كان تعيين محمد بن سلمان بن عبد العزيز وليّاً لوليّ العهد السعودي يوم 27 آذار/مارس 2014 مقدّمة ضرورية لتعيينه، الذي جرى أمس، وليّاً للعهد. خلال هذه الفترة استجمع الأمير الشاب مقاليد القرار والسلطة والمال عبرتبوئه مناصب كبرى منها وزارة الدفاع، ورئاسة مجلس الشؤون الاقتصاديةوالتنمية، ورئاسة مجلس الاستثمارات العامة وإدارة أرامكو السعودية، وكانمحمد بن سلمان وراء إعلان خطة استراتيجية للمملكة عنوانها رؤية 2030، واتسعنفوذه المباشر إلى المؤسسات الإعلامية السعودية الكبرى، كما أنه قرّب إليهمجموعة استشارية مهمّة في مجالات السياسة والاقتصاد والإعلام. على المستوى العالمي والإقليمي فقد زار محمد بن سلمان الولايات المتحدةالأمريكية والتقى رئيسها دونالد ترامب، ولديه، إقليمياً، علاقة مميزة معوليّ عهد الإمارات، والرجل الذي يمسك عمليّاً بالسلطات فيها، محمد بن زايد،واستطاع خلال الفترة السابقة تأكيد موقعه ضمن التحالفات التقليدية العربيةللمملكة، عبر تحشيد الدعم للحرب ضد الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي صالحفي اليمن. ضمن هذه المقدّمات السياسية والاقتصادية التي ساهمت في ترتيب شؤون خلافةمحمد بن سلمان لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز يمكن الانتباه إلىالإشارات المتصاعدة للانتظام في أجندة إدارة ترامب حول تسوية ممكنة للوضعالفلسطيني، وحول توظيف المخاوف الإسرائيلية من إيران في الصراع ضدها،والتشابك الجغرافي ـ السياسي المتولّد عن تسليم تيران وصنافير للرياض. ساهمت هذه العوامل جميعها، على ما يظهر، في سلاسة الانتقال الذي كرّسعمليّاً آلية توريث حكم المملكة للأمير الشاب، وهو ما ظهر في تصويت 31عضواً من أصل 34 في «هيئة البيعة»، وفي قبول الأمير محمد بن نايف، وليّالعهد السابق، الخروج من كافّة مناصبه، بما فيها كونه نائباً لرئيس الوزراءووزيرا للداخلية (التي سلّمت لابن أخيه محمد بن سعود بن نايف). غير أن هذه السلاسة في الانتقال، وحجم المبايعة الذي حظي به الأمير محمد بنسلمان، لا يغيران من واقعة أن ما حصل هو تغيير جذريّ في نظام الخلافة علىالعرش السعودي، فمنذ خمسينات القرن الماضي كان خطّ الخلافة ينتقل ضمن أبناءالملك عبد العزيز آل سعود من زوجته حصة السديري (باستثناء الملك فيصل الذيكان من أبناء طرفة بنت عبد الله آل الشيخ)، وبذلك ستؤدي تولية محمد بنسلمان (مع تنحي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز) إلى الاستغناء عن هذهالقاعدة، كما أنها ستبعد عدداً كبيراً من أولاد العمومة الأكبر سنّاً،وتتجاوز قاعدة تقليدية متّبعة في الأنظمة الملكية وهي تولّي الابن الأكبرولاية العهد (فالأمير محمد ليس أكبر أبناء الملك). تتعرّض المملكة لتحدّيات داخليّة هائلة يقف في رأسها، على المستوىالاقتصادي، التراجع المستمرّ لأسعار النفط، الذي كان لعقود طويلة، أسّالاقتصاد الذي تقوم عليه المملكة، وقد قدّم الأمير محمد بن سلماناستراتيجية كبرى لمواجهة تداعيات الإشكالات البنيوية الصعبة لاقتصاد بلاده،ومثّلت هذه الاستراتيجية برنامجاً أعطى لوليّ العهد مساحة زمنية كبيرةلتنفيذه، وإذا كانت آمال قطاعات شعبية متذمّرة بالتغيير قد تعززت وأعطتقبولاً للتغيير لكن تقديم الأمير التزامات محدّدة تجعل هذا القبول الشعبيّمشروطاً بانتقال اقتصاديّ من دون أكلاف هائلة وخضّات اجتماعيّة أكبر، وهوأمر سيكون ضمانه صعباً بالتأكيد، كما أن الانتقال بالاقتصاد السعودي نحوحداثة تتفاعل مع الاقتصاد العالمي أمر يتناقض، بالضرورة، مع النظمالتقليدية العميقة التي تتحكم بالنظام السعودي. إضافة إلى هذا الشروط الهائلة التي لا يمكن تجنّبها داخليّاً، فإن صعودالأمير تناظر مع استفحال الأزمة اليمنية من دون أفق واضح للحلّ، ومع صدعكبير في الأسرة الخليجية مع الحصار المطبّق على قطر والذي انعكس توتّراً معتركيا والمغرب والجزائر وتونس، وساهم في تعقيد أزمات المنطقة في فلسطينوليبيا واليمن وسوريا. من دون سعي حقيقي لتفكيك هذه الإشكاليات الداخلية والخارجية فإن صعوباتكثيرة ستعترض طريق ولي العهد الجديد.
القدس العربي