اهتمت مجلة ناشونال إنترست بالدور الذي يلعبه الرئيس الروسي فلادمير بوتين بالشرق الأوسط، وتحدثت عن الطموحات الروسية بالمنطقة في ظل تراجع الدور الأميركي، وتساءلت كيف أصبح الشرق الأوسط مسرحا لروسيا؟ ونشرت المجلة مقالا للكاتب نيكولاس غفوسديف قال فيه إن وسائل الإعلام الأميركية منشغلة هذه الأيام بشأن “معركة توتير” التي تدور بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ووالد أحد لاعبي كرة السلة الثلاثة في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس، الذين تم الإفراج عنهم في الصين بعد شفاعة ترمب لهم عند الرئيس الصيني شي جين بينغ. وأضاف أنه بينما تواصل وسائل الإعلام الأميركية الانشغال بهذا الحدث على الساحة الأميركية، فإن الرئيس الروسي يحاول إعادة تشكيل المصير الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وذلك من خلال المؤتمر الذي انعقد في مدينة سوتشي بجنوبي روسيا بشأن الصراع في سوريا. وأشار إلى أن الرئيس بوتين استقبل الرئيس السوري بشار الأسد في مدينة سوتشي، الذي زار روسيا لتقديم الشكر على المساعدة الروسية، ولكي يتعهد بتعاونه مع الجهود التي تقودها موسكو لإيجاد تسوية مستدامة لبلاده. وأضاف أن الرئيس بوتين اتصل بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لإطلاعه على المناقشات والاستماع إلى الجهود السعودية، وذلك لدعم التغييرات في لائحة قيادة المعارضة السورية، في محاولة لتحييد أو تهميش المعارضين الأكثر صخبا. وأضاف أن الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني وصلا أيضا إلى سوتشي في روسيا لبحث العملية الانتقالية السورية. وقال إن الرئيس بوتين أحاط البيت الأبيض علما بما يجري من أحداث في هذا السياق، وأضاف أن موسكو كانت تقدم هذه الإحاطة على سبيل المجاملة لا لكي تبحث عن التوجيه الأميركي أو أن تطلب الإذن من واشنطن أو حتى أن تشاركها بهذا الشأن. وأضاف أن رد الفعل الأميركي عموما يتبع أحد الأنماط التالية: – فإما أن يقول الأميركيون دعوا الروس يتعاملون مع المشكلة، وهذا الرد يعتبر بناء على مبدأ “أميركا أولا“. – أو أن يقولوا “إن روسيا ستفشل”، ولذلك فلا داعي لأن تقلق الولايات المتحدة؛ لأنه لا يمكن لموسكو أن تنجز هذه المهمة. – أو أن يستنكر الأميركيون أي تعامل مع دمشق. وقال الكاتب إن كل هذه الردود المتوقعة من الجانب الأميركي هي اعتراف من جانب الولايات المتحدة بأنها ليست مستعدة للتورط في شؤون المرحلة النهائية في سوريا، بل إن السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط قد تغيرت وتراجعت. وقال إن النمط السائد للتدخلات الأميركية في جميع أنحاء العالم صار يقتصر على استخدام واشنطن قدراتها التقنية واللوجستية وقوتها الجوية لدعم وكلائها على الأرض. أما بالنسبة إلى سوريا فأضاف الكاتب أن الولايات المتحدة اعتمدت على تركيا والسعودية في دعم المعارضة السورية المناوئة للأسد، وأنها اعتمدت على الأكراد في التزود بمقاتلين لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. وعلق الكاتب على أهمية مؤتمر سوتشي بالنسبة لروسيا وقال إنه حتى وإن فشلت موسكو في التوصل إلى حل دائم للأزمة السورية، فإن المؤتمر يؤكد على تحالفات جديدة في المنطقة. وذكر الكاتب أن الرئيس التركي أردوغان صار يلتقي بوتين بشكل منتظم وأنه يتحدث معه أكثر مما يتحدث مع حلفائه الاسميين في أوروبا والولايات المتحدة، وأضاف أن أردوغان قد حول موقفه وأنه لم يعد يرى أن من مصلحة تركيا حظر التوسع الروسي في شرق المتوسط أو الشرق الأوسط بالنيابة عن الحلفاء الغربيين الذين لم يعودوا يكترثون لمصالح تركيا. ثم لماذا تتحمل تركيا وطأة تكاليف عزل إيران أو مواجهتها؟ بل لماذا لا تجلس بدلا من ذلك مع الإيرانيين للوصول إلى ما يحقق المصالح التركية والإيرانية، وهذا ما يروق للرئيس روحاني بطبيعة الحال. واستدرك أن هذا التفاهم الذي يحققه الرئيس بوتين مع اثنتين من القوى الإقليمية الكبرى مثل تركيا وإيران اللتين كانتا منافستين لروسيا على المستوى الجيوسياسي يعتبر اختبارا مهما لنهجه في الشؤون العالمية. وقال إن بوتين تمكن من تحقيق بعض النجاحات عبر خفض التصعيد في سوريا، وأن مثل هذا النجاح قد يتحقق في تسوية شاملة في سوريا بينما يتم تهميش الولايات المتحدة. وختم الكاتب مقاله بالقول إن هذه النجاحات قد تقود بوتين إلى محاولة إيجاد حل للقضية الكردية ثم لأزمات أخرى في الشرق الأوسط وأنحاء العالم، الأمر الذي يزيد من تأثير النفوذ الروسي على مسرح المنطقة والمسرح الدولي، وذلك على حساب تراجع الدور الأميركي على المسرح الدولي. |