فاجأتنا السيارات اليابانية في الأيام القليلة الماضية بأزمة جديدة من نوعها عندما أعلنت شركة تويوتا الشهيرة لصناعة السيارات في اليابان باعترافها بوجود أخطاء فنية في سياراتها تستوجب أن يتم استدعاء تلك السيارات لإصلاحها. ولاشك أن القرار أذهل العالم, حيث تسأل عن الأسباب التي جعلت تويوتا تجرؤ علي تلك الخطوة وبعدها بأيام قليلة فوجئنا بأن العدوي بدأت تنتقل إلي شركات أخري منها هوندا وفولكس فاجن وغيرهما, الأمر الذي أثار استغراب الجميع. والحقيقة أن صناعة السيارات منذ نهايات عام2008 وهي تتعرض لضربات شديدة أدت إلي إغلاق مصانع وتسريح عمال و اندماج شركات في شركات أخري وشراء شركات لمصانع شهيرة. والضربات جاءت بسبب مزيج من الصدمات المتمثلة في ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأولية وتزعزع ثقة المستهلكين من جراء الأزمة المالية. ولاشك أن أزمة الرهن العقاري كان لها تأثيرها, فالبنوك أفلست ولم تعد قادرة علي إقراض راغبي شراء السيارات وبالتالي شهدت الصناعة مزيدا من الركود. وبسبب الأزمة تكبدت أكبر شركات تصنيع سيارات في العالم أو البيج ثري وهما فورد وجنرال موتورز وكرايسلر خسائر وصلت إلي نحو6 مليارات دولار. وتويوتا نفسها أعلنت أن خسائرها وصلت إلي أكثر من مليار دولار. ووسط هذه الحالة تساءل الجميع عن السبب وراء إقدام تويوتا وشركات أخري علي الاعتراف بأن بضاعتها الموجودة في السوق حاليا معيبة ؟!. وهنا ظهر العديد من السيناريوهات حول سبب تلك الخطوة. ومن ضمن سيناريوهات المؤامرة الشهيرة أن تويوتا اضطرت لسحب سياراتها المعيبة من السوق والتي بلغت نحو9 ملايين سيارة بعد أن تعرضت لضغوط من الحكومة الامريكية. وجاءت تلك الضغوط بعد أن وصلت للإدارة الأمريكية شكاوي من عيوب في تلك السيارات. السيناريو هذا يقول إن ما حدث لايعدو كونه مؤامرة أمريكية علي السيارات اليابانية, فبعد أن تعرضت صناعة السيارات الأمريكية لضربات شديدة كان لابد من ضربة للشركات اليابانية حتي تستطيع الشركات الأمريكية أن تتنفس الصعداء وتعاود مكاسبها وسط تلك المنافسة الحامية بين مختلف أنواع السيارات العالمية. والمثير في الأمر أن شركة فورد الأمريكية علي سبيل المثال قطفت ثمار متاعب تويوتا لتعود إلي احتلال المركز الثاني في السوق الأمريكية حيث باعت بعد الإعلان عن متاعب تويوتا نحو116277 سيارة أي بزيادة نحو25% عن الفترة الماضية. وفي الوقت نفسه زادت مبيعات جنرال موتوز بنحو14%. واجماليا زادت مبيعات السيارات في السوق الأمريكية خلال الشهر الماضي بنسبة3,6% وذلك وفقا لبيانات مؤسسة أوتودتا المعنية بمتابعة سوق السيارات الأمريكية. والحقيقة أن الأرقام تشير إلي بدء تعافي صناعة السيارات الأمريكية بعد التدهور الحاد الذي شهدته تلك الصناعة. والسيناريو السابق إن كان صحيحا فهو يعني أن الأمر من قبيل الحرب بين الشركات, وفي هذا السيناريو يحاول الأمريكيون أن يزيدوا مبيعات سياراتهم حتي ولو علي حساب سمعة أرقي شركات السيارات وأكثرها مبيعا. أما السيناريو الثاني فيقول إن شركات السيارات أقدمت بتهافت علي تلك الخطوة في محاولة منها لاستعادة الثقة بين عملائها وذلك من باب أن الشخص الذي يقود سيارة تويوتا مثلا سيشعر بالفخر أن الشركة تعترف بخطئها وتتعهد بإصلاحه في أقرب وقت. وكثير من المحللين يؤكدون أن الاعترف بالخطأ لدي الشركات لايعني أن الشركة فقدت سمعتها, بل يكون له أثر عكسي إيجابي لدي الزبون. ومن هنا انتشرت العدوي بين شركات السيارات الأخري بعد إعلان تويوتا أن بعض سياراتها معيبة. والغريب في هذا السيناريو أن تويوتا خسرت نحو ملياري دولار بسبب الاعتراف بأن بعض سياراتها معيبة فكيف تقدم علي خطوة تجعلها تخسر كل تلك المليارات ؟. ولكن ربما يكون الإقدام علي خطوة كتلك مفيدا وإلا ما الذي جعل العديد من الشركات الأخري تقدم علي نفس الإجراء وتستدعي سياراتها؟. وبعيدا عن تلك السيناريوهات, والمثير في الأمر, هو رد فعل الحكومة اليابانية التي سارعت بتوبيخ شركة تويوتا علي عدم الإسراع في الإبلاغ عن السيارات المعيبة وإصلاحها, بل وطالبت الشركة بالحزم في التصدي لتلك المشكلة وحملتها مسئولية الإهمال الذي أدي إلي بعض الحوادث. كما تعرضت شركة تويوتا لانتقادات كبيرة من وسائل الإعلام التي قالت إن الغرور كان سبب تغاضي الشركة عن الإتقان في عملها وأن ما حدث سيصيب سمعة اليابان التكنولوجية لو لم تتم معالجته بالسرعة الكافية. كما أننا لم نجد شركة تويوتا تنفي وجود عيوب, أو تدعي ان الأمر ليس في إطار مسئوليتها, بل وقفت الشركة واعترفت بخطئها وتعهدت بإصلاحه ولم تتبرأ منه. والحقيقة أن أزمة كهذه لابد أن تتعلم منها الأسواق النامية كيف تتعامل مع أمور تطرأ فجأة علي السوق بشكل يليق بسمعة الشركة وفي الوقت نفسه لايضر بمصداقيتها عن العمل وهذا هو الوصول لأقصي درجات الثقة بالنفس.اخبار العالم |