https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png


الكاتب جون لارنر هو أستاذ مشرف لمادة التاريخ في جامعة غلاسكو. أبدى اهتماما خاصا بأدب الرحّالة وقدّم العديد من الدراسات والأبحاث في الصحف والدوريات المختصة.
موضوع هذا الكتاب هو الرحالة الايطالي ماركو بولو (1254 ـ 1324) صاحب الكتاب الشهير «عجائب العالم» الذي يعتبره العديد من النقاد والمؤرخين أول عمل وثائقي ذي قيمة جغرافية وتاريخية حول الشرق، إذ كان قد سافر إلى الصين عبر منغوليا بدفع من والده وعمه اللذين كانا من كبار تجار مدينة البندقية الايطالية. وفي الصين تسلّم ماركو بولو مهام رسمية عدة بعد أن أمضى سنوات في قصر أحد ملوك الصين الذي أعطاه ثقته وبعثه في المهمات الخاصة إلى تونكين والهند، وبعد سنوات من الاقامة في الصين عاد ماركو بولو إلى البندقية، بلدته الأصلية، عبر «سومطرة» وأطلقت عليه عند وصوله إلى مدينته صفة «السيد مليون» بسبب غناه وثروته الطائلة التي اصطحبها معه من بلاد الشرق.
انطلقت رحلة ماركو بولو إلى الصين من البندقية عام 1271. وكانت البندقية آنذاك على صلات وثيقة مع القسطنطينية، عاصمة الامبراطورية البيزنطية و«بوابة الشرق» بالنسبة للقارة الأوروبية القديمة. وكان ماركو بولو برفقة والده وعمّه حيث سلكوا الطريق البرّي» إلى الصين مرورا بـ«مضيق هرمز» ثم اجتياز إيران وبعدها صحراء غوبي». لقد وصل الركب إلى الصين عام 1275 وإلى قصر «خان كبيلاي»، لقد أبدى ماركو بولو مهارة كبيرة في تعلم لغة أهل الصين كي يصبح سريعا أحد العاملين في «السلك الدبلوماسي» التابع للامبراطور. وفي الفترة نفسها كان أبوه وعمه، الأخوان «ماتيو» و«نيكولد» بولو بمبادلة الأواني الزجاجية المصنوعة في البندقية بالانسجة والحرائر الصينية. وكانا يسلكان «طريق الحرير» المؤدية إلى الطرف الآخر من البحر الأسود.
وفي عام 1292 تمّ تكليف «ماركو بولو» من قبل امبراطور الصين مرافقة الأميرة المنغولية «خانات» حتى «القسطنطينية» عبر البحر، وذلك باعتبار انه سليل أسرة «بولو» يعرف جيدا الطريق، وكان برفقة الموكب عند انطلاقه اسطول من أربع عشرة سفينة، وبعد اجتياز مضيق هرمز تمّ استئناف الطريق برا حتى العاصمة البيزنطية.
عاد ماركو بولو إلى البندقية وشارك عام 1295 بالحرب بين البندقية وجنوة حيث انتصرت هذه الأخيرة ووقع «ماركو» بالأسر، وفي السجن قام بتدوين «كتاب عجائب العالم» الذي كان من أوائل النصوص التي عرفتها الإنسانية عما يسمى بأدب الرحلات، وحيث ضم ذلك الكتاب الكثير من المعلومات الجدية حول الصين والعديد من البلدان الآسيوية الأخرى.
ان المؤرخ «جون لارنر» يدرس في هذا الكتاب مدى التأثير الذي مارسته كتابات ماركو بولو على علوم الجغرافيا والاكتشافات، وفي الوقت نفسه على التوسع الأوروبي عبر البحار. كما يؤكد أيضا على البعد الانساني والثقافي الذي اتسم به «كتاب عجائب العالم» عبر قيام الصلات الأولى بين الغرب والشرق. وقد أصبح «ماركو بولو» رمزا لروح المغامرة والتوسع لدى الأوروبيين منذ العصر الوسيط وحيث كان التجار والمبشرون هم طليعة أولئك «المغامرين». ولا يتردد مؤلف هذا الكتاب في اعتبار «كتائب عجائب العالم» لماركو بولو أحد أكثر الأعمال تأثيرا طيلة ذلك العصر الوسيط، لاسيما وانه تضمن دعوة للتوسع والانفتاح نحو العالم والآخر في وقت كانت فيه القارة القديمة تنكفيء على نفسها. ويبيّن «جون لارنر» كيف أن «ماركو بولو» كان بمثابة «المقدمة» التي لابد منها من أجل تمهيد الطريق أمام «رحّالة» آخر جعل من «اكتشاف» طريق جديد للهند انطلاقا من أوروبا هدفا له.. كان اسمه «كريستوف كولومبس» الذي وطأت قدماه بصحبة بحارته أرض «العالم الجديد» أي القارة الأمريكية، عام 1492. وبهذا المعنى كان «ماركو بولو» أحد المساهمين الأساسيين في عصر النهضة الأوروبي.
ومن الأبعاد الأساسية التي يؤكد عليها مؤلف هذا الكتاب في رحلة ماركو بولو إلى الشرق الأقصى، هناك البعد الثقافي والمعرفي وذلك من خلال إيجاد أجواء اللقاء والتواصل بين الأوروبيين والعوالم المتقدمة غير الأوروبية. تجدر الملاحظة بأن التأكيد على هذا البعد «الثقافي والمعرفي» في «كتاب عجائب العالم» لماركو بولو يشكل نوعا من «التجديد» في قراءة دلالات رحلته وكتابه حيث ان الكثير من المؤرخين والباحثين الغربيين في القرن العشرين لم يروا بهما سوى نوع من «الحكايات الخرافية» التي تستحق بجدارة وضعها تحت خانة الأدب الابداعي ولكن بعيدا عن أية أهمية «وثائقية». إن مؤلف هذا الكتاب يقوم بالعديد من المقارنات بين ما جاء في «كتاب عجائب العالم» وبين العديد من «الكتابات» التي جاءت بعده ليبيّن بأن عمل ماركو بولو كان بمثابة نقطة انطلاق أساسية وثابتة فيما يمكن أن يسمى «أدب الرحلات» في الغرب بل ويرى بأن بروز التيار الفكري «ذي النزعة الانسانية في أوروبا خلال عصر النهضة، وخاصة في القرن السادس عشر لم يكن بعيدا عن «التواصل» مع الحضارات الشرقية، وحيث لابد من اعتبار ماركو بولو «رائدا» في هذا الميدان.
ان «جون لارنر» يدرس في أحد فصول هذا العمل الظروف التاريخية والسياسية التي قام فيها ماركو بولو بتأليف «كتاب عجائب العالم» وطبيعة علاقته بالمحيط الذي كان يعيش فيه. وهذا هو أحد مراكز الاهتمام الأساسية في هذا الكتاب، مع محاولة تحليل شخصية الرحالة الشهير في اطارها وبما مثلته في المشروع الأوروبي اللاحق لـ«استعمار العالم»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 2 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube