حربان مختلفتان في منطقتين متباعدتين بتحديات متعددة. ومع «إنهاء» الاحتلال الأميركي عملياته القتالية في العراق، ثمة دروس عديدة يمكن استخلاصها بغية الاستفادة منها في أفغانستان، بدءاً بكيفية التعامل مع المرتزقة وصولاً إلى تحديد التوقيت المناسب لسحب القوات. وخلافاً لما هي الحال في العراق، فإنّ القتال في أفغانستان يجري في مناطق ريفية ذات طبيعة جبلية، وذلك تحت قيادة لامركزية. لكن وزارة الدفاع الأميركية بدأت بنقل بعض من استراتيجيتها من العراق إلى أفغانستان، حتى قبل تكليف الجنرال ديفيد بتراوس بقيادة عمليات الاحتلال هناك، بعد سنوات من الخدمة في بغداد. وكان قائد قوات الاحتلال في العراق الجنرال راي اوديرنو قال مؤخرا «علينا أن نجعل السكان يؤمنون بأنهم سيكونون محميين… لكن القيام بذلك في أفغانستان يبدو مختلفاً عما قمنا بهفي العراق». بالرغم من ذلك، يرى عسكريون ودبلوماسيون وخبراء أن ثمة دروساً عراقية يمكن الاستفادة منها في أفغانستان، وأبرزها الآتي: 1ـ يجب التنبه إلى دور المرتزقة: قبل 3 سنوات، ارتكب مرتزقة شركة «بلاك ووتر» الأميركية مجزرة في بغداد ذهب ضحيتها 17 مدنياً. كان ذلك مؤشراً إلى أن ثمة خللاً في التعامل مع هؤلاء المرتزقة، بالرغم من تأثيرهم الإيجابي على العمليات العسكرية والأمنية في الحروب الماضية. ولعل الدرس الذي تعلمه الأميركيون هو ضرورة ضبط أولئك المرتزقة وربما خفض عددهم، علما بأنّ هناك 95 ألفاً منهم في العراق و112 ألفا في أفغانستان. 2ـ إقامة تحالفات مع القادة المحليين: لعل أحد أهم «الإنجازات» الأميركية في العراق كان في نجاح قوات الاحتلال في نسج تحالفات مع القادة المحلين من السُنة لمواجهة عناصر تنظيم «القاعدة»، وذلك من خلال دعم تشكيل ميليشيات «الصحوة». ويسعى بتراوس حاليا إلى نقل هذه التجربة إلى أفغانستان، من خلال تنظيم قوات شرطة محلية لتمكين سكان القرى من مواجهة مقاتلي حركة طالبان، لا سيما في المناطق النائية التي يتعذر على الجنود التوجه إليها. لكن هذه العملية تبدو محفوفة بالمخاطر بالنظر إلى احتمال أن تقع قوات الأمن الذاتي تلك في قبضة أمراء الحرب الأفغان. 3ـ توفير التدريب للقوات المحلية: شكل تدريب وتجهيز القوات العراقية (بكلفة تجاوزت 22 مليار دولار) جزءاً مهماً من مهمة الاحتلال في العراق منذ الغزو عام 2003. أما الهدف من هذه الخطة، فكان تخفيف عدد الخسائر في صفوف المدنيين وتأمين علاقة أفضل بين قوات الأمن والسكان. ويسعى قادة الاحتلال في أفغانستان إلى اعتماد هذه المقاربة منذ نحو عام، حيث بدأوا بتجنيد الباشتون بهدف إقامة نوع من التوازن مع الطاجيك في صفوف قوات الأمن. 4ـ التنبه إلى عامل الوقت: لعل أحد أهم الأسباب التي أدت إلى نجاح خطة زيادة القوات في العراق هو في أنها أتت لتعزز «الصحوة»، وهو أمر لم يكن ليتم لولا تطبيق جدول زمني محدد، وانعكس لاحقاً في اختيار التوقيت المناسب لإبرام «المعاهدة الاستراتيجية» بين واشنطن وبغداد، والتي قضت بسحب قوات الاحتلال نهاية 2011. ولعل هذا ما شجع الرئيس الأميركي باراك أوباما لإصدار أوامره بالإبقاء فقط على 50 ألف جندي في العراق، ودعوته إلى سحب القوات من أفغانستان بحلول الصيف المقبل. لكن من شأن ذلك أن يعطي «المتمردين» هامشاً من الوقت لشن مزيد من العمليات، وهو ما يتطلب تعزيز التعاون مع القادة المحليين للمساعدة على تفادي هذا الخطر. 5ـ يجب التعامل مع الأسرى على أنهم بشر: أهم الأخطاء التي ارتكبها الاحتلال في العراق كان في معاملته السيئة مع المعتقلين، على غرار فضيحة سجن أبو غريب، ما أساء إلى صورة الولايات المتحدة في العالم. ولعل هذا ما دفع بالكونغرس الأميركي إلى المطالبة بإجراءات صارمة في ما يتعلق بالتعامل مع الأسرى، وأدى إلى التعامل مع المعتقلات الأميركية في أفغانستان، لا سيما في قاعدة «باغرام» في كابول، بشكل أكثر شفافية مقارنة بالعراق. 6ـ يجب تجنيد مزيد من الجنود بشكل سريع: بلغ عدد جنود الاحتلال في العراق ثلاثة أضعاف أمثالهم في أفغانستان. وثمة تجارب عديدة في العراق أظهرت أهمية تسريع وتيرة زيادة عديد القوات المقاتلة، وهو ما سعى الاحتلال إلى تطبيقه في أفغانستان، بعد بروز العديد من الثغرات في هذا الإطار منذ غزو العراق. 7ـ يجب عدم المبالغة في التوقعات: لقد أعلن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش أنّ «المهمة أنجزت» بعد ستة أسابيع على الغزو. برغم ذلك، تطلب إنهاء العمليات العسكرية في العراق نحو سبعة أعوام ونصف العام، تكبدت خلالها قوات الاحتلال خسائر كبيرة. ومن الواضح أن بتراوس قد استفاد من هذه التجربة، حيث قلة من الأميركيين تدرك أن الحرب في أفغانستان تعد من بين أطول الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة. العالم |