ناسداك” الأمريكية، بعد وقت قصير على إعلان تطبيق “شياوهونغشو”، الموازي لتطبيق “بينترست”، تعليق خطط مماثلة.
مع ذلك يبدو أن المسؤولين يخشون ردود الفعل على تدابيرهم الأخيرة. فقد دعت الجهات الناظمة أمس الأول كبار مدراء المصارف لاجتماع سعيا لتهدئة المخاوف إزاء القوانين المشددة، وفق وكالة بلومبرغ نيوز.
وجاءت الخطوة بعدما أعادت الكثير من وسائل الإعلام المحلية مساء الأربعاء نشر تعليق من وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) جاء فيه أن “أسس تطوير سوق رأس المال في الصين لا تزال متينة”. وسجلت الأسهم في قطاعات التكنولوجيا والتعليم المتضررة بشكل كبير ارتفاعاً أمس الخميس، فيما ارتفعت بورصات هونغ كونغ والبر الرئيسي بعد انتكاسة مطلع الأسبوع