https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

-المؤلف: لارس كريستيان تالسيث ثمة العديد من الأسباب وراء الفشل السياسي الرسمي للحوار بشأن الطاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، وليس النجاح الاقتصادي النسبي لتجارة الطاقة الذي ترتب على هذا الحوار، والذي ربما يتغير بمرور الوقت نظرا لتدهور العلاقات في الوقت الحالي بين الطرفين. “أدبيات الطاقة” كما يدعوها لارس تالسيث في كتابه هذا: “سياسات الطاقة: علاقات الطاقة الأوروبية الروسية في القرن الواحد والعشرين”؛ توفر خمسة افتراضات لفشل الحوار بين الطرفين، هي: الأفكار ووجهات النظر الدولية المتعارضة، المصالح السياسية المتضاربة، تباين المصالح التجارية والاقتصادية، المصالح الجيواقتصادي والحتميات، والأطر القانونية المؤسسية المتضاربة بين الطرفين. بعد مقدمة للكتاب شكّلت الفصل الأول منه وحدد فيها المؤلف إطار تحركه في الدراسة وفرضياتها؛ يوضح تالسيث في الفصل الثاني السياق التاريخي لحوار الطاقة بين الطرفين، بداية من اجتياح المغول لروسيا عام 1237 وحتى عام 2000. ولتقريب معنى “حوار الطاقة” يطرح المؤلف تجربة منظمة المجموعة الأوروبية للفحم والصلب التي اقترحها عام 1950 وزير خارجية فرنسا آنذاك روبرت شومان، وتكوّنت من ست دول كان هدفها جعل تكرار الحرب بين فرنسا وألمانيا أمرا مستحيلا ماديا ومعنويا. وكان حوار المجموعة -التي ارتكزت على إعادة هيكلة وإدماج ألمانيا النازية السابقة في أوروبا- هو النواة التي نشأ منها الاتحاد الأوروبي فيما بعد. وبالمثل؛ كان يُفترض في الحوار الأوروبي/الروسي بشأن الطاقة أن يكون نواة تكامل أعظم بين الطرفين، ولكن لم يكن الأمر مطروحا للنقاش في العلن، وكما يذكر المؤلف فإن النجاح -الذي كان مفترضا ومتوقعا من الحوار- كان سيقود إلى نجاحات أخرى في باقي القطاعات. كان اختيار روسيا -التي هي بالفعل من كبار مزودي أوروبا بالبترول- ومحاولة التقارب معها نتاجا لسياسة وضعها رئيس المفوضية الأوروبية السابق رومانو برودي، لتقليل الاعتماد على النفط المستقدم من دول الشرق الأوسط. لكن السياق التاريخي كان يهدف لإعادة توحيد أوروبا التي تفككت بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية. من شعراء مثل فيكتور هوغو إلى سياسيين مثل ونستون تشرشل؛ كان التكامل السياسي حلما يشعل التحرك نحو الحوار. لكن الحلم تحطم على صخرة الخلافات، بل تحول مصدرا للخلاف حتى داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. تناول المؤلف السياقات الحوارية المتنوعة بين روسيا والاتحاد الأوروبي أو بين روسيا وألمانيا وإنجلترا، والحوارات الآسيوية الأوروبية الروسية حول الطاقة، مرورا بدخول أوكرانيا كعنصر خلاف بين الأطراف، والمواقف الدولية للطرفين من قضايا الشرق الأوسط ومن ميراث لينين والشيوعية، إلى خطوط أنابيب النفط في مرحلة ما بعد القطب الواحد ومسعى روسيا نحو عالم متعدد الأقطاب. وقدم في ذلك تأصيلا تاريخيا للمشكلة ناقلا اعتراف بوتين بأن “روسيا خلقت جزرا معزولة من القوى ولم تشيد بينها جسورا تساعد على التعاون الفعال بين مختلف مستوياتها. وكان الفراغ الذي أحدثته تلك السياسة قد قاد إلى حالة سيطرت فيها المؤسسات الخاصة والعصابات وجماعات الظل وجماعات الضغط”. دار الفصل الثالث حول الحوار السياسي خلال 2001-2005، وعبر 21 مبحثا تفصيليا تحدث المؤلف عن العقبات التي واجهت هذا الحوار، فلم تكن المفاوضات تواجه معارضة فقط من الدول الأعضاء في الاتحاد، بل أيضا من المفوضية ذاتها التي كان سياقها يعبر عن أي شيء إلا التلاحم نحو روسيا. كان الأمر يبدو كصراع مؤسسي، لكن الحقيقة -كما يرى الكاتب- كانت سياسة محضة مع مصالح ذاتية للمديرين العامين والمفوضين تجاه أجنداتهم الخاصة. كان حوار الطاقة أول تحرك من جانب الاتحاد الأوروبي على مستوى المفوضية للانخراط مع “طرف ثالث” يزود الاتحاد بالطاقة، وكان أول حوار قطاعي بين الطرفين. لكن لم يكن لأحد صبر على المفاوضات، فانسحب الممثل البريطاني من مستشاريته بعد أسبوعين فقط، معربا عن أن هناك صداما بين المصالح القومية والتفاهم المتبادل مع الاتحاد الأوروبي وروسيا. كانت كلمات الرجل تتهم القطاع الخاص النفطي والبيروقراطية وتنسب إليهما فشل التفاهم. ثم يستخلص تالسيث أن التضارب