https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

المؤلف : عبد القادر دندن

اصدر مركز الجزيرة للدراسات، كتابًا جديدًا بعنوان “صراع القوى الكبرى في الهندوباسيفيك.. إعادة تخيل الخريطة الإستراتيجية لآسيا”، لمؤلفه، عبد القادر دندن، الباحث المختص في الشؤون الآسيوية.

 

يستعرض الكتاب مفهوم “الهندوباسيفيك” أو المحيطين الهندي-الهادي، ويرصد أطوار وخلفيات صعوده وبروزه، وكيفية ارتباطه بما يعرف بالفضاءات المتخيلة أو الخرائط الذهنية، التي تلعب دورًا حاسمًا ومهمًّا في فهم تطورات العالم المعاصر. ويتتبع التطورات الإستراتيجية التي تشهدها منطقة الهندوباسيفيك، بحسبانها مركز التحولات التي يُتوقع أن تكون الأكثر تأثيرًا في الواقع الدولي ومستقبل العلاقات الدولية، أمنيًّا وعسكريًّا وإستراتيجيًّا واقتصاديًّا.

 

يوضح الكتاب منطلقات وأسس التباين الإستراتيجي بين منظور كل من القوى المؤيدة لهذا المفهوم، وعلى رأسها ما يعرف بدول الرباعي الإستراتيجي (الولايات المتحدة الأميركية واليابان وأستراليا والهند)، والقوى المعارضة له وفي مقدمتها الصين، ومجريات إدارة الصراع القائم بين الجانبين هناك، عبر آليات واستجابات مختلفة منها الأمنية والاقتصادية.

 

ويخلص الكتاب إلى أن استحضار مفهوم الهندوباسيفيك من مكمنه التاريخي والطبيعي الجغرافي، وإضفاء أبعاد إستراتيجية وجيوبوليتيكية وجيواقتصادية عليه، ليس وليد الصدفة، أو مجرد ترف فكري إستراتيجي، بل هو حاجة وضرورة أملتها على الدول المتبنية للمفهوم مجموعة من العوامل والمعطيات والمصالح المتشابكة معًا، يتجلى أهمها وأكثرها تأثيرًا في صعود الصين إقليميًّا وعالميًّا، وتهديدها لهيكلية النظام الدولي وتوزيع القوة فيه، وزحزحة قوى معينة عن مكانتها العالمية أولها الولايات المتحدة الأميركية، وإحلال قوى أخرى بدلًا عنها، أو على الأقل مجاورتها لواشنطن في ظل عالم متعدد الأقطاب، تكون فيه أميركا أقل قوة وتأثيرًا.

 

وعلى المستوى الإقليمي، أكد الكتاب على أن صعود نجم الهندوباسيفيك تزامن مع تنامي دور الهند في غرب المحيط الهادي، وخروجها من عزلتها الإستراتيجية في المحيط الهندي، ومتانة علاقاتها بالولايات المتحدة الأميركية واليابان وأستراليا، ونقل واشنطن لمركز اهتمامها وأولوياتها الإستراتيجية من الشرق الأوسط وأوروبا نحو المحيط الهادي بالدرجة الأولى وجاره الهندي بدرجة ثانية، وتأسيس قيادة عسكرية أميركية للهندوباسيفيك عوضًا عن سابقتها الخاصة بآسيا الباسيفيك، وتحمس أستراليا للعب دور القوة المتوسطة القائدة والمسؤولة والأكثر فاعلية خارج حدود أوقيانوسيا في غرب المحيط الهادي والمحيط الهندي، وهو ما يفسر كونها أول دولة تدرج مفهوم الهندوباسيفيك في وثائقها الإستراتيجية الرسمية.

 

ويشير الكتاب إلى أن الصين هي محور إستراتيجية الهندوباسيفيك والمستهدف الأول بها، وذلك لأن دول الرباعي الإستراتيجي لديها خلفيات نزاعية معها، وأن العداء للصين هو ما يرسم ويحدد معالم البيئة الأمنية في الهندوباسيفيك، وأن هذا هو السبب الذي يجعل بيجين ترفض هذا المفهوم، وما يترتب عليه من سياسات وإستراتيجيات وتحالفات، وتعتبرها معادية.

 

في مقابل ذلك، تحرص دول الرباعي الإستراتيجي على أمننة الأدوار التي تلعبها الصين في المنطقة، وتعارض مطالبها الإقليمية في بحري الصين الجنوبي والشرقي وتايوان وتتهمها بتهديد الأمن البحري والحق في حرية الملاحة.

 

ويوضح الكتاب أن هذه الرؤى والمنطلقات المتضاربة تتسبب في خلق جو مشحون وبيئة أمنية مضطربة في الهندوباسيفيك؛ يغذيها انقسام حاد على أسس إستراتيجية ومعيارية بين دول الرباعي الإستراتيجي من جهة، والصين على وجه الخصوص من جهة ثانية، وعمل كل طرف على استقطاب قوى أخرى من داخل المنطقة وخارجها إلى صفه، مثل كوريا الجنوبية ونيوزيلندا ودول الآسيان ودول أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي بالنسبة لدول الرباعي الإستراتيجي، وروسيا وكوريا الشمالية ودول أخرى بالنسبة للصين، مع تنافس حاد بين هذه القوى على كسب تأييد الدول الجزرية الصغيرة في جنوب المحيط الهادي، بعد تنامي أهميتها الإستراتيجية في هذا الصراع.

 

وينتهي الكتاب إلى أنه بين نذر الصراع من جانب واحتمالات التعاون من جانب ثان، تتأرجح البيئة الأمنية لمنطقة الهندوباسيفيك، ويتأرجح معها الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والعالمي. ويحذِّر الكتاب من أن أي عسكرة لصراعات المنطقة وتفاعلاتها والوصول بها في أكثر الحالات تطرفًا وقسوة نحو الحرب بين الجانبين، الصيني من جهة والأميركي وحلفائه من جهة ثانية؛ ستجر العالم بأكمله نحو حرب باهظة الخسائر والتكاليف، خاصة مع قوة الأطراف العسكرية هناك، والتي تشتمل على قوى نووية، بالإضافة إلى عوامل الكثافة السكانية العالية في المنطقة، ووجود خلفيات نزاعية، وعداوات تاريخية بين عدد من تلك القوى، غذَّتها عقود من المشاحنات بشأن مطالب إقليمية متعددة.

 

ويقترح الكتاب لتفادي سيناريو الحرب تقوية شبكة من الترتيبات الإقليمية لمتابعة تطورات النزاعات القائمة هناك، واستحداث آلية رقابة مشتركة ورصد لمختلف الأحداث التي يمكن أن تنجم عنها حرب عَرَضِية، وتطوير نظام إنذار مبكر يتتبع التحذيرات التي تنذر بإمكانية نشوب نزاع أو تطور احتكاك معين ليشعل فتيل مواجهة غير محمودة العواقب، وتجنب سياسات حافة الهاوية، والاستفزازات المتبادلة، والخطابات غير المسؤولة، وحتى إن لم يتم النجاح في تغليب سيناريو التعاون بشكل كلي أو شبه كلي، فالإنجاز الأكبر سيكون إبقاء الصراع ودائرة التنافس في حدود معينة وضيقة، بحيث لا تتطور نحو تهديد الأمن والاستقرار هناك.

 

يأتي كتاب “صراع القوى الكبرى في الهندوباسيفيك.. إعادة تخيل الخريطة الإستراتيجية لآسيا” ليسد ثغرة في الدراسات الإستراتيجية العربية في هذا المجال، والتي ما زالت تحتاج إلى بحوث وكتابات أكثر تخصصًا وتعمقًا في معالجة هذه التطورات، وخصوصًا في منطقة الهندوباسيفيك التي تمتد جغرافيًّا وجيوبوليتيكيًّا وجيواقتصاديًّا إلى المنطقة العربية ولاسيما منطقة الخليج العربي، والدول العربية الأخرى المطلة على المحيط الهندي.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 − ثلاثة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube