https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png
تراجع الهيمنة السياسية والسطوة العسكرية والقوة الاقتصادية للولايات المتحدة الأميركية لم يعد محل جدل، حتى في صفوف صقور “المحافظين الجدد، وستدفع واشنطن ـ إن آجلا أم عاجلا ـ ثمن خطاياها.
وفي هذا السياق أطلقت السيدة كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية سابقا، سحابة سواء من التشاؤم إزاء مستقبل بلادها، في مقالة نشرتها جريدةالشرق الأوسط” السعودية (اللندنية) بالتعاون مع خدمة “واشنطن بوست”، الأحد الماضي تحت عنوان “تنحي الولايات المتحدة جانباً سيكون ثمنه باهظاً”. وبدت رايس على غير عادتها تكثر من الأسف على زمن مضى كانت فيه أميركا تقرر فيه ما تشاء، وتفرضه على الآخرين، الحلفاء قبل الأعداء.
واقع دور الولايات المتحدة عالمياً، في الوقت الراهن، تناولته رايس من زاوية ما وصفته بـ “تزايد التساؤلات المطروحة حول مدى التزام الولايات المتحدة الأميركية بالإبقاء على النظام العالمي”، الذي حاولت واشنطن أن تفرضه بإدعاء الانتصار النهائي في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وإشاعة أوهام استتباب الأمر للقطبية الأحادية الأميركية، وانتهاء ما يصلح على تسميته بـ(الحرب الباردة)، التي خاضها الغرب بقيادة الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي وحلفائه.
وزادت رايس قائلة: “باتت كلمة فك الارتباط تستخدم اليوم، عند مناقشة دور الولايات المتحدة في العالم في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضى”، بينما تعزز قوى عالمية صاعدة مواقعها على مختلف الصعد، مما يجعل هيمنة واشنطن من الماضي، بصرف النظر عمن يحكم في البيت الأبيض، من الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري.

من المؤشرات التي ركزت عليها رايس، في هذا الصدد، الدور الروسي المتعاظم عسكرياً وسياسياً، وتأثير صعود الصين، كمؤشرين تزعم رايس أنهما “يهددان الأمن والسلم العالمي”، وفيما يخص المؤشر الثاني تحديداً “أوجد مخاطر من نوع مختلف في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وما بعدها”، على حد قول رايس، بالإضافة إلى رضوخ (النظام العالمي الجديد) لـ”ضغوط نتيجة لتمدد تنظيمداعش” المتطرف… واتساع النفوذ الإيراني الذي بات يهدد الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، مما أدى إلى زيادة التحديات..”.

واستفاضت رايس، في مقالتها، في الحديث عن تداعيات تراجع قدرة الولايات المتحدة على التحكم بمفاتيح العلاقات الاقتصادية العالمية، من خلال اتفاقيات التجارة الحرة، التي كانت تستخدمها واشنطن كسلاح لفرض شروط سياسية واقتصادية، فضلاً عن أن تعاظم القوة الروسية، وصعود الصين، بات يهدد القوة العسكرية الشمولية للولايات المتحدة، في ظل تخبط إدارة أوباما وخلافاتها الحادة مع الجمهوريين في الكونغرس، تعتقد رايس أنه يسهم إلى حد بعيد في إفشال “إدارة الدبلوماسية الأميركية”، بتجريد إدارة أوباما من هامش المناورة اللازم لأداء دور تفاوضي مؤثر في اتفاقيات التجارة الحرة وإخضاعها للمراجعة والتدقيق.

وترصد رايس التوقيع على أكثر من مئة اتفاقية تجارة حرة، بين مختلف بلدان العالم منذ عام 2007، من دون مشاركة واشنطن، وهو ما يجعل الآخرين يحددون قواعد اللعبة في الأسواق الحرة، وليس الولايات المتحدة، ويعود هذا باعتراف وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق إلى أن “الولايات المتحدة تحتاج إلى برنامج تجاري نشط لتعزيز اقتصادها داخل إطار النمو الاقتصادي العالمي، وتضيف: “ويعد هذا الأمر نتيجة مهمة في حد ذاته، في ضوء القلق المتنامي حول صحة الاقتصاد الأميركي“.

وتخلص رايس إلى أن فشل الولايات المتحدة في استعادة دورها الاقتصادي السابق دليل آخر على أنها فقدت موقعها العالمي المهيمن، مما يجعل حلفاءها يشعرون بالقلق من كون دول مثل روسيا والصين تسد الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة وراءها. وتلفت رايس إلى أن “التجارة الحرة ليست بديلاً عن القوة العسكرية، لأنها لن تنجح في التعامل مع ما تواجهه واشنطن من تحديات عالمية”، وصفة تدافع عنها بشراسة وزيرة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس جورج بوش الابن، لكنها لا تجيب فيها عن التساؤلات الشائكة المطروحة حول دور الولايات المتحدة، بل ينتهي بها منطقها الذرائعي والإرادوي في التفكير إلى حالة إنكار نشوء نسق دولي جديد، كمعطى موضوعي للموازين العسكرية والاقتصادية، وتبعاً لذلك السياسية، على المستوى العالمي، على الولايات المتحدة أن تتعود على التعايش معه، في عالم متعدد الأقطاب والأنماط الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية.

لكن الاعترافات الثلاثة التي أقرت بها رايس، في مقالتها المذكورة، تؤكد أن تراجع الهيمنة السياسية والسطوة العسكرية والقوة الاقتصادية للولايات المتحدة الأميركية لم تعد محل جدل، حتى في صفوف صقور “المحافظين الجدد، وستدفع واشنطن- إن آجلاً أم عاجلاً- ثمن خطاياها، ومنها إنشاء ورعاية جماعات متطرفة، والإخلال بالمعادلات الإقليمية، وإثارة الحروب والنزاعات.
واشنطن بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

6 + سبعة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube