صبري صيدم
الإهمال والإنكار والتناسي والتهاون والتراخي، وما بقي في قاموس لغتنا العربية من أوصاف، لا يكفي لوصف الحال التي أدت إلى ما تعيشه الهند اليوم من إصابات بالوباء اللعين، قد يصل حاجز الاثنين وعشرين مليون إنسان مع نشر هذه الكلمات.
الهند التي سماها البريطانيون، إبان استعمارهم لها بدرة التاج، تتهاوى اليوم أمام ضربات كورونا، ليس بفعل متحوراته وأرقامه المعتادة فحسب، وإنما بفعل ما سماه العلماء بالمتحور الهندي، الذي خلق بفعل تفاعل المجتمع مع متحورات عدة ليتحور الفيروس بشكل أكثر فتكاً، لم تعد معه مناعة الشعب الهندي قادرة على الصمود، كما صمدت خلال عام أو يزيد من انتشار الوباء حول العالم.
وقبل كتابة هذه السطور كانت الهند قد سجلت ارتفاعاً في العدد الإجمالي للإصابات بفيروس كورونا ليقارب 20 مليوناً عشية الاثنين المنصرم، بعد تسجيل أكثر من 300 ألف اصابة جديدة، ووصلت السلالة الهندية المتحورة إلى 17 دولة على الأقل، من بينها بريطانيا وسويسرا وإيران، ما دفع العديد من الحكومات إلى إغلاق حدودها أمام المسافرين القادمين من الهند، بل حتى تجريم الوافدين منها ممن يتضح أنهم قد تحايلوا في سفرهم وأخفوا حقيقة أن نقطة انطلاقهم كانت الهند.
ورغم اعتقاد البعض أن كثافة تناول التوابل العشبية كالقرنفل والكاري والكركم، والزنجبيل والفلفل بنوعيه الحلو والحار، والحلبة والقرفة وجوزة الطيب وغيرها مما نعرفه ولا نعرفه من توابل مختلفة، قد وفّر للهند منظومة حماية جسمانية مهمة، ولفترة بقيت فيها أرقام الهند تحت السيطرة، إلا أنه من الواضح أن الأمور خرجت عن السيطرة، حتى بات حال الهنود كما حال الصينيين في يوم من الأيام، حيث منعت بعض الدول دخولهم، كإسرائيل التي رفضت ذات يوم إفراغ إحدى الطائرات التي ضمت ركاباً من الصين. هذا التكاثر السريع في أعداد الإصابات هو تأكيد قطعي على ما كنا قد أشرنا إليه في مقال سابق وهو، أن كورونا ليس وباءً يقتله لقاح، وإنما فيروسٌ بات في تحوره أشبه بانفجار نووي قريب في ذلك التحور، لما يعرف في عالم الفيزياء النووية بالتفاعل التسلسلي أو «الاتشين رياكشن» وهو ما يعني أن جيش الفيروس يهاجم مجتمعات العالم قاطبة، وكلما تمنعت الأجساد أمام محاولات اختراق لها تحوّر الفيروس ليستطيع النفاذ، وهو ما جعل البعض يؤكد الاعتقاد الصارخ بأن الفيروس مصّنع وليس طبيعيا، من دون تأكيد علمي كافٍ حتى تاريخه. وعليه شهد العالم ولادة متحورات مختلفة منها البريطاني والجنوب افريقي والبرازيلي والهندي والسيرلانكي. واليوم يشهد العالم ولادة متحورات جديدة تضاف إلى الهندي، كالمتحور التشيلي وغيره مما نعلمه وما لا نعلمه.
الهند درة العرش السابقة تحتاج أن تتنفس أوكسجين السلامة من جديد، وإلا غرقت وأغرقت البشرية معها إلى الأبد
ورغم مشاهد الإغلاق في الهند وما رأيناه من قمع فوري ومباشر وعنيف لفئات الشعب الهندي في الشارع، من ضرب ولكم وتعنيف من قبل الأمن، إلا أن الانتخابات الهندية، سارت قدماً دونما تأجيل، كما استمرت الاحتفالات الدينية واغتسال البشر والحيوانات بالملايين في نهر الغانج، وغيرها من الطقوس الدينية والاجتماعية والأعياد وما بينها من عادات طالت وشملت مئات الملايين من البشر. ولو قيل إن الجهل كان سيد الموقف لربما كان العالم الثالث الضحية الوحيدة للوباء، لكن معدلات انتشاره عالمياً إنما يشير إلى أن الإنكار والشك والاقتناع بنظريات المؤامرة، ما زالت سيدة الموقف وسط أغنياء العالم وفقرائه.
وعليه ومع استمرار هذا النهج الإنكاري، فإننا سنشهد حتماً متحورات تحمل أسماء الدول جميعاُ، في تحور انشطاري متسلسل، ربما يضطرنا في كل عام إلى تلقي جرعات مدعمة من اللقاحات، لتجنب المتحورات التي يكون البشر قد اكتشفوها حتى تاريخ إعطاء تلك الجرعات المدعمة. دورية «يوميات فيروس» التي أتشرف بإصدارها يومياً، وتعدها ثلة من خيرة الأطباء في فلسطين والعالم، لطالما أشارت إلى حال كهذا، بل حذرت من أن التهاون في التعامل مع المتحورات، والتساهل في إجراءات الوقاية، وتخفيف الإجراءات الرقابية الرادعة لرعايا الدول قاطبة، إنما سيجعل من الوباء نزيلاً أزلياً لحياة البشر. عليه فإن العالم وإن احتفت بعض دوله بتراجع الوباء في ديارها، فإن عليها الاستعداد للتحور الانشطاري للوباء، وهو ما سيعني عودة أعداد المصابين إلى التصاعد لا محالة وتحول كورونا إلى وباء أزلي. إن الهند التي نحب، درة العرش السابقة تحتاج أن تتنفس اوكسجين السلامة من جديد، وإلا غرقت وأغرفت البشرية معها إلى الأبد