https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

الكتاب :الفكر الصيني القديم والقوة الحديث
الكاتب : يان كيوتونغ
تجمع الآراء تقريباً أن صعودالصين يمثل التطوّر الأساسي الأكثر عمقاً والأكثر أهمية في بدايات هذا القرن الحادي والعشرين. والجميع يتساءلون: إلى أين تمضي الصين؟ وما هو المصير الذي ستؤول إليه؟ وماذا ستكون آثار صعودها على بقية بلدان العالم ومناطقه؟ كل هذه الأسئلة وعدد غيرها يحاول أستاذ العلوم السياسية في جامعات العاصمة الصينية “يان كيوتونغ” الإجابة عليها في الكتاب الذي يحمل عنوان: “الفكر الصيني القديم، والقوة الصينية الحديثة”.
تتوزع مواد هذا الكتاب على ثلاثة أقسام رئيسية. يحمل الأول منها عنوان “الفكر الصيني القديم، والقوة الصينية الحديثة” عنوان الكتاب نفسه – والقسم الثاني مكرّس لـ”التعليقات” على الآراء المطروحة حول مساهمات القسم الأول الثلاث. أما القسم الثالث والأخير فيتضمن “الإجابة على أصحاب التعليقات”. يلي هذه الأقسام عدد من “الملاحق” يحاول الأخير منها الإجابة على سؤال: لماذا لا توجد أية مدرسة صينية عن العلاقات الدولية؟
ويتم تحديد القول ان المحللين المعنيين انقسموا بين تيارين كبيرين. تيار يضم أصوات الناقدين الذين تتزايد أعدادهم المشككين بالسياسة الخارجية التي تنتهجها الصين منذ عدة عقود من الزمن والتي تؤكد ضرورة أن تحتفظ الصين بموقع متراجع “مطأطئة الرأس” على المسرح الدولي، كما أراد زعيم الصين ما بعد ماو تسي تونغ، أي “دينغ هسياو بينغ”. هؤلاء الناقدون يشددون على القول انه ينبغي على الصين أن تتخذ مواقف أكثر جسارة على المسرح الدولي مما يتناظر مع موقعها كقوّة عالمية كبرى.
التيار الآخر، المهيمن على أركان السلطة في الصين، يرى أن النداءات الدولية المتكررة للصين كي تأخذ دوراً أكثر فعالية في المسائل الدولية إنما تعبّر في عمقها عن “مؤامرة” تحيكها البلدان الغربية من أجل “استنزاف” الموارد والثروات الصينية. والمثال البليغ على مثل هذه “الفلسفة السياسية” تجد ترجمتها أنه منذ نهاية الحرب الباردة لا يشارك ممثل الصين غالباً في الاقتراع بمجلس الأمن الدولي.
على خلفية وجود التيارين المعنيين في الصين يحاول المؤلف تقديم رؤية لما يمكن أن تكون عليه السياسة الخارجية الصينية خلال العقود القادمة. وهو يبحث في دروس الفكر السياسي الصيني القديم لفهم التوجّه الصيني القادم وتشكّل نوعاً من “النهج العام” على صعيد العلاقات الدولية. يتم في هذا السياق التأكيد “بعيداً عن الأطروحات الشيوعية” أن القوة الاقتصادية لا تشكل المفتاح الوحيد للقوة الوطنية، والتأكيد بالمقابل أن المسألة الأخلاقية تشكّل عاملًا أساسياً في الزعامة السياسية. بالتوازي يؤكد المؤلف في تحليلاته على ضرورة الابتعاد أيضاً عن المقولات التقليدية لمن يسميهم “المحافظين الجدد” الذين يرون أن صعود الصين وتعزيز موقعها في العالم يمر بالضرورة عبر الاعتماد على القوة العسكرية. الفكرة الأساسية المستخلصة من هذه الرؤية تقول ان العاملين الاقتصادي والعسكري يمثلان مكونين مهمين للقوة الوطنية. ولكنهما يبقيان “كسيحين” إذا لم يتم دعمهما بسلوكية تعتمد على معايير أخلاقية. هذه المعايير لها أيضاً دورها الحاسم في تحديد “المواقع” في النظام العالمي السائد.
ويعود المؤلف إلى “الثورة الثقافية” التي كان قد قررها زعيم الصين الأسبق ماوتسي تونغ. ويشير إلى أنه كان في عداد الطلبة الذين أرسلهم “ماو” إلى الأرياف للعمل مع الفلاحين. كانت التجربة قاسية حيث كان على الطلبة “الثوريين” حمل الأكياس المليئة بالحبوب إلى مسافات بعيدة على أقدامهم الحافية عبر الثلوج التي أخفت آثار الدروب. لقد سادت آنذاك “الفوضى والصعوبات”، لكن الدرس الأكبر كان هو أن تلك المغامرة المأساوية دمّرت التقاليد الأخلاقية للبلاد وشجّعت على قيام وتعاظم “النفاق”، بدلاً من صفة “الإخلاص” ذات القيمة الإنسانية العظيمة.
ويؤكد المؤلف أن “في السياسة يكون الناس مرغمين على قول الأكاذيب” ويضيف: “كان من الواضح أنه لم يكن هناك من يريد الذهاب إلى الأرياف أثناء الثورة الثقافية -، لكن كان كل شاب مرغماً على القول انه كان يرغب في البقاء في الحقول طيلة حياته. لقد أرغمت الحكومة الناس على قول الأكاذيب. ومن لم يقلها يتعرّض للعقاب”.
ويخلص المؤلف إلى القول ان مثل ذلك “النفاق” ترك ظلاله على مجال العلاقات الدولية. نقرأ: “ذهنية الكذب تلك التي تركتها الثورة الثقافية كان لها آثار سيئة جداً. فقول الأكاذيب لم يكن جزاؤه العقاب فحسب، بل غدا المجتمع نفسه يشجّع على ذلك”. وهكذا جاء التأكيد على المكاسب التي تم جنيها من برنامج “القفزة الكبرى إلى الأمام” التي قررها ماو تسي تونغ خلال سنوات الخمسينات دون أي حديث عن “المجاعة الكبرى” التي أعقبتها.
الفكرة المركزية التي يؤكد عليها المؤلف هي أن الصين بحاجة ماسّة للعودة إلى الوراء كثيراً و”التعلّم من المفكرين السياسيين لفترة ما قبل إمبراطورية كين الأولى”.
هذا في إطار التأكيد على أهمية “الزعامة السياسية القائمة على الأخلاق”. يتم في هذا السياق التأكيد على أفكار “لاوزي” مؤسس “الطاوية” وبالتأكيد أفكار “كونفوشيوس”، حكيم الصين الأكبر وغيرهما. أفكار هؤلاء جميعاً هي ذات “أهمية جوهرية” لحقبتنا الراهنة، كما يؤكد مؤلف هذا الكتاب.
وفكرة مركزية أخرى يؤكد عليها المؤلف وهي “أهمية التراتبية” بحيث أنه ينبغي على بلاد في مرتبة الصين أن تأخذ المسؤوليات التي يفرضها موقعها. ذلك أن “الحكومة الصينية لم تصبح بعد على مستوى يسمح لها ببناء سلطة إنسانية تخدم استراتيجيتها للصعود”، كما نقرأ. ثم إن كبار مفكري الصين منذ حقبة كونفوشيوس معروفون بمساهماتهم العميقة في الفلسفة والأخلاق والاستراتيجية العسكرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر − 1 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube