المؤلف ؛دينيس روس في مقدمة واثنى عشر فصلا يعرض “دينيس روس” مؤلف الكتاب تاريخ وتطور العلاقة الأميركية بالدولة العبرية حديثة النشأة من عهد الرئيس ترومان ووصولا إلى أوباما، وكيف انتقلت الأمور من التجاهل والإحساس بأنها عبء على سياسة الولايات المتحدة، إلى التبني والاحتضان والتباري في إظهار التضامن معها من جانب الرؤساء الأميركان. يقول المؤلف في الفصل الأول إن الرئيس ترومان كان عليه أن يتعامل مع حقيقة أنه لا أحد من كبار مسؤولي الأمن القومي يرى أي فائدة إستراتيجية تذكر في دعم الأهداف اليهودية في فلسطين، بل على العكس كانوا يرون في الأمر أعباء فقط. وكان تراث الحرب العالمية الثانية قد انتقل للحرب الباردة والخوف من فقدان قواعد الإمداد في الشرق الأوسط في حال وقوع أي مواجهات في أوروبا ومحاولة احتواء الاتحاد السوفياتي في المنطقة، تلك العوامل شكلت سياسة ترومان الخارجية. ولكن ذلك الموقف لم يدم كثيرا فقد اعترف ترومان أخيرا بالدولة الإسرائيلية “كان الأمر يتطلب شجاعة من ترومان للاعتراف بإسرائيل، فالأمر لم يكن حقا أخلاقيا فقط بل ضرورة عملية أيضا”. ويصف بن غوريون لقاءه بالرئيس ترومان في مايو/أيار 1961 بالمشوب بالعاطفة، وكيف قال بن غوريون لترومان إن التاريخ اليهودي سيذكر شجاعته ومساعدته المخلصة لأهداف اليهود في فلسطين. في الفصل الثاني يؤكد “روس” أن أيزنهاور وفوستر دالاس كانا يصوغان السياسة الخارجية الأميركية كفريق واحد، وكانت نظرتهم للشرق الأوسط متأثرة بشدة بفكرة الحاجة لمواجهة الاتحاد السوفياتي، وبالرغم من أن الرغبة في صنع حلفاء في المنطقة كجزء من سياسة مضادة للسوفيات، إلا أن هؤلاء الحلفاء من وجهة نظر إدارة أيزنهاور كانوا هم العرب فقط وليس الإسرائيليين. ولكن فشل أيزنهاور في إبعاد الاتحاد السوفياتي عن المنطقة، وأدى الأمر إلى إضعاف النفوذ الغربي وتقليص عدد أصدقاء أميركا في المنطقة. يقول المؤلف “إن ما حدث أظهر ضعف موقف المنادين بالضغط على إسرائيل، ولم تعد تلك السياسة بأي نفع على الولايات المتحدة”. وجاء جون كنيدي الذي اعتبر سياسة أيزنهاور في المنطقة فشلت فشلا ذريعا، فالرئيس الأميركي- يقول المؤلف في الفصل الثالث- كان يري فائدة الشرق الأوسط ولكن ليس إلى درجة الانغماس فيه، فبرلين وكوبا والكونغو وفيتنام والصين واحتمالات حيازة تلك الدول لسلاح نووي وسقوطها في أحضان السوفيات كانت الجاذب الأكبر لانتباه كنيدي. وعلى عكس أيزنهاور سعى كنيدي للحوار مع العرب والإسرائيليين في نفس الوقت. وفي الوقت الذي لم يكن مستعدا لمقابلة عبد الناصر في واشنطن، دعا كنيدي الرئيس الإسرائيلي لزيارة البيت الأبيض. وحاول كنيدي أن يجعل العلاقة مع إسرائيل والعرب متوازنة ولكن الصراع العربي الداخلي جعل الأمر غامضا أمامه، ورغم محاولاته لجعل العلاقات مع إسرائيل داخل حدود وضوابط إلا أن ذلك لم يجدِ نفعا في التقرب للعرب. يصل الكتاب إلى الرئيس ليندون جونسون الذي استهلكته حرب فيتنام، ويقول المؤلف في الفصل الرابع، إنه بصفة عامة عندما يصل الأمر للشرق الأوسط فإن جونسون واصل اعتماد سياسة كنيدي في ترتيب الروابط مع إسرائيل وفي نفس الوقت أيضا محاولة تعزيز العلاقات مع العرب. كانت نقطة التحول عن تلك السياسة بالنسبة لجونسون هي ما يتعلق بعبد الناصر، فقد كان تدخله في اليمن وتهديده للسعودية سببا في ممانعة الكونغرس الأميركي للمساعدات إلى مصر. كان جونسون كسابقيه صديقا لإسرائيل، ولم يكن في مجلس وزرائه ومساعديه من يتخذ موقفا معاديا لإسرائيل. ويقول روس إن حرب فيتنام كانت تحد من قدرة جونسون على الاستجابة لطلبات إسرائيل, برغم استجابته للكثير من احتياجاتها. مما عزز السؤال الأبدي “هل تستطيع الدولة اليهودية الاعتماد فعليا على الضمانات الخارجية؟ يقول “روس” في الفصل الخامس إن نيكسون نقل للإسرائيليين فهمه لاحتياجاتهم وعرض تطميناته لهم، برغم ما كان يبدو للعلن أنه ينأى بنفسه عن السياسات التي سمح لروجرز وزير الخارجية بتنفيذها، وهي السياسات التي تضمنت تقديم الدعم لإسرائيل مع الضغط عليهم لتقديم تنازلات في عملية السلام، وهو الأمر الذي كانوا يرفضونه. لكن تغيير القيادة في مصر من ناصر إلى السادات عام 1970 وتصريح السادات أن 99% من أوراق السلام بيد أميركا جعل الأمر يتحول أيضا من حسابات تكلفة العلاقة بإسرائيل إلى فائدة تلك العلاقة في تعزيز النفوذ الأميركي بالإقليم. فالسوفيات لم تكن لهم علاقات ولا تأثير على إسرائيل، لذلك فبمجرد انتهاء الحرب لم تعد لهم فائدة لدى السادات. كانت علاقة جيمي كارتر بإسرائيل هي الأكثر مفارقة كما يقول “روس” في الفصل السادس فلم تلتزم إدارةٌ بعملية السلام كما التزم كارتر، ولم تقدم إدارة لإسرائيل أكثر مما قدمته إدارة كارتر بعد اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر. مع ذلك لا توجد إدارة انتقدت إسرائيل في السر والعلن كما فعلت إدارة كارتر، فجيمي كارتر كان يعتبر إسرائيل مصدر إزعاج مستمر. في الفصل السابع يقول المؤلف إن رونالد ريغان كان يعتبر إسرائيل شريكا طبيعيا، وبعد الثورة الإيرانية تحدث ريغان عن أهمية إسرائيل الإستراتيجية وكحليف للولايات المتحدة يعتمد عليه في الشرق الأوسط، ويقرر “روس” أن منظمات تحالف آيباك اليهودي في الولايات المتحدة ظهر كمؤثر سياسي كبير في قرارات الكونغرس وعبر البلاد بصورة أشد في عهد ريغان، الذي كان الرئيس الأشد مناصرة لإسرائيل في التاريخ، على حد قول نيكسون لجيمس بيكر بعد انتخاب بوش. عندما يأتي الأمر إلى إسرائيل، يقول المؤلف في الفصل الثامن، فإن عاطفة جورج بوش الأب تختلف كثيرا عن سابقه. فعلى عكس ريغان لم يكن بوش مرتبطاً عاطفيا بإسرائيل، فلم يكن يراها علاقة خاصة أو فريدة. لكن ليس معنى ذلك أن بوش تهرب من الالتزام تجاه أمن إسرائيل، على العكس لقد أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير في أول لقاء له بعد توليه الرئاسة أن “الالتزام الأميركي تجاه إسرائيل لا يمكن أن يهتز”. ويلخص روس عقلية إدارة بوش وعلاقتها بإسرائيل بأن “جوهرها كان جيدا ولكن المظهر الخارجي كان متشددا” فقد كانت على استعداد للاختلاف في العلن ولكنها تعمل لصالح الدولة العبرية في الخفاء، مزيج الجوهر والمظهر هذا كان يسمح للإدارة بالوفاء بالتزاماتها تجاه إسرائيل والاحتفاظ في نفس الوقت بوضع جيد في الإقليم. ثم جاء كلينتون بعد أن ترسخت أميركا كقوة عظمى متفردة، وتلاقت إرادة صنع السلام ما بين الإدارة الأميركية وحكومة إسحق رابين، فالأولى أحست أن الوقت قد حان والثانية خافت من ضياع فرصة فرض أوضاع جديدة في الإقليم بالسلام وبعيدا عن الحرب. ويقول المؤلف في الفصل التاسع إن كلينتون تعلم من أخطاء سياسة بوش في الضغط ظاهريا على إسرائيل بخصوص المستوطنات، فلم يكن كلينتون يرتاح أبدا لفكرة الضغط على الحليف الإستراتيجي في المنطقة. لم يكن للسياسة الخارجية حظ كبير في حملة بوش الابن الانتخابية، ولم يكن شغوفا بالانغماس في عمليات السلام، لكن أحداث سبتمبر حولت مجرى سياسته الخارجية تماما وأصبح الجميع يذكر عهده، كما يقول “روس” في الفصل العاشر بالحرب على “الإرهاب” وغزو العراق وأفغانستان. اتخذت الإدارة الأميركية موقفا صريحا بدعم إسرائيل لسحق “الإرهاب الفلسطيني” وتحدث بوش عن أن إسرائيل تواجه موقفا عصيبا في سعيها لاستئصال أوكار “الإرهاب” وأيد رامسفيلد حق إسرائيل في سحق “الإرهابيين” وبرر المذابح التي وقعت بين المدنيين الفلسطينيين بأنها لا مفر منها. واعتبر بوش أن إسرائيل صديق للولايات المتحدة يواجه نفس ما تواجهه أميركا من تهديدات ويستحق الدعم. ويذهب المؤلف في الفصل الـ11 إلى أن أوباما جاء بطموحات عظيمة للتغيير، وبإصرار على مخالفة سياسة بوش الابن، وعين جورج ميتشل مبعوثا خاصا للسلام بالشرق الوسط في ثاني يوم عمل للإدارة الأميركية. وربط أوباما بين تصاعد العنف بالعالم الإسلامي وبين مشكلة فلسطين، وما زالت له قناعة بأن إسرائيل تستطيع تغيير الواقع في المنطقة بالمقاربة للسلام مع الفلسطينيين. ويقول المؤلف إن أوباما لم يسأل نفسه عن موقف الفلسطينيين وعما إذا كانوا يرفضون التحرك تجاه السلام مع إسرائيل. فما يزال أوباما يرى الفلسطينيين ضحايا للصراع الدائر في المنطقة. في الفصل الأخير، يضع “روس” الدروس المستفادة من تاريخ العلاقة بين البلدين، فيقول إن العلاقة قطعت مسيرة طويلة منذ ترومان وحتى الآن، ومخطئ من كان يراها في بدايتها شيئاً غامضاً ومبهماً، فرغم ما مرت به العلاقة من توترات ومشاكل، فإنها ازدهرت وأصبح نجاحها في غنى عن التأكيد، بل إنها تستمد حياتها من داخلها، ومع استمرار الإدارة الناجحة للعلاقة فستظل مؤكدة بل ويقدر لها النجاح