التعصبي داخل الوزارات كان يعني أن هناك غموضا حول من يتولى المسؤولية داخل حوار الطاقة. كانت روسيا منذ البداية تضع عينيها على الاستثمار الأوروبي في قطاع الطاقة لديها، وذلك ما جعل بوتين يتمسك بتكامل متقارب مع الاتحاد، لكن مع ارتفاع أسعار النفط وانخفاض الاحتياج الروسي للاستثمار الأوروبي، ومع توطيد بوتين لسلطاته داخل روسيا، تضاءل اهتمامه بالحوار مع الأوروبيين بشأن الطاقة. في الفصل الرابع وعبر مباحث مفصلة أيضا؛ تتبع الكتاب الجوانب التجارية بين الطرفين خلال 2003-2006. يؤكد المؤلف أن من الأهداف الرئيسية لحوار الطاقة تسهيل انتقال الاستثمارات والتكنولوجيا بين الطرفين. وكان الاتحاد الأوروبي يبحث عن فرص عادلة للشركات الأوروبية داخل روسيا، في مقابل حصول الأخيرة على وصول غير تمييزي للسوق الأوروبية. لكن المفوضية لم تدع الشركات لحضور حوار الطاقة، وكان استبعادا غريبا لكون الحوار يهدف لتوفير الاستثمار. كانت حسابات وزارة الطاقة الروسية تقدر أن قطاع الطاقة لديها يحتاج إلى 530 مليار يورو للاستثمار فيه، في حين أن الميزانية التي وضعها الاتحاد الأوروبي لم تكن تتعدى 100 مليار يورو، وكانت واضحةً حاجةُ القطاع الخاص لاستكمال الميزانية المطلوبة، لذا كان استبعاده من الجانب التجاري للحوار أمرا غريبا كما يقول تالسيث. كان حوار الطاقة مونولوجياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وانفراديا في علاقته بصناعة الطاقة، وأظهر سرد الفصل الرابع من الكتاب ضعف وخفوت صوت الشركات التجارية مقارنة بالبيروقراطيين. كانت المشكلة من الطرفين معا؛ فالاتحاد الأوروبي حرم صناعة الطاقة من مشاركة ذات معنى في الحوار، وعلى الجانب الروسي كانت الحكومة تنظر إلى القطاع الخاص النفطي كتهديد لسلطة الدولة. في الفصل الخامس يحاول تالسيث إظهار أثر المسافات على حوار الطاقة، والفشل في تحديد سرد مشترك لشراكة ملزمة في مجال الطاقة. ونظرا لاعتماد الطاقة على النقل لمسافات شاسعة، كانت الجغرافيا السياسية أو الاقتصاد الجغرافي عنصرا حاسما في ذلك الحوار بين روسيا والاتحاد الأوروبي. وكانت الصين أحد محددات السياسة الخارجية الروسية للطاقة، لكونها الدولة ذات المليار ونصف من السكان، وصاحبة الاقتصاد المتنامي بما يفوق عشر درجات سنويا، كانت تمثل سوقا كبيرا بإمكانيات هائلة لصادرات الطاقة الروسية. وفي عام 2013 وقعت روسيا والصين صفقة بترول بقيمة 270 مليار دولار، ثم في عام 2014 وقعتا اتفاقية لتوفير الغاز بقيمة 400 مليار دولار. ورغم كل المشكلات التي كانت أوروبا تضعها في طريق علاقاتها بروسيا؛ فإن الصين كانت تتقدم بخطىً ثابتةً نحو الشراكة مع روسيا. ويتحدث المؤلف عن تعدد المراكز الجغرافية والأحداث الرئيسية التي أثرت في مسار الحوار الروسي الأوروبي مثل أوكرانيا، والتي كان أثرها أكبر من أي شيء آخر وعلى أعلى المستويات الدبلوماسية الروسية، لكنها عاقت فقط الجانب الأوروبي ولم تؤثر في الجانب الصيني أو آسيا الوسطى. في الفصل السادس المعنون بـ”الحوار القانوني 2010-2012″ يؤكد الكاتب على أنه رغم المظاهر الاحتفالية بمرور عشر سنوات على بدء الحوار والكلمات الابتهاجية التي قالها المتحاورون، فإنه كانت واضحة كثرة العقبات المنتظرة. وقبل المؤتمر الاحتفالي؛ كان الممثل الروسي يتحدث عن المشكلات القانونية التي قد تعوق المستثمرين عن العمل في روسيا، بعد دخول اتفاقية “TEP” الأوروبية حيز التنفيذ. فأوروبا تسعى إلى تحرير أسواق طاقتها، في حين يتجه بوتين لإحكام سيطرة الدولة على النفط، فأصدر البرلمان الروسي قانون القطاعات الإستراتيجية الذي قيد بشدة الملكية الأجنبية لأي قطاع صناعي تصنفه الدولة الروسية إستراتيجياً. في الخاتمة؛ يقول المؤلف إن روسيا 2012 و2014 وبالتأكيد 2016 أيضا، ليست هي روسيا 2000، وكذلك لم يعد الاتحاد الأوروبي كما كان سابقا. ففي 2014 ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية واعتبرت أوكرانيا من مجالها القريب، وكانت تلك أول مرة تتغير فيها حدود الاتحاد الأوروبي بالقوة منذ الحرب العالمية، وكان واضحا أن روسيا لم تعد تأمل كثيرا في السوق الأوروبية أو تنتظر منها استثمارا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × واحد =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube