في مسيرة بناء قدراتها العسكرية، اعتمدت الصين على كم متزايد من شركات التصنيع الحربي المحلية، توازيها عملية استيراد واسعة للتقنية العسكرية. حيث برزت روسيا كاكبر مورد للصينيين، الذين حصلوا منها على بعض اهم منتجاتها الدفاعية. ووفقا للتقرير المسحي لمعهد استوكهولم الدولي لابحاث السلام SIPRI ، الصادر في السابع والعشرين من نيسان ابريل الماضي، فقد حلت الصين في المرتبة الاولى عالميا بين اكبر خمسة مستوردين للاسلحة، وذلك خلال الفترة بين عامي 2004 – 2008. وقد استوردت بكين اسلحتها من ست دول منها: روسيا 92%، وفرنسا 3%، واوكرانيا 2%.
في بيئة امنية بدت سريعة في تحولاتها، اتجهت الصين لبناء قدراتها الدفاعية استنادا الى عنصرين اساسيين، هما القوة الصاروخية الضاربة، والقوة البحرية القادرة على الاشتباك في المضايق واعالي البحار. فضلا عن ذلك، كانت هناك قوة جوية لم تتوقف مسيرة تحديثها منذ ثلاثة عقود. وهذا بالطبع دون الحديث عن القوة النووية الصينية.
الذراع الصاروخية
واذا بدأنا بالتطرق الى قدراتها الصاروخية، يُمكن النظر الى الصاروخ الباليستي DONG FENG – 41 العابر للقارات، باعتباره احد اهم ما تمتلكه اليوم القوات الصينية. ويبلغ مدى هذا الصاروخ 12 الف كيلو متر. وهو يعرف في الغرب باسم CSS-X-10، ويمكن تسليحه برأس نووي واحد بقوة 250 كيلو طن الى اثنين فاصل خمسة ميغا طن، او باربعة رؤوس نووية، كل منها بقوة 90 كيلو طن. وفى الحالة الاخيرة، يمكن للصاروخ توجيه نفسه ذاتيا لضرب مجموعة اهداف. ويُعد هذا الصاروخ نسخة مطوّرة من الصاروخ DONG FENG -31 المعروف باسم CSS-X-9 ، الذي يصل مداه الى 8000 كيلومترات، والذي دخل الخدمة في عام 2003. وحسب تقارير غربية، فقد اشترت الصين من روسيا، في السنوات القليلة الماضية، نحو 150 مقاتلة اعتراضية من طرازي Su-27SK و Su-30MKK، بالاضافة الى محرّكات واسلحة وصواريخ لهذه الطائرات.واشترت الصين في الوقت نفسه امتيازا لصناعة 200 طائرة من طراز Su-27SK. وزودت روسيا الصينيين، من جهة اخرى، بمجموعة من انظمة الدفاع الجوي المضادة للطائرات والصواريخ، من طراز S-300PMU1، وهي انظمة دفاع متوسطة المدى، ويتم تصنيعها في الصين حاليا باسم HQ 10/15. وفي الوقت نفسه، قامت الصين بتطوير نظام AS901 للدفاع الجوي ضد الاهداف المنخفضة،التي تشمل الحوامات والطيران المنخفض. ويبلغ وزن هذا النظام نحو 110 كغم، ويمكن حمله على عربة ونشره خلال دقائق. وهو يشبه الى حد بعيد النظام الراداري AN/PP Q-2 الذي تنتجه شركة لوكهيد مارتن. وفي سياق جهود الدفاع الجوي ذاتها، كانت الصين قد كشفت في عام 2001 عن الصاروخ FT-2000، المضاد للاشعاعات، الذي يتراوح مداه بين 12-100كيلومتر، وبارتفاع يصل الى 20 كيلومترا، وزنه 1300 كلغ عند الاطلاق. هذه الصواريخ مصممة للتعامل مع اجهزة التشويش المحمولة جوا، وطائرات الانذار والمراقبة الجوية على ارتفاعات شاهقة. ويٌنقل هذا النوع من الصواريخ على شاحنات شبيهة بحاويات الصواريخ الروسية S-300 PUM1، التي استوردتها الصين قبل سنوات، وبدأت بنشرها قبالة تايوان.
القوة البحرية
بالانتقال الى قوة الصين البحرية، فقد اشترت بكين مدمرتين روسيتين من طراز Sovremenny ووقّعت عقدا مع موسكو لصناعة سفينتين اخريين، كما اشترت غوّاصتي ديزل من طراز Varshavyanka، وغوّاصتين اكثر حداثة من الصنف ذاته. ومن اهم الغواصات الصينية المطوّرة محليا، الغواصة Type 93 ،المزودة بصواريخ LACM، والغواصة Type 92 Xia المزودة بصواريخ JULANG -1. ويعتبر الصاروخ JULANG -2 اهم صاروخ مضاد للغواصات بحوزة الصين، ويعرف في الغرب باسم CSS-NX-4 ،ويبلغ مداه ثمانية الاف كيلومتر. ويعتقد انه دخل الخدمة في اوائل هذا العقد. اما الصاروخ JULANG -1، فيبلغ مداه 1700 كيلومتر، وقد دخل الخدمة في عام 1986. كذلك، تحدثت تقارير عن صاروخ جديد مضاد للسفن دخل الخدمة لدى الجيش الصيني، هو الصاروخ HY المطوّر محليا، وتسميته الغربية LACM. وهو ذو مدى يصل الى عشرة آلاف كيلومتر، ويرجح ان الجيش الصيني حصل عليه في النصف الثاني من هذا العقد.
وكانت الصين قد طوّرت قبل ذلك نوعا من الصواريخ الجوالة المضادة للسفن من طراز YJ-53 ، وهي نوع معدل من صواريخ C-802 ASCM، ويمكنه تلقي بيانات الهدف اثناء طيرانه، وتفوق سرعته سرعة الصوت، مما يجعل من الصعب على السفن الدفاع ضده.
وتشير بعض التقارير الى ان الصين قد اشترت ايضا صواريخ Kh-41 الروسية المضادة للسفن، وهي منبثقة من عائلة ASCM، ويبلغ مدى الصاروخ 250 كيلومترا، ويحمل عبوة تزن 200 كلغ. وبحسب تقارير غربية، تمنح المقاتلاتSu-27SK وطائرات الاعتراض بعيدة المدى Su-30MKK المزودة بالصواريخ Kh-41 القوات الصينية القدرة على فرض حصار على تايوان.
الاشتباك في أعالي البحار
وبحسب بعض الدراسات اليابانية، تعمل الصين على تحويل قوتها البحرية الساحلية الى قوة قادرة على خوض غمار المحيط. من المتوقع ان تمتلك بحلول العام 2010 سبعين سفينة من اكثر السفن السطحية حداثة، فضلا عن العديد من الغواصات النووية الاستراتيجية، وعشرات من الغواصات الهجومية المستحدثة، بحيث تتفوق على القوات البحرية الحديثة لتايوان، بل حتى اليابان.
وكانت الصين تفرض هيمنتها على اسيا في مجال القوة البحرية حتى القرن السابع عشر، فخلال حكم اسرة منغ 1368 – 1644 كانت «البحرية العظمى» الصينية هي القوة البحرية الاعظم في العالم.
وفي مقابل ذلك، تفيد بعض الدراسات الصينية بان القوات الجوية الاميركية نشرت في العام 2006 اكثر من ستين قذافة جوية في جزيرة غوام Guam بالمحيط الهادي. ويعني هذا ان قاذفة القنابل الاستراتيجية من طراز B -52، التي تقلع من الولايات المتحدة، يمكنها ان تحط في جزيرة غوام للتزود بالقنابل، ومن ثم الدخول الى ميدان القتال، والعودة منه ثانية الى الجزيرة. كذلك، تستطيع البحرية الاميركية نقل الغواصات المهاجمة من القواعد الخلفية الى جزيرة غوام، لتقليص الزمن الذي يتطلبه تحريك هذه الغواصات في اي معركة محتملة في شمال اسيا. وتستطيع هذه الغواصات حماية مجموعة حاملات الطائرات التابعة للاسطول السابع الاميركي، والقيام في الوقت نفسه بضربات في اوسع مجال بحري.
معركة صامتة مع الروس
واذا كانت طموحات الصين العسكرية قد عكست نفسها على علاقاتها مع الولايات المتحدة، في اطار حسابات جيوبوليتيكية كبرى، فإن هذه الطموحات قد رمت، من جهة اخرى، بتداعياتها السلبية على روابط بكين بحلفائها الروس، انما ضمن منظور اخر، يتعلق بدعاوى الملكية الفكرية.
وكما سبقت الاشارة، فقد حصلت الصين على ترخيص لتجميع طائرات Su-27SK بموجب اتفاقية وقعتها مع روسيا في عام 1996، ومنحت بكين حق تجميع 200 مقاتلة من هذا الطراز، حيث اطلق الصينيون عليها اسمJ11. وفي وقت لاحق، اعلن الصينيون انهم باتوا يصنعون مكونات هذه المقاتلة بانفسهم.
وفي مطلع عام 2007 عرضت الصين مقاتلة «جديدة» باسم J11B، قائلة انها اختراع صيني. بيد ان الروس سارعوا لشجب الخطوة الصينية، معلنين بأن هذه المقاتلة ما هي إلا نسخة طبق الاصل من Su-27SK، جرى انتاجها خلافا للقوانين الدولية. بيد ان الصين لم ترد على الاعتراض الروسي، واعلنت عزمها انتاج نحو 5000 مقاتلة من J11B وطرحها في الاسواق العالمية باسعار تقل عن اسعار المقاتلات الروسية Su-27SK و MIG – 29 والمقاتلة الاميركية F -16، الامر الذي زاد من حفيظة موسكو، حيث ان اتفاقية عام 1996 مع بكين لا تسمح لهذه الاخيرة بتصدير مقاتلات J11 الى اي دولة.
وعلى الرغم من ذلك، يعتقد الخبراء الروس ان الصينيين غير قادرين على تقليد محركاتAL-31F الروسية التي تجهز بها هذه المقاتلات. وقد رفضت روسيا بيعهم هذه المحركات او منحهم ترخيصا لانتاجها.
وفي مارس الماضي، رفضت روسيا بيع الصين مقاتلات من طراز SU-33، المحمولة بحرا. وهي قد خشيت من ان يشرع الصينيون في تقليد هذه الطائرات. وقالت مجلة Kanwa Defense Review،الصادرة في هونغ كونغ، ان المباحثات الروسية ـ الصينية المتعلقة ببيع مقاتلات SU-33، وصلت الى طريق مسدود، بعدما ابدى الجانب الصيني رغبته في شراء مقاتلتين فقط، نزولا من رغبة سابقة بشراء 50 مقاتلة.وذكرت المجلة ان الصين زادت طلبها الى 14 مقاتلة، الا ان روسيا لا ترى جدوى اقتصادية للشروع في تصنيع المقاتلات المطلوبة للصين، الا في حال وصل طلبها الى 24 مقاتلة على الاقل. وحسب بعض المصادر، فانّ الصين تعمل حاليا على صنع مقاتلة شبيهة بطائرة SU-33، معتمدة في ذلك على مقاتلاتT – 10K السوفيتية، التي اشترتها من اوكرانيا قبل اربعة اعوام. وتحتاج الصين الى طائرات من هذا النوع من اجل حاملات الطائرات الخاصة بها، التي ستظهر في المستقبل.
ووفقا لتقديرات خبراء في صناعة الدفاع، فانه اذا لم تتمكن الصين من التوصل الى اتفاق مع روسيا، ولم تنجح في استنساخ طائرة SU-33، فقد تتجه لتطوير مقاتلةJ-10 المحلية، لتصبح طائرة محمولة بحرا.
وايا يكن الامر، فقد عادت الصين قوة عسكرية اساسية في المحيط العالمي، بعد غياب دام لاكثر من قرن، وهي تستنفذ اليوم نهضتها الاقتصادية لتعزيز ذراعها العسكرية، بما يضمن لها سلامة الوصول الى منابع الطاقة والمصادر الطبيعية المختلفة في العالم.
ان الصين تعمل بصمت على اعادة انتاج فلسفة دورها من كيان اقليمي الىقوة ذات مصالح واهتمامات عالمية.وهنا بدت الذراع العسكرية الصينية معنية بالدفاع عن مصالح اقتصادية وجيوسياسية، اكتسبت طابعا عالميا اكثر من أي وقت مضى.
القبس